آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الصَّمَدُ
ﭖﭗ

"أحد الله" لما كان أكثر القراء فيما حكاه أبو عمرو على الوقف، أجراه في الوصل مجراه في الوقف لاستمرار الوقف عليه، وكثرته على ألسنتهم) (١).
٢ - قوله: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ اختلف قول المفسرين في معنى "الصمد"، وتفسيره، فقال ابن عباس (٢) (في رواية عطاء) (٣): لما نزل: ﴿اللَّهُ الصَّمَدُ﴾ قالوا: وما الصمد؟! فقال رسول الله: "السيد الذي يصمد إليه (في) (٤) الحوائج". وهو قول أبي عبد الرحمن السلمي (٥)؛ قال: الصمد الذي يصمد إليه في الأمر (٦).
وقال السدي: هو المصمود إليه في الرغائب (٧).
(روى) (٨) عمرو، عن أبيه (٩): الصامد المقاصد لحاجته.

(١) ما بين القوسين نقله عن "الحجة" ٦/ ٤٥٤ - ٤٦٢ بتصرف.
(٢) ورد معنى قوله في: "بحر العلوم" ٣/ ٥٢٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥ من طريق الضحاك "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦٠٩، وطريق نافع ابن الأزرق عن ابن عباس قال عنها الهيثمي: رواه الطبراني، وفي إسناده جويبر، وهو متروك: "مجمع الزوائد" ٧/ ١٤٥ سورة قل هو الله أحد، كما ورد من غير ذكر طريق عطاء في: "زاد المسير" ٨/ ٣٣٠، و"التفسير الكبير" ٣١/ ١٨١.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) في (أ): (اللمى).
(٦) ورد قوله في "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥٠ (صمد).
(٧) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٩٠ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٥، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٨١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٦، و"تفسير سورة الإخلاص لابن تيمية" ص ٤٠.
(٨) ساقط من (أ).
(٩) في (أ): (الله).

صفحة رقم 435

ويقال للمقصود: المرغوب إليه (المعروف بالإغاثة) (١) السيد الصمد (٢).
(وقال) (٣) الليث: صمدت صمد هذا الأمر أي قصدت قصده، وقال صمدته (٤). أيضًا. قال طرفة:

إن يَلْتَقِ الحيُّ الجميعُ تُلاقِني إلى ذِروة البيتِ الرفيع المصمَّدِ (٥)
وروى الأعمش عن أبي وائل أنه قال: الصمد السيد الذي قد انتهى سؤدده (٦).
(١) ما بين القوسين ساقط من (١).
(٢) لم أعثر على مصدر هذا القول.
(٣) ساقط من (أ).
(٤) "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥١، وانظر: "لسان العرب" ٣/ ٢٥٨ (صمد).
(٥) ورد البيت في: "ديوانه" ٣٠، ط. المؤسسة العربية، و"معجم مقاييس اللغة" ٣/ ٣١٠ (صمد)، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب برواية (وإن)، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٧، و"دقائق التفسير" ٦/ ٣٥٧، و"تفسير أسماء الله الحسنى" للزجاج ص ٥٩، و"الأمالي" لأبي علي القالي: ٢/ ٢٨٨.
معنى البيت: الصمد: القصد، يقول: وإن اجتمع الحي للافتخار. تلاقني أنتمي وأعتزي. إلى ذروة البيت الشريف: إلى أعلى الشرف. يريد أنه أوفاهم حظًا من الحب أعلاهم سهمًا من النسب.
(٦) ذكره البخاري في: "الجامع الصحيح" من قول أبي وائل تعليقًا ٣/ ٣٣٤: التفسير: باب ٢ وقال الحافظ ابن حجر في الفتح وصله الفريابي من طريق الأعمش عنه وجاء أيضًا من طريق عاصم عن أبي وائل يذكر ابن مسعود فيه. "فتح الباري" ٨/ ٧٤٠.
وقال د. عبد العلي: أخرجه ابن أبي عاصم في "السنة" ١/ ٢٩٩ ح ٦٦٦، وقال الألباني: إسناده حسن وأخرجه أيضًا من قول أبي وائل من رواية ابن نمير عن وكيع، وابن إدريس عن الأعمش عنه ورجال إسناده في الصحيحين: ١/ ٣ ح ٦٢٧ =

صفحة رقم 436

قال الأزهري: أما الله فلا نهاية لسؤدده، لأنه سؤدد غير محدود (١).
وهذا معنى قول ابن عباس (في رواية الوالبي) (٢) قال: هو السيد الذي قد كمل في جميع أنواع الشرف والسؤدد (٣).
واختاره أبو إسحاق، وأحسن في (العبارة عن) (٤) تفسيره فقال: تفسير الصمد (السيد) (٥) الذي ينتهى إليه السؤدد (٦).

= وأخرجه الطبري، والبيهقي في "الأسماء والصفات" من وجه آخر عن الأعمش عنه (١/ ١٠٩) ورجالهما أيضًا ثقات.
"تفسير سورة الأخلاص" تح د. عبد العلي ص ٣٩ و٥٢.
كما ورد أيضًا في "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٤٠٧، و"جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٦، و"بحر العلوم" ٣/ ٥٢٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٢٧ وعزاه إلى البخاري في أفراده، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠، و"الأسماء والصفات" ١/ ١٠٩، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٦ و٢١٩ و٢٢٥، و"دقائق التفسير" ٦/ ٣٥٩.
(١) "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥٠: (صمد).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٦ مطولاً، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٥ ب من طريق ابن أبي طلحة، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٤ من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣٠ عن ابن أبي طلحة عنه، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٢٧، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦٠٩ برواية ابن أبي طلحة عنه، وكذلك "الدر المنثور" ٨/ ٢٦٣ وعزاه إلى ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ في العظمة، و"الأسماء والصفات" ١/ ١٠٨، و"دقائق التفسير" ٦/ ٣٥٩، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٢٠، و"تفسير سورة الإخلاص" ص٣٩ و٤٦ وقال محققه: إن إسناده من طريق أبي صالح به لا بأس به: هامش ٥١ ص ٤٦.
(٤) ساقط من (أ).
(٥) ساقط من (أ).
(٦) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٧٧ بنصه.

صفحة رقم 437

ومعنى هذا أن السؤدد انتهى إلى الله، فلا سيد فوقه، كما أن العلم انتهى إليه، ففوق كل ذي علم عليم حتى ينتهي العلم إليه، فلا عالم فوقه، (وهذا معنى ما روي عن عكرمة أنه قال) (١): الصمد الذي ليس فوقه أحد (٢).
وذكر (٣) القول الأول فقال: وقيل إن الصمد الذي صمد إليه كل شيء أي الذي خلق الأشياء كلها لا يستغني عنه شيء، يريد أن المخلوق لا غنى له عن الخالق، فكل شيء يصمد (٤) بافتقاره إليه، ويدل على وحدانيته (٥).
وقال الحسن: الصمد الدائم (٦).
وقال مجاهد: الصمد الذي لا جوف له (٧).

(١) ما بين القوسين ورد بدلًا منه في (أ) عبارة: قال عكرمة.
(٢) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٥، و"تفسير سورة الإخلاص" ٣٩.
(٣) أي الزجاج.
(٤) في (أ): (مصمد).
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٧٨ بتصرف.
(٦) "تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٤٠٧، و"بحر العلوم" ٣/ ٥٢٥، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١ من غير عزو، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٩، وورد بمعناه في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٧٠، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٤٥، قال عنه الألباني في "كتاب السنة" ١/ ٣٠٢: ح ٦٨١ إسناده ضعيف مقطوع.
(٧) "تفسير الإمام المجاهد" ٧٦٠، و"تفسير عبد الرزاق" ٢/ ٤٠٧، و"تفسير غريب القرآن" لابن قتيبة ص ٥٤٢، و"جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٤ وعزاه أيضًا إلى الحسن وعامر، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ أ، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٤، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠ وعزاه أيضًا إلى ابن مسعود وابن عباسٌ وسعيد بن المسيب، وعبد الله بن بريدة، وعكرمة، وعطاء والسدي، و"فتح القدير" =

صفحة رقم 438

وهو قول (عطية (١)، والضحاك (٢)، وميسره (٣)، وسعيد بن جبير (٤)) (٥) قالوا: هو المصمت (٦) الذي لا جوف له.
وقال الشعبي: الذي لا يأكل ولا يشرب (٧).
(وقال عكرمة الذي لا يخرج منه شيء (٨).

= ٥/ ٥١٦، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٥، ٢٢٤، و"دقائق التفسير" ٦/ ٣٥٩، و"تفسير سورة الإخلاص" ص ٥٠ - ٥١ وقال محققه: سنده صحيح، وعند الألباني في تخريج السنة: إسناده صحيح مقطوع: ١/ ٣٠٠: ح ٦٧٣.
(١) "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠، و"فتح القدير" ٥/ ٥١٦.
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٥، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢١٥.
(٣) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٧٩ ب، و"تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥٠ (صمد)، و"مجموع الفتاوى" ١٥/ ٢١٥، قال الألباني في "ظلال الجنة" ١/ ٣٠٠: ح ٦٨٨، ٦٨٩: إسناده ضعيف مقطوع.
(٤) "جامع البيان" ٣/ ٣٤٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٤، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٢٤، قال الألباني في "ظلال الجنة" ٢/ ٣٠١: ح ٦٨٥ - ٦٨٦: إسناده مقطوع فيه ضعف.
(٥) ما بين القوسين ذكرت في (أ) عبارة: (وجماعة)؛ بدلاً من (تعدادهم).
(٦) في (أ): (المتصمت).
(٧) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ أ، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٤، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٣٦، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٢٨، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠، و"فتح القدير" ٥/ ٥١٦، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ١٥، ٢٢١، ٢٢٤ دقائق التفسير: ٦/ ٣٥٩، وقال الألباني في ظلال الجنة: ١/ ٣٠٢: ح ٦٨٢: إسناده صحيح مقطوع.
(٨) "جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٩٠ أ، و"مجموع الفتاوى" =

صفحة رقم 439

هذا قول هؤلاء) (١). وتحقيق ذلك أن الله تعالى لا يحتاج إلى الطعام والشراب، ولا جوف له، ولا عضو، ولا رأس ولا رجل (٢) فلا معنى لتخصيص نفي الجوف دون غيره في صفة الله تعالى.
وأما في تفسير الصمد فقد يكون في العربية الصمد الشيء المصمت الذي لا جوف له، المسدود الجوف، ومنه يقال لسداد القارورة الصماد وقد صمدتها أصمدها وشيء مصمد صلب، وليس فيه خور (٣) (وهذا صحيح في اللغة (٤)) (٥)، ولكن الصمد بهذا المعنى لا يجوز في صفة الله -تعالى- لأن المصمت هو المتضاغط (٦) الأجزاء، وهذا تشبيه وكفر بالله (٧).

=١٧/ ٢١٥، و"دقائق التفسير" ٦/ ٣٥٩، "تفسير سورة الإخلاص" ص ٤٧ قال محققه: إسناده صحيح -حاشية ٦ -، وعلق ابن تيمية عليه فقال: كلام صحيح؛ بمعنى أنه لا يفارقه شيء منه "مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٤٠ وقال الألباني عن رواية عكرمة: إسناده ضعيف مقطوع: "ظلال الجنة في تخريج السنة" ١/ ٢٩٩ ح ٦٦٧.
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) قد أثبت الله سبحانه لنفسه صفة الرجل، فنثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه اتباعاً لمذهب السلف من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تعطيل ولا تكييف إثباتًا يليق بذاته، فعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يلقى في النار وتقول: هل من مزيد حتى يضع قدمه أو رجله عليها فتقول قط قط" أخرجه البخاري في: "الجامع الصحيح" ٣/ ٢٩٦ ح ٤٨٤٨: كتاب التفسير: باب ٥٠ رقم ١.
(٣) الخور: هو الصوت "الصحاح" ٢/ ٦٥١ (خور).
(٤) انظر: "تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥٠ - ١٥١ (صمد)، و"الصحاح" ٢/ ٤٩٩، و"لسان العرب" ٣/ ٢٥٨، و"تاج العروس" ٢/ ٤٠١.
(٥) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٦) المتضاغط الضغط والضغطة: عصر شيء إلى شيء ضغطه يضغطه ضغطًا: زحمه إلى حائط ونحوه، والتضاغط التزاحم. "لسان العرب" ٧/ ٣٤٢ (ضغط).
(٧) هذا الكلام من الإمام الواحدي يدل على أشعريته، ويتضح ذلك عند قوله: "ولا =

صفحة رقم 440

ومن أجاز أن يكون معنى "الصمد" في صفات الله هو: ضد الأجوف

= رجل"؛ لثبوت هذه الصفة لله تعالى.
وعند قوله: "فلا معنى لتخصيص الجوف دون غيره في صفة الله تعالى"؛ لأن قوله: "وغيره" قد يدخل فيه ما هو صفة ثابتة لله تعالى.
ثم نفيه لصفة الصمد بالمعنى الثاني، وهو الذي لا جوف له، وضمنه أنواعًا من النفي مثل قوله: لا جوف، لا عضو، لا رأس.. إلخ.
وهذه طريقة المتكلمين في النفي حيث يتقون عن الله تعالى من الصفات ما لا يتضمن كماله ضده، بخلاف منهج الكتاب والسنة، فإنه قائم على النفي المتضمن كمال ضده لله تعالى كنفي السِنَة والنوم الدال على كمال الحياة والقيومية.
وكذا وصفه بالصمد على المعنى الثاني لأنه الذي لا جوف له فإنه راجع لصفة الكمال التي دل عليها المعنى الأول، وقد وضح شيخ الإسلام ذلك فقال: والاسم "الصمد" فيه للسلف أقوال متعددة قد يظن أنها مختلفة، وليست كذلك، بل كلها صواب، والمشهور منها قولان:
أحدها: أن الصمد هو الذي لا جوف له.
والثاني: أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج.
والأول قول أكثر السلف من الصحابة والتابعين وطائفة من أهل اللغة، والثاني: قول طائفة من السلف والخلف وجمهور اللغويين.
ثم قال: قلت: الاشتقاق يشهد جميعًا قول من قال: إن "الصمد" الذي لا جوف له، وقول من قال إنه السيد، وهو على الأول أدل، فالأول أصل للثاني، ولفظ "الصمد" يقال على ما لا جوف له في اللغة.. وأصل هذه المادة الجمع والقوة -ثم قال- لم يقل الله صمد؛ بل قال: "الله الصمد"، فبين أنه المستحق لأن يكون هو الصمد دون ما سواه، فإنه المستوجب لغايته على الكمال، والمخلوق وإن كان صمدًا من بعض الوجوه، فإن حقيقة الصمدية منتفية عنه، فإنه يقبل التفرقة والتجزئة، وهو أيضًا محتاج إلى غيره، فإن كل ما سوى الله محتاج إليه من كل وجه، فليس أحد يصمد إليه كل شيء، ولا يصمد هو إلى شيء إلا الله تبارك وتعالى، وليس في المخلوقات إلا ما يقبل أن يتجزأ ويتفرق وينقسم وينفصل بعضه من بعض، والله سبحانه هو الصمد الذي لا يجوز عليه شيء من ذلك؛ بل حقيقة =

صفحة رقم 441

فقد جهل، (وقال ما لا يجوز (١)، وقد روى سعيد عن) (٢) قتادة قال كان إبليس ينظر إلى آدم ويقول: لأمر خلقت، ودخل في فيه، وخرج من دبره، فقال للملائكة: لا ترهبوا من هذا، فإن ربكم صمد، وهذا أجوف" (٣).
(قال ابن قتيبة: وهو على) (٤) هذا التفسير: "الدال" فيه مبدلة من "تاء"، والمصصت من صمد (٥)، وقد بينا فساد هذا القول، وأنه لا يجوز في

