
الإيمان بك، وإن كان قد أتاهم بآية نظرية عَنْ قَوْلِكَ أي بسبب قولك
إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ معناه ما نقول إلا أن بعض آلهتنا أصابك بجنون لما سببتها ونهيتنا عن عبادتها فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ هذا أمر بمعنى التعجيز أي: لا تقدرون أنتم ولا آلهتكم على شيء، ثم ذكر سبب قوته في نفسه وعدم مبالاته بهم، فقال: إني توكلت على الله الآية ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها أي: هي في قبضته وتحت قهره، والأخذ بالناصية تمثيل لذلك، وهذه الجملة تعليل لقوة توكله على الله وعدم مبالاته بالخلق إِنَّ رَبِّي عَلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يريد أن أفعال الله جميلة وقوله صدق ووعده حق، فالاستقامة تامة فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ أصل تولوا هنا تتولوا لأنه فعل مستقبل حذفت منه تاء المضارعة، فإن قيل: كيف وقع الإبلاغ جوابا للشرط، وقد كان الإبلاغ قبل التولي؟ فالجواب: أن المعنى إن تتولوا فلا عتب عليّ لأني قد أبلغتكم رسالة ربي وَلا تَضُرُّونَهُ شَيْئاً أي لا تنقصونه شيئا: أي إذا أهلككم واستخلف غيركم وَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا إن قيل: لم قال هنا وفي قصة شعيب ولما بالواو وقال في قصة صالح ولوط: فلما بالفاء؟ فالجواب على ما قال الزمخشري أنه وقع ذلك في قصة صالح ولوط بعد الوعيد، فجيء بالفاء التي تقتضي التسبيب كما تقول وعدته فلما جاء الميعاد بخلاف قصة هود وشعيب، فإنه لم يتقدم ذلك فيهما فعطف بالواو وَنَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ يحتمل أن يريد به عذاب الآخرة، ولذلك عطفه على النجاة الأولى التي أراد بها النجاة من الريح، ويحتمل أن يريد بالثاني أيضا الريح، وكرره إعلاما بأنه عذاب غليظ، وتعديدا للنعمة في نجاتهم وَعَصَوْا رُسُلَهُ في جميع الرسل هنا وجهان: أحدهما أن من عصى رسولا واحدا لزمه عصيان جميعهم فإنهم متفقون على الإيمان بالله وعلى توحيده، والثاني أن يراد الجنس كقولك: فلان يركب الخيل وإن لم يركب إلا فرسا واحدا أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ هذا تشنيع لكفرهم، وتهويل بحرف التنبيه وبتكرار اسم عاد أَلا بُعْداً أي هلاكا وهذا دعاء عليهم وانتصابه بفعل مضمر، فإن قيل: كيف دعا عليهم بالهلاك بعد أن هلكوا؟ فالجواب أن المراد أنهم أهل لذلك لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ بيان لأن عادا اثنان: إحداهما قوم هود، والأخرى إرم
هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ لأن آدم خلق من تراب وَاسْتَعْمَرَكُمْ

فِيها
أي جعلكم تعمرونها. فهو من العمران للأرض، وقيل: هو من العمر نحو استبقاكم من البقاء قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا أي: كنا نرجو أن ننتفع بك حتى قلت ما قلت، وقيل:
المعنى كنا نرجو أن تدخل في ديننا فِي دارِكُمْ أي بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ قيل: إنها الخميس والجمعة والسبت، لأنهم عقروا الناقة يوم الأربعاء، وأخذهم العذاب يوم الأحد وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ معطوف على نجينا أي نجيناهم من خزي يومئذ جاثِمِينَ ذكر في الأعراف كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أي: كأن لم يقيموا فيها والضمير للدار، وكذلك في قصة شعيب.
وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا الرسل هنا الملائكة إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى بشروه بالولد قالُوا سَلاماً نصب على المصدر والعامل فيه فعل مضمر تقديره سلمنا عليكم سلاما قالَ سَلامٌ تقديره عليكم سلام وسلام عليكم، وهذا على أن يكون بمعنى التحية، وإنما رفع جوابه ليدل على إثبات السلام، فيكون قد حيّاهم بأحسن مما حيّوه، ويحتمل أن يكون السلام بمعنى السلامة، ونصب الأول لأنه بمعنى الطلب، ورفع الثاني لأنه في معنى الخبر فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ أي ما لبث مجيئه بل عجّل وما نافية وأن جاء فاعل لبث بِعِجْلٍ حَنِيذٍ أي مشويّ، وفعيل هنا بمعنى مفعول نَكِرَهُمْ أي أنكرهم ولم يعرفهم، يقال:
نكر وأنكر بمعنى واحد وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قيل: إنه لم يعرفهم فخاف منهم لما لم يأكلوا طعامه، وقيل: عرف أنهم ملائكة ولكن خاف أن يكونوا أرسلوا بما يخاف فأمنوه بقولهم: لا تخف وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ قيل: قائمة خلف الستر، وقيل: قائمة في الصلاة، وقيل: قائمة تخدم القوم، واسمها سارة فَضَحِكَتْ قيل: معناه حاضت، وهو ضعيف، وقال الجمهور: هو الضحك المعروف واختلفوا من أي شيء ضحكت، فقيل: سرورا بالولد الذي بشرت به ففي الكلام على هذا تقديم وتأخير، وقيل: سرورا بالأمن بعد الخوف، وقيل: سرورا بهلاك قوم لوط فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ أسند البشارة إلى ضمير الله تعالى، لأنها كانت بأمره وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ أي من بعده وهو ولده، وقيل: