آيات من القرآن الكريم

كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا ۗ أَلَا بُعْدًا لِمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ
ﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ ﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒﮓﮔﮕﮖﮗﮘ ﮚﮛﮜﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥﮦﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮ

(إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ) أي إن ربى رحيم بمن تاب وأناب إليه أن يعذبه بعد التوبة، كثير الود والمحبة، فيحب من يتوب ويرجع إليه.
وفى الآية إرشاد إلى أن الندم على فعل الفساد والظلم بالتوبة واستغفار الرب تعالى من أسباب خير الدنيا وخير الآخرة.
[سورة هود (١١) : الآيات ٩١ الى ٩٥]
قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ (٩١) قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (٩٢) وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنِّي عامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ (٩٣) وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (٩٤) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا بُعْداً لِمَدْيَنَ كَما بَعِدَتْ ثَمُودُ (٩٥)
تفسير المفردات
الفقه: الفهم الدقيق المؤثّر فى النفس الباعث على العمل، والرهط: الجماعة من الثلاثة إلى السبعة أو العشرة، لرجمناك: لقتلناك بالرمي بالحجارة، بعزيز: أي ذى عزة ومنعة، واتخذه ظهريا (بالكسر والتشديد) أي جعله نسيا منسيا لا يذكر كأنه غير موجود، ومحيط: أي محص ما تعملون، وعلى مكانتكم: على غاية تمكنكم من أمركم وأقصى استطاعتكم وإمكانكم، يقال مكُن مكانة: إذا تمكن أبلغ تمكن، وارتقبوا:
أي وانتظروا، والصيحة: أي صيحة العذاب، وجاثمين: أي باركين على ركبهم مكبّين على وجوههم، وغنى بالمكان: أقام به، وبعدا: أي هلاكا لهم.

صفحة رقم 75

المعنى الجملي
بعد أن جادلوه أوّلا بالتي هى أحسن، وعمّيت عليهم العلل، وضاقت بهم الحيل، ولم يجدوا للمحاورة ثمرة- تحوّلوا إلى الإهانة والتهديد، وجعلوا كلامه من الهذيان والتخليط الذي لا يفهم معناه، ولا تدرك فحواه، فقابلهم بالإنذار بقرب الوعيد، ونزول العذاب الشديد.
الإيضاح
(قالُوا يا شُعَيْبُ ما نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ) أي ما نعلم حقيقة كثير مما تقول وتخبرنا به، من بطلان عبادة آلهتنا، وقبح حرية التصرف فى أموالنا، ومجىء عذاب يحيط بنا، وإصابتنا بمثل الأحداث التي أصابت من قبلنا، كأنّ أمرها بيدك، يصيب بها ربك من يشاء لأجلك.
(وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً) لا قوة لك ولا قدرة على شىء من الضر والنفع، ولا تستطيع أن تمتنع منا إن أردنا أن نبطش بك.
(وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ) أي ولولا عشيرتك الأقربون لقتلناك بالحجارة حتى تدفن فيها.
(وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ) أي وما أنت بذي عزة ومنعة تحول بيننا وبين رجمك، وإنما نعزّ رهطك على قلتهم لأنهم منا وعلى ديننا الذي نبذته وراء ظهرك وأهنته، ودعوتنا إلى تركه لبطلانه فى زعمك.
فوبخهم شعيب على سفاهتهم كما حكى سبحانه عنه.
(قالَ يا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ) أي قال يا قوم: أرهطى أعز عليكم وأكرم من الله حتى كان امتناعكم عن رجمى بسبب انتسابي إليهم، وأنهم رهطى لا بسبب انتسابي إلى الله تعالى الذي أدعوكم إليه بأمره.
(وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ ظِهْرِيًّا) أي واستخففتم بربكم فجعلتموه خلف ظهوركم،

صفحة رقم 76

لا تأمرون لأمره، ولا نخافون عقابه، ولا تعظمونه حق التعظيم، وكان القوم يؤمنون بالله ويشركون به سواه. وأكثر الناس اليوم لا يراقبون الله فى أقوالهم ولا فى أعمالهم.
فيرجوه إذا أحسنوا، ويخافوه إذا أساءوا، ويتسابقوا إلى الإحسان ابتغاء مرضاته:
(إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ) أي إن ربى محيط علمه بعملكم فلا يخفى عليه شىء منه وهو مجازيكم عليه، وأما رهطى فلا يستطيعون لكم ضرا ولا نفعا.
ولا يخفى ما فى ذلك من التهديد والوعيد.
ثم هددهم مرة أخرى فقال:
(وَيا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ) أي ويا قوم اعملوا ما استطعتم على منتهى تمكنكم فى قوتكم وعصبيتكم.
وخلاصة ذلك- اثبتوا على ما أنتم عليه من الكفر والمشاقّة وسائر ما لا خير فيه، وهذا كلام من واثق بقوته بربه، وضعف قومه على كثرتهم، وإدلالهم عليه، وتهديدهم له بقوتهم.
(إِنِّي عامِلٌ) على مكانتى على قدر ما يؤيدنى الله به من وسائل التأييد والتوفيق.
(سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كاذِبٌ) أي سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويذله، أنا أم أنتم؟ ومن هو كاذب فى قوله، ومن هو صادق منى ومنكم- وهذا تصريح منه بالوعيد بعد التلميح بالأمر بالعمل المستطاع تعجيزا لهم.
(وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ) أي وانتظروا ما أقول لكم من حلول ما أعدكم به وظهور صدقه، إنى مرتقب منتظر.
ثم ذكر أنه كان صادقا فى وعيده لهم فحل بهم سوء العذاب فقال:
(وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا) أي ولما جاء أمرنا بعذابهم الذي أنذروه نجينا رسولنا شعيبا والذين آمنوا به فصدّقوه على ما جاءهم به من عند ربهم برحمة خاصة بهم.
(وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ) أي وأخذت أولئك

صفحة رقم 77
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية