
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَجَاءُوا على قَمِيصه بِدَم كذب﴾ هَذَا دَلِيل على أَنهم نزعوا قَمِيصه عَنهُ حِين ألقوه فِي الْبِئْر، فروى أَنه قَالَ لَهُم: دعوا لي قَمِيصِي أتستر بِهِ، فَقَالُوا لَهُ: ادْع الشَّمْس وَالْقَمَر وَالْكَوَاكِب تسترك - يعنون: مَا رأى من الرُّؤْيَا.
وَقَوله: ﴿بِدَم كذب﴾ وَقيل: بِدَم يَعْنِي: بِدَم ذِي كذب. وَقيل: مَكْذُوب فِيهِ. وَعَن الْحسن الْبَصْرِيّ أَنه قَرَأَ: " بِدَم كدب " بِالدَّال غير الْمُعْجَمَة وَهُوَ الدَّم الْمُتَغَيّر.
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم لطخوا الْقَمِيص بِالدَّمِ وَلم يشقوه، فَقَالَ يَعْقُوب صلوَات الله عَلَيْهِ: كَيفَ أكله الذِّئْب وَلم يشق قَمِيصه؟ ! مَا عهِدت الذِّئْب حَلِيمًا. حكى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ.

﴿جميل وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون (١٨) وَجَاءَت سيارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه قَالَ يَا بشرى هَذَا غُلَام وأسروه بضَاعَة وَالله عليم بِمَا يعْملُونَ (١٩) وشروه بِثمن﴾
وَرُوِيَ أَن بَعضهم قَالُوا: قَتله اللُّصُوص، فَاخْتَلَفُوا على يَعْقُوب فَاتَّهمهُمْ بِهِ و ﴿قَالَ بل سَوَّلت لكم أَنفسكُم﴾ يَعْنِي: كَذبْتُمْ، بل زينت لكم أَنفسكُم ﴿أمرا﴾ والتسويل: التزيين، وَقَوله: ﴿فَصَبر جميل﴾ مَعْنَاهُ: فأمري صَبر جميل. وَقيل: فَصَبر جميل أختاره. وَالصَّبْر الْجَمِيل: هُوَ الَّذِي لَا شكوى فِيهِ وَلَا جزع. وَقَوله: ﴿وَالله الْمُسْتَعَان على مَا تصفون﴾ مَعْنَاهُ: وَالله الْمُسْتَعَان على الصَّبْر على مَا تكذبون.
وَفِي الْقِصَّة: أَنهم ذَهَبُوا وَجَاءُوا بذئب وَقَالُوا: هَذَا الَّذِي أكل ولدك، فَقَالَ لَهُ يَعْقُوب: يَا ذِئْب! أكلت وَلَدي وَثَمَرَة فُؤَادِي؟ فأنطقه الله تَعَالَى وَقَالَ: بِاللَّه مَا رَأَيْت وَجه ابْنك قطّ، فَقَالَ: فَكيف وَقعت بِأَرْض كنعان؟ فَقَالَ: جِئْت لصلة قرَابَة. أوردهُ النقاش فِي تَفْسِيره، وَالله أعلم.
وَاخْتلفُوا فِي مَوضِع الْبِئْر الَّذِي أدلي فِيهَا يُوسُف؛ قَالَ قَتَادَة: هِيَ بِئْر بَيت الْمُقَدّس. وَقيل: إِنَّهَا بِئْر بِأَرْض الْأُرْدُن، وَقَالَ مقَاتل: بِئْر مَعْرُوفَة، كَانَت بَين منزل يَعْقُوب وَبَينهَا ثَلَاثَة فراسخ، وَالله أعلم.