
الملك قد علم أنهن راودن يوسف عن نفسه؛ لأنه قال: (مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدْتُنَّ) ولم يقل لهن: راودتن أم لا؟ ولكنه قطع القول فيه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
بدأ بهن حتى أقررن أنه كان بريئًا ما قرف به واتهم، ثم أقرت امرأة الملك بعد ذلك لما أقر النسوة؛ فقالت:
(الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ).
قيل: الآن تبين الحق وتحقق.
(أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ) وفي قوله: (رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
وقوله: (مَا خَطْبُكُنَّ) ما شأنكن وأمركن، والخطب: الشأن، وراودتن: قد ذكرناه.
وقوله: (قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ).
قيل: معاذ اللَّه، وقيل: هي كلمة تنزيه وتبرئة من القبيح.
وقوله: (مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
قال أهل التأويل: الزنا، ولكن قوله: (مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ) هو السوء الذي قالت، (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) هو ذلك السوء قالت إنه أراده بها قلن ما علمنا منه ذلك.
وقوله: (حَصْحَصَ الْحَقُّ).
قد ذكرناه أنه تبين وتحقق.
وفي قوله: (مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ).
دلالة أن لم يكن منه ما قاله أهل التأويل من حلّ السراويل وغيره؛ لأنه لو كان منه ذلك لَكُنَّ قد علمن منه السوء.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذَلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ (٥٢)
قوله: ذلك الرد الذي كان منه وترك الإجابة لرسول الملك؛ حيث قال: (ائْتُونِي بِهِ)

ليعلم الملك أني لم أخنه بالغيب؛ في أهله إذا غاب عني؛ ردًّا لقولها: (مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا) أن وتصديقًا لقوله؛ حيث قال: (هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي).
وقال بعض أهل التأويل: ذلك ليعلم اللَّه أني لم أخنه؛ يعني الزوج بالغيب، لكن هذا بعيد، إنه قد علم يوسف أن اللَّه قد علم أنه لم يخنه بالغيب.
وقول أهل التأويل لما قال يوسف: (لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ) قال له الملَك: ولا حين هممت ما هممت؟ فقال: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ): هذا مما لا نعلمه.
وقد ذكرنا التأويل في قوله: (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا) ما يحل ويسع أن يتكلم به، وفساد تأويل أهل التأويل من الوجوه التي ذكرنا.