
قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا أرسلنَا قبلك إِلَّا رجَالًا نوحي إِلَيْهِم من أهل الْقرى﴾ قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ: لم يبْعَث الله نَبيا من بَدو، وَإِنَّمَا بعث الله الْأَنْبِيَاء من الْأَمْصَار والقرى. وَقَالَ أَيْضا: لم يبْعَث الله نَبيا من الْجِنّ وَلَا من النِّسَاء، وَقيل: لم يبْعَث الله نَبيا من الْبَادِيَة لغلظهم وجفائهم، وَأما أهل الْأَمْصَار فهم [أحن] قلوبا وأذكى وأفطن فِي الْأُمُور؛ فَلهَذَا بعث الله الْأَنْبِيَاء مِنْهُم. وَقَوله: ﴿أفلم يَسِيرُوا فِي الأَرْض فينظروا كَيفَ كَانَ عَاقِبَة الَّذين من قبلهم﴾ ظَاهر الْمَعْنى.
وَقَوله: ﴿ولدار الْآخِرَة﴾ مَعْنَاهُ: وَالْحَال فِي الدَّار الْآخِرَة، وللإنسان حالان: الْحَال الأولى، وَالْحَال الْآخِرَة، وَقيل: " ولدار الْآخِرَة " هَذَا إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه كَقَوْلِهِم: ﴿خير للَّذين اتَّقوا﴾ يَوْم الْخَمِيس، وَيَوْم الْجُمُعَة، قَالَ الشَّاعِر:
(أتمدح فقعسا وتذم عبسا؟ ﴿ | أَلا لله أمك من هجين﴾ !) |
(وَلَو فزت عَلَيْك ديار عبس | عرفت الذل عرفان الْيَقِين) |