آيات من القرآن الكريم

وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ
ﰇﰈﰉﰊﰋﰌ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧ ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯ ﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾ

متداولا بين أيدي الكتابيين الذين كان منهم جماعات كثيرة في بيئة النبي صلى الله عليه وسلم.
وربما كانت واردة في قراطيس أخرى. ولا يمكن أن تكون مجهولة. والبيانات التي يرويها المفسرون عن علماء زمن النبي ﷺ دليل على ذلك فلا مندوحة والحالة هذه من تأويل هذه الآية بمثل تأويل الآية الأخيرة من قصة نوح في سورة هود الذي سبق إيراده.
ومما تخلل آيات الحلقة من العبر ما كان من إذن الله تعالى ليوسف بالكيد لإخوته مقابل كيدهم حيث ينطوي في هذا إذن مقابلة العدوان والكيد بالمثل.
ومنها التعقيب المباشر في آخر الآية [٧٦] الذي ينطوي فيه بليغ التلقين والتنبيه والتأديب لكل من يتسم بالعلم أو يدعيه بأن لا يغلو في دعواه ولا يظنن أنه بلغ من العلم الغاية، وأنه مهما بلغ فيجب عليه أن يتيقن أنه لا بد من أن يكون من هو أعلم منه أو أن هناك ما يمكن أن لا يكون عالما به.
ومنها ما كان من ندم أخي يوسف الكبير أولا ثم بقية إخوته على ما فعلوه في يوسف واعترافهم بخطئهم له ولأبيهم وطلبهم الاستغفار لهم حيث ينطوي في هذا حث على وجوب الاعتراف بالذنب والتوبة إلى الله منه.
ومنها ما كان من أمر يعقوب لبنيه بالبحث والتحري وعدم اليأس من روح الله حيث ينطوي في هذا تلقين عام بالأمل دائما في رحمة الله وفرجه.
ومنها تنويه يوسف بعاقبة المحسنين الصابرين المتقين، وعناية الله به بسبب ذلك حيث ينطوي في هذا حث على الصبر في الشدائد وتقوى الله في كل حال وبشارة مستمرة للصابرين المتقين المحسنين.
[سورة يوسف (١٢) : الآيات ١٠٣ الى ١٠٧]
وَما أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ (١٠٣) وَما تَسْئَلُهُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ (١٠٤) وَكَأَيِّنْ مِنْ آيَةٍ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْها وَهُمْ عَنْها مُعْرِضُونَ (١٠٥) وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (١٠٦) أَفَأَمِنُوا أَنْ تَأْتِيَهُمْ غاشِيَةٌ مِنْ عَذابِ اللَّهِ أَوْ تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (١٠٧)

صفحة رقم 27

(١) ولو حرصت: مهما اشتد حرصك.
(٢) غاشية: ما يغشى الناس ويحل بهم أو يظلهم.
تعليق على الآيات التي أعقبت قصة يوسف
احتوت الآيات تقريرات عن حقيقة موقف أكثر الناس من سامعي القرآن وهم الكفار وقد وجه الخطاب في الآيتين الأولى والثانية منها إلى النبي ﷺ فمهما اشتد حرصه على هداية الناس فإن أكثرهم بعيد عن التصديق والإيمان، في حين أنه لا يطلب منهم أجرا ولا ينتظر لنفسه نفعا، وليست رسالته ودعوته إلا لخيرهم وتذكيرهم وإرشادهم ولخير العالمين جميعا وتذكيرهم. وغفلتهم ليست قاصرة على التصامم الذي يبدونه إزاء الدعوة النبوية ففي السموات والأرض كثير من الآيات والبراهين التي من شأنها أن تسترعي الأذهان وتنبه العقول وتوقظ الضمائر ومع ذلك فإنهم يمرون عليها غافلين غير آبهين ولا متذكرين. بل إن غفلتهم ليست قاصرة على هذا وذاك. فإنهم مع اعترافهم بالله وزعمهم أنهم يؤمنون به فإن قلوبهم غافلة عن مقتضيات هذا الإيمان بدليل أن تصرفهم هو تصرف المشركين حيث يشركون مع الله في عبادتهم واتجاههم شركاء غيره، وقد انتهت الآيات بالتساؤل الذي ينطوي على التقريع والإنذار، فهذا الموقف الذي يقفونه لا يقفه إلّا من أمن عذاب الله في الدنيا، أو مفاجأة الساعة الرهيبة التي يأتي عذاب الله الخالد بعدها، فهل أمنوا ذلك العذاب أو هذه المفاجأة حتى يقفوا هذا الموقف العجيب؟.
وواضح أن الآيات قد استهدفت تطمين النبي ﷺ وتثبيته في موقفه إزاء وقوف أكثر العرب موقف التصامم من دعوته والانصراف عنها ومناوأتها، وتقريع الكفار وشرح مهمة النبي ﷺ بجلاء وصراحة وهي الدعوة إلى الله دون انتظار أجر أو نفع.

صفحة رقم 28

ومع أنه يبدو أن لا رابطة بين هذه الآيات والسلسلة القصصية الطويلة التي سبقتها فإنه يلمح أن بين الآية الأخيرة من السلسلة والآية الأولى من هذه الآيات رابطة ما. فتلك تتضمن توكيد كون السلسلة وحيا ربانيا، وهذه تذكر أن أكثر الناس مع ذلك لا يؤمنون بهذا الوحي الذي ينزل بالقرآن. كما أن الآية الأخيرة من السورة التي هي جزء منسجم من الآيات التي جاءت بعد السلسلة القصصية قد ربطت بينهما بما احتوته من التنبيه إلى ما في قصص القرآن من العبرة، ومن التأكيد بأنها ليست حديثا مفترى ولكنها وحي من الله سبحانه لتكون هدى ورحمة للمؤمنين حيث يسوغ كل هذا القول إن هذه الآيات وما بعدها قد جاءت بمثابة التعقيب على السلسلة القصصية.
ولقد أعقبت آيات قصة موسى وفرعون في سورة القصص التي بينها وبين هذه السورة تشابه من حيث البداية والدخول رأسا في موضوع القصة آيات ربطت بين هذه القصة وما بعدها ربط تعقيب واستطراد. وهكذا يبدو الانسجام رائعا في النظم القرآني.
استطراد إلى ما يفعله بعض المسلمين من أفعال فيها سمة من سمات الشرك
ولقد استطرد ابن كثير في سياق الآية وَما يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ إلى ما يفعله كثير من المسلمين من أفعال يرتكسون فيها بشكل ما في الشرك كالحلف بغير الله والاستعانة والتعلق بغير الله وتعليق التعاويذ والرقى والتمائم والتطير وسؤال العرافين والكهان والرياء فيما يباشرونه من أعمال فيها طاعة ويكون قصدهم اكتساب المديح والشهرة دون ابتغاء مرضاة الله تعالى. وأورد في ذلك أحاديث نبوية عديدة منها حديث رواه مسلم عن أبي هريرة قال: «قال رسول الله قال الله تبارك وتعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه». وحديث رواه الترمذي وأبو داود عن ابن عمر قال:
«سمعت رسول الله يقول من حلف بغير الله فقد أشرك». وحديث رواه أبو داود عن

صفحة رقم 29
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية