آيات من القرآن الكريم

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

وقوله تعالى: ﴿وَأَلْفَيَا﴾ أي أدركا وصادفا، قال ذو الرمة (١):
ألْفَى أبَاه بدال الكَسْب يَكْتَسِبُ
وقوله تعالى: ﴿سَيِّدَهَا﴾ قال ابن عباس والكلبي وغيرهما (٢): زوجها، وقالت المرأة سابقة بالقول: ﴿مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا﴾ قال ابن عباس: يريد الزنا، مثل قوله: ﴿مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ﴾.
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ﴾ أي: يحبس في السجن، ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ يعني الضرب بالسياط، وعطف العذاب على قوله: ﴿أَنْ يُسْجَنَ﴾؛ لأنه بمعنى السجن، وقد مر، وهذه الآية بيان عن ما يوجبه مكر النساء من البهت، بطرح الجرم على غير صاحبه لتبرئة النفس من ذلك.
٢٦ - قوله تعالى: ﴿قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾ قال نوف: أحْسَبُها الشيباني هكذا في الطبري (٣): ما كان يوسف يريد أن يذكره، فلما سبقت هي بطرح الجرم عليه غضب يوسف، وقال: ﴿هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي﴾.
وقوله تعالى: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ اختلفوا في هذا الشاهد، فقال ابن عباس (٤)، في رواية عطاء وابن أبي مليكة: كان رجلاً حكيمًا من أقارب المرأة.

(١) انظر: "ديوانه" ٩٩، و"الدر المصون" ١/ ٦٩٧.
(٢) أخرجه الطبري ١٢/ ١٩٢ عن زيد بن ثابت. وأخرجه الطبري ١٢/ ١٩٢ وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٧، وأبو الشيخ عن مجاهد كما في "الدر" ٤/ ٢٥، و"تنوير المقباس" ص ١٤٨.
(٣) الطبري ١٢/ ١٩٣ عن نوف الشيباني، والثعلبي ٧/ ٧٦ ب، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٧، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٢٥.
(٤) الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، و"زاد المسير" ٤/ ٢١١.

صفحة رقم 80

وهو قول الحسن (١)، وعكرمة (٢)، وقتادة (٣)، والضحاك (٤)، ومجاهد (٥) برواية منصور، ومحمد بن إسحاق (٦) قال: كان رجلاً يشاوره أطفير ويسمع قوله، وعلى هذا فمعنى قوله: ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ﴾ أي أعلم معلم، وبين مبين، وقال قائل، غير أن هذا القول والإعلام لما كان كالبينة استعمل فيه لفظ الشهادة، [قال مجاهد (٧): شهد شاهد: حكم حاكم. وإنما قلنا ذلك؛ لأن الشهادة] (٨) لا يصح تعليقها بالشرط؛ ولأنه لو كانت هذه شهادة معهودة لقيل وشهد مشاهد من أهلها، (أنه إن كان قميصه) كما يقال: إن فلانًا فعل كذا، ولفظ الشهادة يستعمل في التبيين، كقوله تعالى: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] أي (٩): أعلم وبين، وقال تعالى: ﴿شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ﴾ [التوبة: ١٧] يريد بينوا؛ ذلك لعنادهم، الحق وإن لم يكن منهم اعتراف بالكفر.

(١) الطبري ١٢/ ١٩٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٩ وانظر: "الدر" ٤/ ٢٦، الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، البغوي ٤/ ٢٣٥، القرطبي ٩/ ١٧٣، ابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٩.
(٢) الطبري ١٢/ ١٩٤، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٢٦، الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، البغوي ٤/ ٢٣٥، القرطبي ٩/ ١٧٣.
(٣) الطبري ١٢/ ١٩٥، وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٩ وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٢٦، الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، البغوي ٤/ ٢٣٥، عبد الرزاق ٢/ ٣٢٢، القرطبي ٩/ ١٧٣.
(٤) الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، القرطبي ٩/ ١٧٣، الطبري ١٢/ ١٩٤ بلفظ: ذو رأي برأيه.
(٥) الطبري ١٢/ ١٩٤ - ١٩٥، الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، البغوي ١٢/ ١٩٤، القرطبي ٩/ ١٧٣.
(٦) الطبرى ١٢/ ١٩٤ - ١٩٥.
(٧) الطبري ١٢/ ١٩٥.
(٨) ما بين المعقوفين ساقط من (أ)، (ج).
(٩) في (ب) بياض.

صفحة رقم 81

وقال ابن الأنباري (١):
ويجوز أن يقال: إن الشهادة لم تقع إلا على معلوم عند الشاهد بكلام سمعه من المرأة من وراء الباب، أو لفظة وقعت في أذنه من ألفاظ يوسف في حال هربه، فأوقع في الشهادة شرطًا ليؤكد العلم به للمخاطبين من جهة العقل، وتلخيص الآية: هو الصادف عندي وهي الكاذبة، فإن تدبرتم ما أشرطه (٢) لكم، عقلتم صحة قولي، وصار هذا كقول القائل: إن كان القَدَر حقًا فالحرص باطل، فليس هذا الشارط بشاك، لكنه ألزم مخاطبه صحة ما يقول، فدخلت (إن) على جهة التقدير للمعنى الذي يوجب غيره لا للشك، وكذا يكون مقدرات الاستدلال، والأول هو مذهب المفسرين.
قال الكلبي (٣):
الشاهد ابن عم المرأة، وكان رجلاً حكيمًا، كان مع زوجها، فقال قد سمعنا الاشتداد والجلبة من رواء الباب، وشق القميص، فلا ندري أيكما كان قدام صاحبه، فإن كان شق القميص من قدامه فأنت صادقة، وإن كان من خلفه، فهو صادق.
ونحو هذا قال السدي (٤) ومقاتل (٥): أن الشاهد كان ابن عمها فحكم بما أخبر الله تعالى.
وروى عطية العوفي عن ابن عباس أن الشاهد كان صبيًّا أنطقه الله،

(١) "زاد المسير" ٤/ ٢١٢.
(٢) في (ب): (ما اشترطته).
(٣) القرطبي ٩/ ١٧٣ ولم ينسبه. وابن أبي حاتم ٧/ ٢١٢٩ عن زيد بن أسلم.
(٤) البغوي ٤/ ٢٣٥، القرطبي ٩/ ١٧٣، والثعلبي ٧/ ٧٧ أ.
(٥) "تفسير مقاتل" ١٥٢ ب.

صفحة رقم 82

وهو رواية سالم (١) عن سعيد بن جبير (٢)، وجويبر عن الضحاك (٣)، وقول هلال بن يساف (٤) قال: الشاهد صبي في المهد، ولم يتكلم في المهد إلا ثلاثة، هذا أحدهم.
قال ابن عباس (٥): تكلم في المهد أربعة صغار: شاهد يوسف، وعيسى ابن مريم، وصاحب جريح، وابن ماشطة بنت فرعون.
قال ابن الأنباري (٦): فمن ذهب إلى هذا القول قال: الشرط الواقع مصحح لبراءة يوسف، وتحقيق الجرم للمرأة؛ لأن كلام مثله أعجوبة، وآية باهرة معجزة، لا يكون معها لبس.
وروى ابن أبي نجيح وابن جريح عن مجاهد (٧) قال: الشاهد قميصه مشقوقًا من دبر.

(١) هو: سالم بن عجلان الأفطس الأموي، مولاهم، أبو محمد الحراني، ثقة رمي بالإرجاء، قتل صبرًا سنة ١٣٢ هـ. "التقريب" (٢١٨٣)، و"الميزان" ٢/ ٣٠٢.
(٢) الطبري ١٢/ ١٩٣، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٢٦، البغوي ٤/ ٢٣٤.
(٣) الطبري ١٢/ ١٩٤، وأبو الشيخ كما في "الدر" ٤/ ٢٦، البغوي ٤/ ٢٣٤.
(٤) الطبري ١٢/ ١٩٤، و"زاد المسير" ٤/ ٢١١، والثعلبي ٧/ ٧٦ ب، وهو: الأشجعي مولاهم الكوفي، ثقة، روى له الجماعة إلا البخاري، روى له في التاريخ. انظر: ا"لتقريب" ص ٥٧٦ (٧٣٥٢).
(٥) أخرجه البخاري في "صحيحه": (٣٤٣٦) كتاب: الأنبياء، باب: قول الله تعالى: ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا﴾، ومسلم (٢٥٥٠/ ٨) كتاب: البر، باب: تقديم بر الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها، وأحمد ٢/ ٣٠٧، ٣٠٨، بلفظ (لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة).
(٦) "زاد المسير" ٤/ ٢١٢.
(٧) الطبري ١٢/ ١٩٥، الثعلبي ٧/ ٧٧ أ، "زاد المسير" ٤/ ٢١٢.

صفحة رقم 83
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية