آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَىٰ ۗ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ۗ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا ۗ أَفَلَا تَعْقِلُونَ
ﮔﮕﮖﮗﮘﮙﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔ ﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩ

راحوا بصائرهم على أكتافهم وبصيرتي يعدو بها عتد وأي
يصف قوما باعوا دم وليهم فكأن دمه حصلت منه طرائق على أكتافهم إذ هم موسومون عند الناس ببيع ذلك الدم.
قال القاضي أبو محمد: ويجوز أن تكون «البصيرة» في بيت الأشعر على المعتقد الحق، أي جعلوا اعتقادهم طلب النار وبصيرتهم في ذلك وراء ظهورهم، كما تقول: طرح فلان أمري وراء ظهره.
وقوله: أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي يحتمل أن يكون تأكيدا للضمير في أَدْعُوا ويحتمل أن تكون الآية كلها أمارة بالمعروف داعية إلى الله الكفرة به والعصاة.
وسُبْحانَ اللَّهِ تنزيه لله، أي وقل: سبحان الله، وقل متبرئا من الشرك. وروي أن هذه الآية: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي إلى آخرها كانت مرقومة على رايات يوسف عليه السلام.
قوله عز وجل:
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٩ الى ١١٠]
وَما أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ (١٠٩) حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١١٠)
هذه الآية تتضمن الرد على مستغربي إرسال الرسل من البشر كالطائفة التي قالت: أبعث الله بشرا رسولا، وكالطائفة التي اقترحت ملكا وغيرهما.
وقرأ الجمهور: «يوحى إليهم» بالياء وفتح الحاء، وهي قراءة عاصم في رواية أبي بكر، وقرأ في رواية حفص: «نوحي» بالنون وكسر الحاء وهي قراءة أبي عبد الرحمن وطلحة.
والْقُرى: المدن، وخصصها دون القوم المنتوين- أهل العمود- فإنهم في كل أمة أهل جفاء وجهالة مفرطة، قال ابن زيد: أَهْلِ الْقُرى أعلم وأحلم من أهل العمود.
قال القاضي أبو محمد: فإنهم قليل نبلهم ولم ينشىء الله فيهم رسولا قط. وقال الحسن: لم يبعث الله رسولا قط من أهل البادية ولا من النساء ولا من الجن.
قال القاضي أبو محمد: والتبدي مكروه إلا في الفتن وحين يفر بالدين، كقوله عليه السلام «يوشك أن يكون خير مال المسلم غنما» الحديث. وفي ذلك أذن رسول الله ﷺ لسلمة بن الأكوع وقد قال صلى الله عليه وسلم: «لا تعرب في الإسلام» وقال: من «بدا جفا». وروي عنه معاذ بن جبل أنه قال: «الشيطان ذيب الإنسان كذيب الغنم يأخذ الشاة القاصية فإياكم والشعاب وعليكم بالمساجد والجماعات والعامة».
قال القاضي أبو محمد: ويعترض هذا ببدو يعقوب، وينفصل عن ذلك بوجهين:

صفحة رقم 286

أحدهما: أن ذلك البدو لم يكن في أهل عمود بل هو بتقر في منازل وربوع.
والثاني: أنه إنما جعله بدوا بالإضافة إلى مصر كما هي بنات الحواضر بدو بالإضافة إلى الحواضر.
ثم أحالهم على الاعتبار في الأمم السالفة في أقطار الأرض التي كذبت رسلها فحاق بها عذاب الله، ثم حض على الآخرة والاستعداد لها والاتقاء من الموبقات فيها، ثم وقفهم موبخا بقوله: أَفَلا تَعْقِلُونَ.
وقوله: وَلَدارُ الْآخِرَةِ زيادة في وصف إنعامه على المؤمنين، أي عذب الكفار ونجى المؤمنين، ولدار الآخرة أحسن لهم.
وأما إضافة «الدار» إلى الْآخِرَةِ فقال الفراء: هي إضافة الشيء إلى نفسه كما قال الشاعر:
[الوافر]

فإنك لو حللت ديار عبس عرفت الذل عرفان اليقين
وفي رواية:
فلو أقوت عليك ديار إلخ.
وكما يقال: مسجد الجامع، ونحو هذا، وقال البصريون: هذه على حذف مضاف تقديره: ولدار الحياة الآخرة أو المدة الآخرة.
قال القاضي أبو محمد: وهذه الأسماء التي هي للأجناس كمسجد وثوب وحق وجبل ونحو ذلك- إذا نطق بها الناطق لم يدر ما يريد بها، فتضاف إلى معرف مخصص للمعنى المقصود فقد تضاف إلى جنس آخر كقولك: جبل أحد، وقد تضاف إلى صفة كقولك: مسجد الجامع وحق اليقين، وقد تضاف إلى اسم خاص كقولك جبل أحد ونحوه.
وقرأ الحسن والأعمش والأعرج وابن كثير وأبو عمرو وعاصم وعلقمة «يعقلون» بالياء، واختلف عن الأعمش. قال أبو حاتم: قراءة العامة: «أفلا تعقلون» بالتاء من فوق.
ويتضمن قوله تعالى: أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أن الرسل الذين بعثهم الله من أهل القرى دعوا أممهم فلم يؤمنوا بهم حتى نزلت بهم المثلات، صاروا في حيز من يعتبر بعاقبته، فلهذا المضمن حسن أن تدخل حَتَّى في قوله: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والحسن وعائشة- بخلاف- وعيسى وقتادة ومحمد بن كعب والأعرج وأبو رجاء وابن أبي مليكة «كذّبوا» بتشديد الذال وضم الكاف، وقرأ الباقون «كذبوا» بضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها- وهي قراءة علي بن أبي طالب وأبيّ بن كعب وابن مسعود وابن عباس ومجاهد وطلحة والأعمش وابن جبير ومسروق والضحاك وإبراهيم وأبي جعفر، ورواها شيبة بن نصاح عن القاسم عن عائشة- وقرأ مجاهد والضحاك وابن عباس وعبد الله بن الحارث- بخلاف عنهم- «كذبوا» بفتح الكاف والذال، فأما الأولى فتحتمل أن يكون الظن بمعنى اليقين، ويكون الضمير في ظَنُّوا وفي كُذِبُوا للرسل، ويكون المكذبون مشركي من أرسل إليه المعنى: وتيقن الرسل أن المشركين كذبوهم وهموا على

صفحة رقم 287

ذلك، وأن الانحراف عنه ويحتمل أن يكون الظن على بابه، والضميران للرسل، والمكذبون مؤمنو من أرسل إليه، أي مما طالت المواعيد حسب الرسل أن المؤمنين أولا قد كذبوهم وارتابوا بقولهم.
وأما القراءة الثانية- وهي ضم الكاف وكسر الذال وتخفيفها- فيحتمل أن يكون المعنى- حتى إذا استيأس الرسل من النصر أو من إيمان قومهم- على اختلاف تأويل المفسرين في ذلك- وظن المرسل إليهم أن الرسل قد كذبوهم فيما ادعوه من النبوءة، أو فيما توعدوهم به من العذاب- لما طال الإمهال واتصلت العافية- فلما كان المرسل إليهم- على هذا التأويل- مكذبين- بني الفعل للمفعول في قوله: «كذبوا» - هذا مشهور قول ابن عباس وابن جبير- وأسند الطبري: أن مسلم بن يسار قال لسعيد بن جبير: يا أبا عبد الله، آية بلغت مني كل مبلغ: حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا فهذا هو أن تظن الرسل أنهم قد كذبوا مخففة. فقال له ابن جبير: يا أبا عبد الرحمن إنما يئس الرسل من قومهم أن يجيبوهم، وظن قومهم أن الرسل كذبتهم، فحينئذ جاء النصر. فقام مسلم إلى سعيد فاعتنقه وقال: فرجت عني فرج الله عنك.
قال القاضي أبو محمد: فرضي الله عنهم كيف كان خلقهم في العلم. وقال بهذا التأويل- في هذه القراءة- ابن مسعود ومجاهد، ورجح أبو علي الفارسي هذا التأويل، وقال: إن رد الضمير في ظَنُّوا وفي «كذبوا» على المرسل إليهم- وإن كان لم يتقدم لهم ذكر صريح- جائز لوجهين:
أحدهما: أن ذكر الرسل يقتضي ذكر مرسل إليه.
والآخر: أن ذكرهم قد أشير إليه في قوله: عاقِبَةُ الَّذِينَ، وتحتمل هذه القراءة أيضا أن يكون الضمير في ظَنُّوا وفي كُذِبُوا عائد على الرسل، والمعنى: كذبهم من أخبرهم عن الله، والظن على بابه- وحكى هذا التأويل قوم من أهل العلم- والرسل بشر فضعفوا وساء ظنهم- قاله ابن عباس وابن مسعود أيضا وابن جبير- وقال: ألم يكونوا بشرا؟ وقال ابن مسعود لمن سأله عن هذا هو الذي نكره. وردت هذا التأويل عائشة أم المؤمنين وجماعة من أهل العلم، وأعظموا أن توصف الرسل بهذا. وقال أبو علي الفارسي: هذا غير جائز على الرسل.
قال القاضي أبو محمد: وهذا هو الصواب، وأين العصمة والعلم؟
وأما القراءة الثالثة- وهي فتح الكاف والذال- فالضمير في ظَنُّوا للمرسل إليهم، والضمير في «كذبوا» للرسل، ويحتمل أن يكون الضميران للرسل، أي ظن الرسل أنهم قد كذبوا من حيث نقلوا الكذب وإن كانوا لم يتعمدوه، فيرجع هذا التأويل إلى المعنى المردود الذي تقدم ذكره وقوله: جاءَهُمْ نَصْرُنا أي بتعذيب أممهم الكافرة، ثم وصف حال مجيء العذاب في أنه ينجي الرسل وأتباعهم، وهم الذين شاء رحمتهم، ويحل بأسه بالمجرمين الكفرة.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي «فننجي» - بنونين- من أنجى. وقرأ الحسن:
«فننجي» - النون الثانية مفتوحة، وهو من نجى ينجّي. وقرأ أبو عمرو أيضا وقتادة «فنجّي» - بنون واحدة وشد الجيم وسكون الياء- فقالت فرقة: إنها كالأولى أدغمت النون الثانية في الجيم ومنع بعضهم أن

صفحة رقم 288
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية