آيات من القرآن الكريم

قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ
ﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯ

إليه وإبداء الشفقة له، فهذا يدل على ما ذكرنا من كون الإرادة مع الفعل، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦)
أي: دعتني، والمراودة قد ذكرنا أنها هي الدعوة؛ كقوله: (سَنُرَاوِدُ عَنْهُ أَبَاهُ) أي: سندعوه منه ونطلبه.
فَإِنْ قِيلَ: كيف هتك سترها بقوله: (رَاوَدَتْنِي عَنْ نَفْسِي)؟
قيل: ليس فيه هتك الستر عليها؛ بل فيه نفي العيب والطعن عن نفسه، فالواجب على المرء أن ينفي العيب وما يشينه عن نفسه على ما فعل يوسف.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ) من كذا فهو كذا، وإن كان كذا فهو كذا من كذا.
قال بعض أهل التأويل: ذلك الشاهد هو ابن عم لها رجل حليم يقال كذا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: شق القميص من دبر هو الشاهد، وأمثاله؛ لكن هذا لا يعلم من كان ذلك الشاهد.
وقيل: صبي في المهد.

صفحة رقم 228

وليس لنا إلى معرفة ذلك حاجة.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (٢٦) وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
هذا لأن القميص إذا كان قد من قبل فهو إنما ينقد من دفعها إياه عن نفسها، وإذا كان القميص مقدودا من دبر فهو إنما ينقد من جرها إياه إلى نفسها، لا من دفعها إياه عن نفسها؛ هذا هو الظاهر في العرف؛ لذلك قال الشاهد: (إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ) وكذا (وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ (٢٧) فَلَمَّا رَأَى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ...) الآية؛ استدل على أنه إنما تمزق من جرها إياه لا من دفعها عن نفسها، ففيه دلالة جواز العمل بالاجتهاد؛ لأن القميص في الغالب لا يتمزق من دبر إلا عن جر من وراء، ولا من قبل إلا عن دفع من قدام، لذلك دل على ما ذكرنا، واللَّه أعلم.
وإن كان يجوز أن يكون في الحقيقة على غير ذلك، لكن نظر إلى الغالب.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ)، أي: شقت ومزقت، ومقدود: أي: مشقوق، من دبر: أي: من خلف، ومن قبل: أي: من قدام، وهو مأخوذ من القبل، من قبل المرأة.
وقوله: (وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَا الْبَابِ) ولم يقل: سيدهما؛ فهذا يدل على ما ذكرناه.
(لَدَا البَابا).
أي: عند الباب، وهو ظاهر؛ أي: وجدا سيدها عند الباب.

صفحة رقم 229
تأويلات أهل السنة
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن محمد بن محمود، أبو منصور الماتريدي
تحقيق
مجدي محمد باسلوم
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت، لبنان
سنة النشر
1426
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية