
القول في تأويل قوله تعالى: ﴿وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ (١٨) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب)، وسماه الله"كذبًا" لأن الذين جاؤوا بالقميص وهو فيه، كذَبوا، فقالوا ليعقوب:"هو دم يوسف"، ولم يكن دمه، وإنما كان دم سَخْلةٍ، (١) فيما قيل.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٤٣- حدثني أحمد بن عبد الصمد الأنصاري قال، حدثنا أبو أسامة، عن شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة. (٢)
١٨٨٤٤- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
١٨٨٤٥- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلة = يعني: شاة.
١٨٨٤٦- حدثني المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، في قول الله: (بدم كذب) قال: دم سخلةٍ، شاة.
(٢) الأثر: ١٨٨٤٣ -" أحمد بن عبد الصمد بن علي بن عيسى الأنصاري الزرقي"،" أبو أيوب"، شيخ الطبري، مشهور لا بأس به. مترجم في تاريخ بغداد ٤: ٢٧٠، ولسان الميزان ١: ٢١٤، وروى عنه الطبري في تاريخه ٥: ٢٢، في موضع واحد. وانظر ما سيأتي رقم: ١٨٨٥٥.

١٨٨٤٧- حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله: (بدم كذب) قال: كان ذلك الدم كذبًا، لم يكن دمَ يوسف.
١٨٨٤٨- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين، قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (بدم كذب) قال: دم سخلة، شاة.
١٨٨٤٩- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عباس، في قوله: (بدم كذب) قال: بدم سخلة.
١٨٨٥٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد، عن أسباط، عن السدي، قال: ذبحوا جديًا من الغنم، ثم لطَّخوا القميص بدمه، ثم أقبلوا إلى أبيهم، فقال يعقوب: إن كان هذا الذئبُ لرحيما! كيف أكل لحمه ولم يخرق قميصه؟ يا بني، يا يوسف ما فعل بك بنو الإماء!
١٨٨٥١- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا سفيان الثوري، عن سماك بن حرب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لو أكله السبع لخرق القميص.
١٨٨٥٢- حدثنا الحسن بن محمد، قال، حدثنا أبو خالد، قال، حدثنا سفيان بإسناده عن ابن عباس، مثله= إلا أنه قال: لو أكله الذئب لخرَّق القميص.
١٨٨٥٣- حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا أبو أحمد قال، حدثنا سفيان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، في قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب)، قال: لو كان الذئب أكله لخرَّقه.
١٨٨٥٤- حدثني عبيد الله بن أبي زياد قال، حدثنا عثمان بن عمرو قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فجعل

ينظر إليه فيرى أثر الدم، ولا يرى فيه خَرْقًا، قال: يا بني ما كنت أعهدُ الذئب حليمًا؟
١٨٨٥٥- حدثنا أحمد بن عبد الصمد الأنصاري، قال، حدثنا أبو عامر العقدي، عن قرة، قال: سمعت الحسن يقول: لما جاؤوا بقميص يوسف، فلم ير يعقوب شقًّا، قال: يا بني، والله ما عهدت الذئب حليمًا؟ (١)
١٨٨٥٦- حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا حماد بن مسعدة، عن عمران بن مسلم، عن الحسن، قال: لما جاء إخوة يوسف بقميصه إلى أبيهم، قال: جعل يقلبه فيقول: ما عهدت الذئب حليمًا؟ أكل ابني، وأبقى على قميصه!
١٨٨٥٧- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة، قوله: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتوا نبيَّ الله يعقوب بقميصه، قال: ما أرى أثرَ سبع ولا طعْنٍ، ولا خرْق.
١٨٨٥٨- حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة: (بدم كذب) الدم الكذب، لم يكن دم يوسف.
١٨٨٥٩- حدثنا القاسم، قال: حدثنا الحسين، قال: حدثنا هشيم، قال: أخبرنا مجالد، عن الشعبي قال: ذبحوا جديًا ولطخوه من دمه. فلما نظر يعقوب إلى القميص صحيحًا، عرف أن القوم كذبوه. فقال لهم: إن كان هذا الذئب لحليمًا، حيث رَحم القميص ولم يرحم ابني! فعرف أنهم قد كذبوه.
١٨٨٦٠- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن سيفان، عن سماك، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: (وجاؤوا على قميصه بدم كذب) قال: لما أتي يعقوب بقميص يوسف، فلم ير فيه خرقًا، قال: كذبتم، لو أكله السبع لخرق قميصه!

١٨٨٦١- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحاق الأزرق، ويعلى، عن زكريا، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: حين جاؤوا على قميصه بدم كذب. قال: وقال يعقوب: لو أكله الذئب لخرقَ قميصه.
١٨٨٦٢- حدثنا الحسن بن محمد، قال: حدثنا محمد قال، حدثنا زكريا، عن سماك، عن عامر قال: إنه كان يقول: في قميص يوسف ثلاث آيات: حين ألقي على وجه أبيه فارتد بصيرًا، وحين قُدَّ منْ دُبُر، وحين جاؤوا على قميصه بدم كذب.
١٨٨٦٣- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي، عن إسرائيل، عن سماك، عن عامر قال: كان في قميص يوسف ثلاث آيات: الشقُّ، والدم، وألقاه على وجه أبيه فارتدَّ بصيرًا.
١٨٨٦٤- حدثنا ابن بشار قال، حدثنا أبو عامر قال، حدثنا قرة، عن الحسن، قال: لما جيء بقميص يوسف إلى يعقوب، فرأى الدم ولم ير الشق قال: ما عهدت الذئب حليمًا؟
١٨٨٦٥-..... قال، حدثنا حماد بن مسعدة قال، حدثنا قرة، عن الحسن، بمثله.
* * *
فإن قال قائل: كيف قيل: (بدم كذب) وقد علمت أنه كان دمًا لا شك فيه، وإن لم يكن كان دم يوسف؟
قيل: في ذلك من القول وجهان:
أحدهما: أن يكون قيل (بدم كذب) لأنه كُذِب فيه كما يقال": الليلة الهلالُ"، وكما قيل: (فما ربحت تجارتهم) [سورة البقرة ١٦]. وذلك قولٌ كان بعض نحويي البصرة يقوله.

والوجه الآخر: وهو أن يقال: هو مصدر بمعنى"مفعول". وتأويله: وجاؤوا على قميصه بدم مكذوب= كما يقال:"ما له عقل ولا معقول"، و"لا له جَلَد ولا له مجْلود". والعرب تفعل ذلك كثيرًا، تضع"مفعولا" في موضع المصدر، والمصدر في موضع مفعول، كما قال الراعي:
حَتَّى إذَا لم يَتْرُكُوا لِعِظَامِهِ | لَحْمًا وَلا لِفؤادِهِ مَعْقول (١) |
* * *
وقوله: (قال بل سولت لكم أنفسكم أمرًا) يقول تعالى ذكره: قال يعقوب لبنيه الذين أخبروه أن الذئب أكل يوسف مكذبا لهم في خبرهم ذلك: ما الأمر كما تقولون، (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا) يقول: بل زيَّنت لكم أنفسكم أمرًا في يوسف وحسنته، ففعلتموه كما:-
١٨٨٦٦- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة:
أَخَلِيفَةَ الرَّحْمَنِ إنَّا مَعْشَرٌ | حُنَفَاءُ نَسْجُدُ بُكْرَةً وأصِيلاَ |
عَرَبٌ، نَرَى لِلهِ في أمْوالِنا | حَقَّ الزَّكاةِ مُنَزَّلاً تنزيلاَ |
إنَّ السُّعاةَ عَصَوْكَ يَوْمَ أمْرَتَهُمْ | وأتَوْا دَواهِيَ، لو عَلِمْتَ، وغُولا |
أخَذُوا العَرِيفَ فَقَطَّعُوا حَيْزُومَهُ | بِالأصْبَحِيَّةِ قائمًا مَغْلُولاً |
جَاءوا بِصَكِّهِمُ، وَأَحْدَبَ أَسْأَرَتْ | مِنْهُ السِّياطُ يَرَاعَةً إجْفِيلا |
(٢) هو الفراء في معاني القرآن، في تفسير هذه الآية.

قال (بل سوّلت لكم أنفسكم أمرًا)، قال: يقول: بل زينت لكم أنفسكم أمرًا.
* * *
وقوله: (فصبر جميل) يقول: فصبري على ما فعلتم بي في أمر يوسف صبرٌ جميل= أو فهو صبر جميل.
* * *
وقوله (والله المستعان على ما تصفون) يقول: واللهَ أستعين على كفايتي شرّ ما تصفون من الكذب (١).
* * *
وقيل": إن الصبر الجميل"، هو الصبر الذي لا جزع فيه.
*ذكر من قال ذلك:
١٨٨٦٧- حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن نمير، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: (فصبر جميل) قال: ليس فيه جزع.
١٨٨٦٨- حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم قال، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٦٩- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة، قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٠- حدثني المثنى قال، حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا سفيان، عن مجاهد: (فصبر جميل) في غير جزع.
١٨٨٧١-.... قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا عبد الله، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٢-..... قال، حدثنا عمرو بن عون قال، أخبرنا هشيم، عن عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة، قال: سئل رسول الله صلى الله

عليه وسلم عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. قال: من بثّ فلم يصبر. (١)
١٨٨٧٣- حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا هشيم قال، أخبرنا عبد الرحمن بن يحيى، عن حبان بن أبي جبلة: أن النبي ﷺ سئل عن قوله: (فصبر جميل) قال: صبر لا شكوى فيه. (٢)
١٨٨٧٤-... قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج، عن مجاهد: (فصبر جميل) : ليس فيه جزع.
١٨٨٧٥- حدثنا الحسن بن محمد قال، حدثنا شبابة قال، حدثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٦- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن رجل، عن مجاهد في قوله: (فصبر جميل) : قال: في غير جزع.
١٨٨٧٧- حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا الثوري، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
١٨٨٧٨- حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا الثوري، عن بعض أصحابه قال: يقال: ثلاث من الصبر: أن لا تحدِّث بوجعك، ولا بمصيبتك، ولا تزكّي نفسك=
قال أخبرنا الثوري، عن حبيب
(٢) الأثر: ١٨٨٧٣ -" عبد الرحمن بن يحيى"، انظر التعليق السابق.

بن أبي ثابت: أن يعقوب النبيّ ﷺ كان قد سقط حاجبَاه، فكان يرفعهما بخرقةٍ، فقيل له: ما هذا؟ قال: طول الزمان، وكثرة الأحزان! فأوحى الله تبارك وتعالى إليه: يا يعقوب، أتشكوني؟ قال: يا رب خطيئة أخطأتها، فاغفرها لي.
* * *
وقوله: (والله المستعان على ما تصفون). (١)
١٨٨٧٩- حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: (والله المستعان على ما تصفون،) أي على ما تكذبون.
* * *