= الصمدية وكمالها له وحده واجبة لازمة لا يمكن عدم صمديته بوجه من الوجوه، كما لا يمكن تثنية أحديته بوجه من الوجوه، فهو أحد لا يماثله شيء من الأشياء بوجه من الوجوه، ثم قال: ودل قوله: "الأحد، الصمد" على أنه لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد، فإن الصمد هو الذي لا جوف له ولا أحشاء، فلا يدخل منه شيء، فلا يأكل ولا يشرب سبحانه وتعالي.. والصمد المصمد الذي لا جوف له، فلا يخرج منه عين من الأعيان فلا يلد.. "مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٣٨ - ٢٤٠ مختصرًا وقال ابن كثير أيضًا بعد إيراده كثيرًا من هذه الأقوال في تفسير الصمد: وكل هذه صحيحة، وهي صفات ربنا عَزَّ وَجَلَّ هو الذي يصمد إليه في الحوائج، وهو الذي قد انتهى سؤدده، وهو الصمد الذي لا جوف له، ولا يأكل ولا يشرب، وهو الباقي بعد خلقه.. وقال البيهقي نحو ذلك. "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٦١٠.
وعليه فلا معنى لاستنكار الإمام الواحدي أو غيره هذه الصفة بعد إثبات معناها عن جمهرة ممن السلف وهي دالة على الكمال لله تعالى.
(١) قد رد قول الإمام الواحدي وأبطل في الحاشية السابقة.
(٢) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٣) ورد في "بحر العلوم" ٣/ ٥٢٥، و"مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٢٦، و"دقائق التفسير" ٦/ ٥٢ تفسير سورة الإخلاص، قال د. عبد العلي: جاء في حديث طويل أخرجه ابن جرير: ١/ ٢٠٣ والبيهقي في "الأسماء والصفات" ٤٥٧ عن ابن مسعود وابن عباس، وسنده ضعيف.
(٤) ما بين القوسين غير مقروء في (ع).
(٥) "تفسير غريب القرآن" ٥٤٢ بيسير من التصرف، وقد بين ابن تيمية مراد ابن قتيبة قال: لا إبدال في هذا، ولكن هذا من جهة الاشتقاق الأكبر.. ثم قال - فالأشتقاق الأصغر اتفاق القولين في الحروف وترتيبها؛ والأوسط اتفاقهما في الحروف لا في الترتيب =

صفحة رقم 442

وصف الله (تعالى (١)) (٢).
والقول في الصمد: أنه السيد الذي يصمد إليه الحوائج) (٣).
(قال أبو عبيدة (٤)، والمبرد (٥): الصمد الذي انتهى إليه السؤدد، لأن الناس (تصمد إليه) (٦) في حوائجهم) (٧).
(والعرب تقول لسيدها ولعظيمها: صمد، كما قال (٨):

عَلَوْتُه بحسامي ثم قلت له خُذْها حُذَيفَ فَأَنتَ السَّيِّدُ الصَّمَدُ (٩)
= والأكبر: اتفاقهما في أعيان بعض الحروف وفي الجنس لا في الباقي كاتفاقهما في كونهما من حروف الحلق إذا قيل حرز، وعزر، وازر، فإن الجميع فيه معنى القوة والشدة، وقد اشتركت مع الراء والزاي والحاء في أن الثلاثة حروف حلقية، وعلى هذا فإذا قيل الصمد: بمعنى المصمت وأنه مشتق منه بهذا الاعتبار، فهو صحيح، فإن الدال أخت التاء، فإن العمت السكوت وهو إمساك واطباق للفم عن الكلام. "مجموع الفتاوى" ١٧/ ٢٣٢.
(١) ساقط من (أ).
(٢) قد بينا صحة القول في معنى الصمد، على خلاف ما زعم الإمام الواحدي فليراجع في موضعه من هذه السورة.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) "مجاز القرآن" ٢/ ٣١٦، ولم يستشهد ببيت عمرو بن الأسلع وإنما ببيت الزبرقان، وفيه: ولا رهينة إلا سيد صمد.
(٥) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٦) ما بين القوسين ساقط من (أ)، وغير مقروء، وأثبت ما رأيت به انتظام الكلام. والله أعلم.
(٧) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٨) البيت لعمرو بن الأسلع العبسي -حاشية- "الصحاح".
(٩) ورد البيت منسوبًا في "الزاهر" لابن الآنباري ١/ ١٨٠، و"بصائر ذوي التمييز" للفيروزابادي ٣/ ٤٤٠ وغير منسوب في: "الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب برواية =

صفحة رقم 443

وأنشد أهل اللغة قول الأسدي (١):

ألا بكَّرَ النَّاعي بِخَيْري بني أسَدْ بعمرو بن مَسْعُود وبالسَّيِّدِ الصَّمَدْ (٢) " (٣)
وروي عن أبي بن كعب في تفسيره: الصمد أنه ما بعده وهو قوله: (الذي) (٤) ﴿لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣)﴾ لأنه ليس شيء يولد إلا سيموت، وليس شيء إلا سيورث، وأن الله لا يموت، ولا يورث (٥).
= (بحسام)، و"الصحاح" ٢/ ٤٩٩ (صمد)، و"لسان العرب" ٣/ ٢٥٨، و"تاج العروس" ٢/ ٤٠١، و"الأمالي" لأبي علي القالي ٢/ ٢٨٨، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥: برواية: (بحسام، و"روح المعاني" ٣٠/ ٢٧٣: برواية (حزيت)، و"تفسير سورة الإخلاص" ص ٤١.
(١) الأسدي هو سبرة بن عمرو الفقعسي، وهو شاعر جاهلي. "شرح ديوان الحماسة" للتبريزي ١/ ٨٠.
(٢) ورد البيت غير منسوب في: "شعر بني أسد في الجاهلية" د. أحمد الجاسم ص ٣٧، و"جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٧، و"مجاز القرآن" ٢/ ٣١٦ برواية بخير، و"معاني القرآن وإعرابه" ٥/ ٣٧٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩ ب، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٧١، و"المحرر الوجيز" ٥/ ٥٣٦ برواية (بخير)، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ١٨١، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥، برواية (بخير)، و"روح المعاني" ٣٠/ ٢٧٣، و"الأغاني" ٢٢، ٩٢، ط. دار الكتب، و"فتح القدير" ٥/ ٥١٧، و"تهذيب اللغة" ١٢/ ١٥ (صمد)، و"لسان العرب" ٣/ ٢٥٨، و"فتح الباري" ٨/ ٧٤٠، و"الأمالي" لأبي علي القالي ٢/ ٢٨٨، و"سمط اللآلي" ص ٩٣٢، و"تفسير سورة الإخلاص" ص ٤١.
(٣) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٤) ساقط من (أ).
(٥) "الكشف والبيان" ١٣/ ١٨٩/ ٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٤، و"زاد المسير" =

صفحة رقم 444

(وقال عطاء عن) (١) ابن عباس: "لم يلد" كما ولدت مريم، ولم "يولد" كما ولد عيسى (٢).
وقال مقاتل: إن مشركي العرب قالوا: الملائكة بنات الله، وقالت اليهود: عزير بن الله، وقالت النصارى: المسيح ابن الله، فأكذبهم الله، وابرأ نفسه مما قالوا فقال "لم يلد ولم يولد" (٣) يقول: لم يكن له ولد، ولم يولد له من أحد كما ولد عيسى، وعزير، ومريم.
﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ (٤)﴾ قال أبو إسحاق: معناه لم يكن أحد مِثلًا له (٤).
(وقال أبو عبيدة: يقال كفواً وكَفِيء (٥) وكِفاءً كله واحد (٦).
قال حسان:
ورُوحُ القُدْسِ ليسَ له كِفَاءُ (٧) (٨)

= ٨/ ٣٣١ حاشية من النسخة الأزهرية، و"الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٥، وانظر تخريجه عند قوله: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ﴾.
(١) ما بين القوسين ساقط من (أ).
(٢) "الجامع لأحكام القرآن" ٢٠/ ٢٤٦ من غير ذكر طريق عطاء.
(٣) "بحر العلوم" ٣/ ٥٢٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٤٥، و"زاد المسير" ٨/ ٣٣١، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٢٧.
(٤) "تهذيب اللغة" ١٠/ ٣٨٥: (كفأ)، ولم أجد قوله في معانيه وإنما كما ذكرت وجدته في التهذيب، ولعل الواحدي نقله عن الأزهري، والعبارة الواردة في المعاني قال... ويقال فلان كفءٌ فلان مثل كفيّ فلان. ٥/ ٣٧٨.
(٥) كفيئًا هكذا وردت في المجاز.
(٦) "مجاز القرآن" ٢/ ٣١٦.
(٧) في (أ): (كفاه).
(٨) وشطره الأول: "وجبريل آمين الله فينا" وقد ورد البيت في: ديوانه: ٨، ط. دار =

صفحة رقم 445

ومنه قول النابغة:
لا تَقْذِفَنِّي بركْنٍ لا كِفاءَ لَهُ (١)
وقال آخر:

أما كانَ عَيَّادٌ كفيئًا لدارمٍ بلى ولأبيات بها الحُجُراتُ (٢)
والأصل في كُفُوءٌ: الضم (٣) ثم تخفف مثل: طُنُب وطُنْب، وعُنُقٍ وعُنْق.
= صادر، ومعنى: ليس له كفاء أي ليس له نظير - "شرح ديوانه" ص ٥٩: دار الكتاب العربي.
(١) الشطر الثاني منه:
ولو تأثفك الأعداءُ بالرِّخدِ
ورد البيت في: "ديوانه" ٣٦، ط. دار بيروت، و"جامع البيان" ٣٠/ ٣٤٨، وهذا البيت للنابغة لم يورده أبو علي في "الحجة" ٦/ ٤٦٣ - ٤٦٥.
ومعنى البيت: الكفاء: النظير والمثل. تأثفك الأعداء: صاروا حولك كالأثافي. الرفد: العصب من الناس، يريد: لا ترمني بما لا أطيق، ولا يقوم له أحد، ولا يكافئك فيه أعداؤك، ولو أحاطوا بك متعاونين. "ديوانه" ص ٣٦.
(٢) البيت لرجل من الحبطات، وهم بنو الحارث بن عمرو بن تميم وكان قد خطب امرأة من بني دارم بن مالك بن زيد مناة ابن تميم فقال الفرزدق: بنو دارم أكفاؤهم آل مِسْمِع وتُنْلَح في أكفائها الحبطات
فأجابه رجل من الحبطات فقال: أما كان.. البيت المذكور.
انظر: "الكامل" ١/ ٦٤، ٢/ ٦٨، و"جامع البيان" ٢٦/ ٢٢١.
(٣) قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي، وأبو عمرو في رواية اليزيدي وعبد الوارث (كُفُؤاْ) بضم الفاء مهموزة وروى عباس بن الفضل، والقطعي عن محبوب (كُفْؤًا) مهموزًا خفيفًا وقرأ حمزة (كُفْؤًا) مهموزة خفيفة.
واختلف عن نافع، ففي رواية (كُفُؤا) مثقلًا مهموزًا، وبرواية أخرى (كُفْؤًا) خفيفًا مهموزًا، ورواية (كُفُوًا) مثقلًا غير مهموز.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (كُفؤا) مثقلًا مهموزًا، وروي حفص عن عاصم (كُفُوًا) مثقلًا غير مهموز. =

صفحة رقم 446

وقال أبو علي: قوله: "ولم يكن له كفوا أحد" له متعلق بكان، وكفؤًا منتصب بأنه خبر تقدم، كما أن قوله: "وكان حقًا علينا نصر المؤمنين" كذلك) (١)

= قال أبو منصور: هذه لغات وأجودها: كُفُؤا، ثم كُفْؤًا، وأما كُفُؤًا بترك الهمزة وضم الفاء فيس بكثير.
انظر: "كتاب السبعة في القراءات" ص ٧٠٢، و"القراءات وعلل النحويين فيها" ٢/ ٨٠٨، و"حجة القراءات" ص ٧٧٧.
(١) ما بين القوسين نقله عن "الحجة" ٦/ ٤٦٣ - ٤٦٥.

صفحة رقم 447

سورة الفلق

صفحة رقم 449
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية