
قبل قولك هذا الذي قلته لنا، إنه ليس لنا إلهٌ إلا الله. ﴿أَتَنْهَانَآ أَن نَّعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا﴾ من الآلهة. ﴿وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَآ إِلَيْهِ﴾ من عبادة إله واحد ﴿مُرِيبٍ﴾: أي: متهم، من أربته، فأنا أربيه، إذاً فعلت فعلاً يوجب له التهمة.
قوله: ﴿قَالَ ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾ - إلى قوله - ﴿غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾.
المعنى: إن صالحاً قال لهم: إذ قالوا له: ﴿وَإِنَّنَا / تَدْعُونَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ لَفِي شَكٍّ مِّمَّا﴾
﴿ياقوم أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ على بَيِّنَةً مِّن رَّبِّي﴾: أي: على برهان، وحجة، قد علمت ذلك وأيقنته. ﴿وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً﴾: يعني النبوؤة والحكمة والإيمان.
﴿فَمَن يَنصُرُنِي مِنَ الله إِنْ عَصَيْتُهُ﴾: أي: من ينقذني من عذابه إن عصيته. ﴿فَمَا تَزِيدُونَنِي﴾ بعذركم أنكم تعبدون ما كان يعبد آباؤنا ﴿غَيْرَ تَخْسِيرٍ﴾: أي

تخسرون حظوظكم من رحمة ربكم.
ثم قال: ﴿وياقوم هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً﴾: " آية: حال، والمعنى: انتبهوا إليها في هذه الحال.
﴿فَذَرُوهَا تَأْكُلْ في أَرْضِ الله﴾: أي: دعوها، ويذر ويدع لم يستعمل منها ماض. وأصل " يدع ": يَوْدِعْ، فحذفت الواو على الأصل، ثم فتحت العين من أجل حروف الحلق. وشابهت " يذر " " يدع " من أجل أنها لم ينطق منها بماض، ففتحت العين منها، مثل " ودع "، وبابهما جميعاً فَعَل يَفْعِل، ففتحت " يدع " لحرف الحلق، وفتحت " يذر " للمضارعة التي بينها وبين " يدع ". وإنما تفتح العين إذا كانت حرف حلق، أو كانت اللام حرف حلق، لأن الفتجة أًلها من الألف. فلما وقع بعدها حرف حلق جعلوا حركة ما قبله مما هو من مخرج الحروف، ليكون الحرف،

والحركة من جنس واحد. وكذلك، إن كانت العين حرف حلق تفتح، لتكون حركته من الحرف الذي هو مثله، فتكون الحركة والحرف من جنس واحد أيضاً.
وإنما صارت الناقة آية، لأنهم طلبوا الله أن يخرج لهم من جبل لهم ناقة ويؤمنوا، فأخرجها لهم من ذلك الجبل بقدرة الله تعالى، فلم يؤمنوا، فقال لهم: دعوها ﴿تَأْكُلْ في أَرْضِ الله﴾ ليس على أحد منكم رزقها. ﴿وَلاَ تَمَسُّوهَا بسواء﴾: أي: لا تعقروها، فيأخذكم عذاب قريب: أي: قريب من عقرها. وقيل: المعنى: ﴿قَرِيبٌ﴾: غير بعيد فيهلككم. ﴿فَعَقَرُوهَا﴾، والمعنى: فكذبوه، فخالفوه، فعقروها. فقال لهم صالح: استمتعوا في دار الدنيا ثلاثة أيام، ثم يأتيكم العذاب فهو ﴿وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ﴾.
ويروى أن الناقة كانت أحسن ناقة في الأرض، حمراء عشراء، فوضعت فصيلاً، فكانت تغدو، فتشرب جميع الماء، ثم تغدوا عليهم، بمثله لبناً، فإذا انصرفت عنهم عَدَوْا إلى الماء، فاستقوا حاجتهم ليومين، فعقروها، فأخذهم العذاب.