آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَٰلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧ

﴿مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي: يؤكلُ فيهن ما أعددتم لهنَّ من الطعامِ، أضافَ الأكلَ إلى السنينَ على طريقِ التوسُّع.
﴿إِلَّا قَلِيلًا مِمَّا تُحْصِنُونَ﴾ تُحْرِزونَ وتَدِّخرونَ.
...
﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩)﴾.
[٤٩] ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ أي: بعدَ السنينَ المجدبةِ.
﴿عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ﴾ يُمْطَرون، من الغيثِ.
﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ العنبَ والزيتَ، والمرادُ: كثرةُ النعيمِ والخير. قرأ حمزةُ، والكسائيُّ، وخلفٌ: (تَعْصِرُونَ) بالخطاب؛ لأن الكلامَ كلَّه بالخطاب، وقرأ الباقون: بالغيبِ ردًّا إلى (الناس) (١).
...
﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾.
[٥٠] ﴿وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ﴾ وذلكَ أن الساقيَ لما رجعَ إلى الملكِ، وأخبرَه بما أفتاه يوسفُ من تأويلِ رؤياه، عرفَ الملكُ أنَّ الذي قالَه كائنٌ، فقال: عَلَيَّ بهِ.

(١) انظر: "السبعة" لابن مجاهد (ص: ٣٤٩)، و"التيسير" للداني (ص: ١٢٩)، و"تفسير البغوي" (٢/ ٤٦٧)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٢٩٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٧٥).

صفحة رقم 430

﴿فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ﴾ فقال: أَجِبِ الملكَ، فأبى أن يخرجَ حتى تظهرَ براءتُه، ثم ﴿قَالَ﴾ للساقي ﴿ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ﴾ يعني: سيدَكَ الملكَ.
﴿فَاسْأَلْهُ﴾ قرأ ابنُ كثيرٍ، والكسائيُّ، وخلفٌ: (فَسَلْهُ) بالنقلِ (١).
﴿مَا بَالُ﴾ ما حالُ ﴿النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ ولم يذكر امرأةَ العزيزِ تأدبًا ومراعاةً لحقِّها.
﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ حينَ قلنَ لي: أطعْ مولاتَك، وأراد بذلك إظهارَ براءته بعدَ طولِ المدةِ حتى لا ينظرَ الملكُ إليهِ بعينِ التهمةِ، قال - ﷺ -: "لَوْ لَبِثْتُ فِي السِّجْنِ مَا لَبِثَ يُوسُفُ، لأَجَبْتُ الدَّاعِيَ" (٢)، وروي أنه قال: "رَحِمَ اللهُ أَخِي يُوسُفَ إِنْ كانَ إِلَّا ذَا أَنَاةٍ، لَوْ كُنْتَ أَنَا، لأَسْرَعْتُ الإِجَابَةَ" (٣)، يقولُ ذلكَ هضمًا للنفس، في هذا دليلٌ على وجوبِ الاجتهادِ في نفي التُّهَمِ، ونفيِ الوقوفِ في مواقفِها، في الحديث: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، فَلاَ يَقِفْ مَوَاقِفَ التُّهَمِ" (٤).
...

(١) انظر: "الغيث" للصفاقسي (ص: ٢٥٨)، و"إتحاف فضلاء البشر" للدمياطي (ص: ٢٦٥)، و"معجم القراءات القرآنية" (٣/ ١٧٦).
(٢) رواه البخاري (٣١٩٢)، كتاب: التفسير، باب: قوله عز وجل: ﴿وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ﴾، ومسلم (١٥١)، كتاب: الإيمان، باب: زيادة طمأنينة القلب بتظاهر الأدلة، عن أبي هريرة -رضى الله عنه-.
(٣) رواه الإمام أحمد في "المسند" (٢/ ٣٤٦)، والحاكم في "المستدرك" (٢٩٤٨)، عن أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٤) قال الزيلعي في "تخريج أحاديث الكشاف" (٣/ ١٣٦): غريب.

صفحة رقم 431
فتح الرحمن في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو اليمن مجير الدين عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن العليمي الحنبلي
تحقيق
نور الدين طالب
الناشر
دار النوادر (إصدَارات وزَارة الأوقاف والشُؤُون الإِسلامِيّة - إدَارَةُ الشُؤُونِ الإِسلاَمِيّةِ)
سنة النشر
1430 - 2009
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
7
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية