آيات من القرآن الكريم

وَمَا تَسْأَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۚ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ
ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ

وَضَمَائِرُ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ عَائِدَةٌ إِلَى كُلِّ مَنْ صَدَرَ مِنْهُ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ التَّغْلِيبِ، يَشْمَلُ إِخْوَةَ يُوسُفَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- وَالسَّيَّارَةَ، وَامْرَأَةَ الْعَزِيزِ، وَنِسْوَتَهَا.
وأَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ تَفْسِيرُهُ مِثْلَ قَوْلِهِ: وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غيابات الْجب [يُوسُف: ١٥].
وَالْمَكْرُ تَقَدَّمَ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ اسْتِخْلَاصٌ لِمَوَاضِعِ الْعِبْرَةِ مِنَ الْقِصَّةِ. وَفِيهَا مِنَّةٌ عَلَى النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَتَعْرِيضٌ لِلْمُشْرِكِينَ بِتَنْبِيهِهِمْ لِإِعْجَازِ الْقُرْآنِ مِنَ الْجَانِبِ الْعِلْمِيِّ، فَإِنَّ صُدُورَ ذَلِك من النّبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأُمِّيِّ آيَةٌ كُبْرَى عَلَى أَنَّهُ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى. وَلِذَلِكَ عُقِّبَ بِقَوْلِهِ: وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.
وَكَانَ فِي قَوْلِهِ: وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ تَوَرُّكًا عَلَى الْمُشْرِكِينَ. وَجُمْلَةُ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ إِذْ هِيَ تَمَامُ التَّعْجِيبِ.
وَجُمْلَةُ وَهُمْ يَمْكُرُونَ حَالٌ مِنْ ضَمِيرِ أَجْمَعُوا، وَأُتِيَ يَمْكُرُونَ بِصِيغَةِ الْمُضَارِعِ لِاسْتِحْضَارِ الْحَالة العجيبة.
[١٠٣، ١٠٤]
[سُورَة يُوسُف (١٢) : الْآيَات ١٠٣ إِلَى ١٠٤]
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤)
انْتِقَالٌ مِنْ سَوْقِ هَذِهِ الْقِصَّةِ إِلَى الْعِبْرَةِ بِتَصْمِيمِ الْمُشْرِكِينَ عَلَى التَّكْذِيبِ بَعْدَ هَذِهِ الدَّلَائِلِ الْبَيِّنَةِ، فَالْوَاوُ لِلْعَطْفِ عَلَى جُمْلَةِ ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [يُوسُف:
١٠٢] بِاعْتِبَارِ إِفَادَتِهَا أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ وَأَنَّهُ حَقِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ دَاعِيًا سَامِعِيهِ إِلَى الْإِيمَانِ بِالنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ

صفحة رقم 61

يَكُونُ مُطْمِعًا فِي إِيمَانِهِمْ عُقِّبَ بِإِعْلَامِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ.
والنَّاسِ يَجُوزُ حَمْلُهُ عَلَى جَمِيعِ جِنْسِ النَّاسِ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ نَاسٌ مُعَيَّنُونَ وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ دَعَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ وَمَا حَوْلَهَا، فَيَكُونُ عُمُومًا عُرْفِيًّا.
وَجُمْلَةُ وَلَوْ حَرَصْتَ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ اسْمِ مَا وَخَبَرِهَا.
وَلَوْ هَذِهِ وَصْلِيَّةٌ، وَهِيَ الَّتِي تُفِيدُ أَنَّ شَرْطَهَا هُوَ أَقْصَى الْأَسْبَابِ لِجَوَابِهَا. وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ [٩١].
وَجَوَابُ لَوْ هُوَ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا أَوْ دَلِيلُ الْجَوَابِ.
وَالْحِرْصُ: شِدَّةُ الطَّلَبِ لِتَحْصِيلِ شَيْءٍ وَمُعَاوَدَتِهِ. وَتَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فِي آخِرِ سُورَةِ بَرَاءَةَ [١٢٨].
وَجُمْلَة وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ مَعْطُوفَةٌ عَلَى جُمْلَةِ وَما أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَى آخِرِهَا بِاعْتِبَارِ مَا أَفَادَتْهُ مِنَ التَّأْيِيسِ مِنْ إِيمَانِ أَكْثَرِهِمْ. أَيْ لَا يَسُوءُكَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ فَلَسْتَ تَبْتَغِي أَنْ يَكُونَ إِيمَانُهُمْ جَزَاءً عَلَى التَّبْلِيغِ بَلْ إِيمَانُهُمْ لِفَائِدَتِهِمْ، كَقَوْلِهِ: قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ [سُورَة الحجرات: ١٧].
وَضَمِيرُ الْجَمْعِ فِي قَوْله: وَما تَسْئَلُهُمْ عَائِدٌ إِلَى النَّاسِ، أَيِ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَجُمْلَةُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ بِمَنْزِلَةِ التَّعْلِيلِ لجملة وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ. وَالْقَصْرُ إِضَافِيٌّ، أَيْ مَا هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ لَا لِتَحْصِيلِ أَجْرِ مُبَلِّغِهِ.
وَضَمِيرُ عَلَيْهِ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ الْمَعْلُومِ مِنْ قَوْلِهِ: ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [يُوسُف: ١٠٢].

صفحة رقم 62
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية