آيات من القرآن الكريم

وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ
ﮃﮄﮅﮆﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚ

وقرأ بعض قرأة البصرة:"إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلِصِينَ" بكسر اللام = بمعنى: إن يوسف من عبادنا الذين أخلَصوا توحيدنا وعبادتنا، فلم يشركوا بنا شيئًا، ولم يعبدُوا شيئًا غيرنا.
* * *
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن يقال: إنهما قراءتان معروفتان قد قرأ بهما جماعة كثيرة من القرأة، وهما متفقتا المعنى. وذلك أن من أخلصه الله لنفسه فاختاره، فهو مُخْلِصٌ لله التوحيدَ والعبادة، ومن أخلص توحيدَ الله وعبادته فلم يشرك بالله شيئًا، فهو ممن أخلصه الله، فبأيتهما قرأ القارئ فهو للصوابِ مصيبٌ.
* * *
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلا أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (٢٥) ﴾
قال أبو جعفر: يقول جل ثناؤه: واستبق يوسف وامرأة العزيز بابَ البيت، (١) أما يوسف ففرارًا من ركوب الفاحشة لما رأى برهان ربه فزجره عنها، وأما المرأة فطلبها ليوسف لتقضي حاجتها منه التي راودته عليها، فأدركته فتعلقت بقميصه، فجذبته إليها مانعةً له من الخروج من الباب، ، فقدَّته من دبر = يعني: شقته من خلف لا من قدام، (٢) لأن يوسف كان هو الهارب، وكانت هي الطالبة، كما: -
١٩٠٩١ - حدثنا محمد بن عبد الأعلى، قال: حدثنا محمد بن ثور، عن

(١) انظر تفسير" الاستباق" فيما سلف ١٥: ٥٧٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.
(٢) انظر تفسير" الدبر" فيما سلف ١٤: ١٥، تعليق: ٤، والمراجع هناك.

صفحة رقم 50

معمر، عن قتادة: (واستبقا الباب)، قال: استبق هو والمرأة الباب، (وقدت قميصه من دبر).
١٩٠٩٢ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: لما رأى برهان ربه، انكشفَ عنها هاربًا، واتبعته، فأخذت قميصه من دبر، فشقَّته عليه.
* * *
وقوله: (وألفيا سيدها لدى الباب)، يقول جل ثناؤه: وصادفا سيدها (١) = وهو زوج المرأة (٢) ="لدى الباب"، يعني: عند الباب (٣). كالذي: -
١٩٠٩٣ - حدثني الحارث، قال: حدثنا عبد العزيز، قال: حدثنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد: (وألفيا سيدها)، قال: سيدها: زوجها =، (لدى الباب)، قال: عند الباب.
١٩٠٩٤ - حدثني المثنى، قال: حدثنا إسحاق، قال: حدثنا يحيى بن سعيد، عن أشعث، عن الحسن، عن زيد بن ثابت، قال": السيد"، الزوج.
١٩٠٩٥ - حدثنا بشر، قال: حدثنا يزيد، قال: حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وألفيا سيدها لدى الباب)، أي: عند الباب.
١٩٠٩٦ - حدثنا ابن وكيع، قال: حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي: (وألفيا سيدها لدى الباب)، قال: جالسًا عند الباب وابن عمّها معه، فلما رأته قالت: ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا؟ إنه راودني عن نفسي، فدفعته عن نفسي، فشققت قميصه. قال يوسف: بل هي راودتني عن نفسي، وفررت منها فأدركتني، فشقت قميصي. فقال ابن عمها: تِبْيان هذا في القميص،

(١) انظر تفسير" ألفى" فيما سلف ٣: ٣٠٦، ٣٠٧.
(٢) انظر تفسير" السيد" فيما سلف ٦: ٣٧٤.
(٣) انظر تفسير" لدى فيما سلف ٦: ٤٠٧.

صفحة رقم 51

فإن كان القميص، قدّ من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين، وإن كان قميصه قدّ من دبر فكذبت وهو من الصادقين. فأتي بالقميص، فوجده قدّ من دبر قال: (إنه من كيدكن إن كيدكن عظيم. يوسف أعرض عن هذا واستغفري لذنبك إنك كنت من الخاطئين).
١٩٠٩٧ - حدثنا ابن حميد، قال: حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق: (وألفيا سيدها لدى الباب)، إطفير، قائمًا على باب البيت، فقالت وهابَتْه: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا إلا أن يسجن أو عذاب أليم) ولطخته مكانها بالسيئة، فَرَقًا من أن يتهمها صاحبُها على القبيح. فقال هو، وصَدقه الحديث: (هي راودتني عن نفسي).
* * *
وقوله: (قالت ما جزاء من أراد بأهلك سوءًا) يقول تعالى ذكره: قالت امرأة العزيز لزوجها لما ألفياه عند الباب، فخافت أن يتهمها بالفجور: ما ثواب رجل أرادَ بامرأتك الزنا إلا أن يسجن في السجن، (١) أو إلا عذاب أليم = يقول: موجع.
* * *
وإنما قال: (إلا أن يسجن أو عذاب أليم)، لأن قوله: (إلا أن يسجن)، بمعنى إلا السجن، فعطف"العذاب" عليه ; وذلك أن"أن" وما عملت فيه بمنزلة الاسم.
* * *

(١) انظر تفسير" الجزاء" فيما سلف من فهارس اللغة (جزى).

صفحة رقم 52
جامع البيان في تأويل آي القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد الطبري
تحقيق
أحمد شاكر
الناشر
مؤسسة الرسالة
الطبعة
الأولى، 1420 ه - 2000 م
عدد الأجزاء
24
التصنيف
كتب التفسير
اللغة
العربية