آيات من القرآن الكريم

اللَّهُ الصَّمَدُ
ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗ ﭙﭚﭛﭜ ﭞﭟﭠﭡﭢ

التفسير قال الله- تعالى-:
[سورة الإخلاص (١١٢) : الآيات ١ الى ٤]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ (٤)
وقد افتتحت بفعل الأمر «قل» لإظهار العناية بما بعد هذا الأمر من توجيهات حكيمة، ولتلقينه ﷺ الرد على المشركين الذين سألوه أن ينسب لهم ربه.
وهُوَ ضمير الشأن مبتدأ، والجملة التي بعده خبر عنه.
والأحد: هو الواحد في ذاته وفي صفاته وفي أفعاله، وفي كل شأن من شئونه، فهو منزه عن التركيب من جواهر متعددة، أو من مادة معينة، كما أنه- عز وجل- منزه عن الجسمية والتحيز، ومشابهة غيره.
وفي الإتيان بضمير الشأن هنا: إشارة إلى فخامة مضمون الجملة، مع ما في ذلك من زيادة التحقيق والتقرير، لأن الضمير يشير إلى شيء مبهم تترقبه النفس، فإذا جاء الكلام من بعده زال الإبهام، وتمكن الكلام من النفس فضل تمكن.
وجيء بالخبر نكرة وهو لفظ «أحد» لأن المقصود الإخبار عن الله- تعالى- بأنه واحد، ولو قيل:وقوله- سبحانه- اللَّهُ الصَّمَدُ أى:

صفحة رقم 540

قال صاحب الكشاف: والصمد فعل بمعنى مفعول، من صمد إليه إذا قصده، وهو- سبحانه- المصمود إليه في الحوائج، والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرون بأنه خالق السموات والأرض، وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشارك فيها، وهو الذي يصمد إليه كل مخلوق لا يستغنون عنه، وهو الغنى عنهم... «١».
وجاء لفظ «الصمد» محلى بأل، لإفادة الحصر في الواقع ونفس الأمر، فإن قصد الخلق إليه- سبحانه- في الحوائج، أعم من القصد الإرادى، والقصد الطبيعي، والقصد بحسب الاستعداد الأصلى، الثابت لجميع المخلوقات إذ الكل متجه إليه- تعالى- طوعا وكرها.
وقوله- سبحانه-: لَمْ يَلِدْ تنزيه له- تعالى- عن أن يكون له ولد أو بنت، لأن الولادة تقتضي انفصال مادة منه، وذلك يقتضى التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لأن الولد من جنس أبيه، وهو- تعالى- منزه عن مجانسة أحد.
وقوله: وَلَمْ يُولَدْ تنزيه له- تعالى- عن أن يكون له أب أو أم، لأن المولودية تقتضي- أيضا- التركيب المنافى للأحدية والصمدية، أو لاقتضائها سبق العدم، أو المجانسة، وكل ذلك مستحيل عليه- تعالى- فهو- سبحانه-: الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ، وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ.
وقوله- عز وجل-: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ تنزيه له- تعالى- عن الشبيه والنظير والمماثل.
والكفؤ: هو المكافئ والمماثل والمشابه لغيره في العمل أو في القدرة.
أى: ولم يكن أحد من خلقه مكافئا ولا مشاكلا ولا مناظرا له- تعالى- في ذاته، أو صفاته، أو أفعاله، فهو كما قال- تعالى-: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ.
وبذلك نرى أن هذه السورة الكريمة قد تضمنت نفى الشرك بجميع ألوانه.
فقد نفى- سبحانه- عن ذاته التعدد بقوله: اللَّهُ أَحَدٌ ونفى عن ذاته النقص والاحتياج بقوله: اللَّهُ الصَّمَدُ، ونفى عن ذاته أن يكون والدا أو مولودا بقوله: لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، ونفى عن نفسه الأنداد والأشباه بقوله: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ.
كما نراها قد تضمنت الرد على المشركين وأهل الكتاب، وغيرهم من أصحاب الفرق الضالة، الذين يقولون، بالتثليث، وبأن هناك آلهة أخرى تشارك الله- تعالى- في ملكه.

(١) راجع تفسير الكشاف ج ٤ ص ٨١٨. [.....]

صفحة رقم 541

الله الأحد، لأفاد أنه لا واحد سواه، وليس هذا المعنى مقصودا هنا، وإنما المقصود إثبات أنه واحد في ذاته وصفاته وأفعاله ونفى ما زعمه المشركون وغيرهم، من أنه- تعالى- مركب من أصول مادية أو غير مادية، أو من أنه له شريك في ملكه.
الله- تعالى- هو الذي يصمد إليه الخلق في حوائجهم، ويقصدونه وحده بالسؤال والطلب مأخوذ من قولهم صمد فلان إلى فلان. بمعنى توجه إليه بطلب العون والمساعدة.
وبغير ذلك من الأقاويل الفاسدة والعقائد الزائفة - سبحانه وتعالى- عما يقولون علوا كبيرا.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

صفحة رقم 542

بسم الله الرّحمن الرّحيم

تفسير سورة الفلق
مقدمة وتمهيد
١- سورة «الفلق» تسمى- أيضا- سورة «قل أعوذ برب الفلق» وتسمى هي والتي بعدها بالمعوّذتين، وكان نزولهما على الترتيب الموجود في المصحف.
ويرى الحسن وعطاء وعكرمة أنهما مكيتان، ويرى قتادة وجماعة أنهما مدنيتان...
قال الآلوسى عند تفسيره لهذه السورة: هي مكية في قول الحسن... ومدنية في رواية عن ابن عباس. وفي قول قتادة وجماعة، وهو الصحيح، لأن سبب نزولها سحر اليهود... «١».
وقد سار السيوطي في إتقانه على أنهما مكيتان، وأن نزول سورة الفلق كان بعد نزول سورة «الفيل» وقبل سورة «الناس»، وأن نزول سورة «الناس» كان بعد سورة «الفلق» وقبل سورة «الصمد».
٢- وعدد آياتها خمس آيات، والغرض الأكبر منها: تعليم النبي ﷺ كيف يستعيذ بالله- تعالى- من شرور الحاقدين والجاحدين والسحرة والفاسقين عن أمر ربهم...
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٢٧٨.

صفحة رقم 543
التفسير الوسيط
عرض الكتاب
المؤلف
محمد سيد طنطاوي
الناشر
دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية