
أخرج ابْن سعد وَابْن عَسَاكِر من طَرِيق الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ للمك يَوْم ولد نوح اثْنَان وَثَمَانُونَ سنة وَلم يكن أحد فِي ذَلِك الزَّمَان يَنْتَهِي عَن مُنكر فَبعث الله نوحًا إِلَيْهِم وَهُوَ ابْن أَرْبَعمِائَة سنة وَثَمَانِينَ سنة ثمَّ دعاهم فِي نبوّته مائَة وَعشْرين سنة ثمَّ أمره بصنعة السَّفِينَة فصنعها وركبها وَهُوَ ابْن سِتّمائَة سنة وغرق من غرق ثمَّ مكث بعد السَّفِينَة ثَلَاثمِائَة وَخمسين سنة فولد نوح سَام وَفِي وَلَده بَيَاض وأدمة وَحَام وَفِي وَلَده سَواد وَبَيَاض وَيَافث وَفِيهِمْ الشقرة والحمرة وكنعان وَهُوَ الَّذِي غرق وَالْعرب تَسْمِيَة بام وَأم هَؤُلَاءِ وَاحِدَة وبجل فود نجر نوح السَّفِينَة
وَمن ثمَّ بدا الطوفان فَركب نوح السَّفِينَة مَعَه بنوه هَؤُلَاءِ وَنسَاء بنيه هَؤُلَاءِ وَثَلَاثَة وَسَبْعُونَ من بني شِيث مِمَّن آمن بِهِ فَكَانُوا ثَمَانِينَ فِي السَّفِينَة وَحمل مَعَه من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَكَانَ طول السَّفِينَة ثَلَاثمِائَة ذِرَاع بِذِرَاع جد أبي نوح وعرضها خمسين ذِرَاعا وطولها فِي السَّمَاء ثَلَاثِينَ ذِرَاعا وَخرج مِنْهَا من المَاء سِتَّة أَذْرع وَكَانَت مطبقة وَجعل لَهَا ثَلَاثَة أَبْوَاب بَعْضهَا أَسْفَل من بعض فَأرْسل الله الْمَطَر أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَأَقْبَلت الْوَحْش حِين أَصَابَهَا الْمَطَر وَالدَّوَاب وَالطير كلهَا إِلَى نوح وسخرت لَهُ فَحمل مِنْهَا كَمَا أمره الله من كل زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَحمل مَعَه جَسَد

آدم عَلَيْهِ السَّلَام فَجعل حاجزاً بَين النِّسَاء وَالرِّجَال فَرَكبُوا فِيهَا لعشر مضين من رَجَب وَخَرجُوا مِنْهَا يَوْم عَاشُورَاء من الْمحرم فَلذَلِك صَامَ من صَامَ يَوْم عَاشُورَاء وَخرج المَاء مثل ذَلِك نِصْفَيْنِ نصف من السَّمَاء وَنصف من الأَرْض فَذَلِك قَول الله (ففتحنا أَبْوَاب السَّمَاء بِمَاء منهمر) (سُورَة الْقَمَر آيَة ١١) يَقُول: مُنْصَبٍّ (وفجرنا الأَرْض عيُونا) (سُورَة الْقَمَر آيَة ١٢) يَقُول: شققنا الأَرْض فَالتقى المَاء (على أَمر قد قدر) (سُورَة الْقَمَر ١٢) وارتفع المَاء على أطول جبل فِي الأَرْض خَمْسَة عشر ذِرَاعا فسارت بهم السَّفِينَة فطافت بهم الأَرْض كلهَا فِي سِتَّة أشهر لَا تَسْتَقِر على شَيْء حَتَّى أَتَت الْحرم فَلم تدخله ودارت بِالْحرم أسبوعاً وَرفع الْبَيْت الَّذِي بناه آدم عَلَيْهِ السَّلَام رفع من الْغَرق وَهُوَ الْبَيْت الْمَعْمُور وَالْحجر الْأسود على أبي قبيس
فَلَمَّا دارت بِالْحرم ذهبت فِي الأَرْض تسير بهم حَتَّى انْتَهَت إِلَى الجودي وَهُوَ جبل بالحضين من أَرض الْموصل فاستقرت بعد سِتَّة أشهر لتَمام السّنة فَقيل بعد السِّتَّة أشهر: بعدا للْقَوْم الظَّالِمين فَلَمَّا اسْتَوَت على الجودي قيل: ﴿يَا أَرض ابلعي ماءك وَيَا سَمَاء أقلعي﴾ يَقُول: احبسي ماءك ﴿وغيض المَاء﴾ نشفته الأَرْض فَصَارَ مَا نزل من السَّمَاء هَذِه البخور الَّتِي ترَوْنَ فِي الأَرْض فآخر مَاء بَقِي فِي الأَرْض من الطوفان مَاء يحسى بَقِي فِي الأَرْض أَرْبَعِينَ سنة بعد الطوفان ثمَّ ذهب فهبط نوح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى قَرْيَة فَبنى كل رجل مِنْهُم بَيْتا فسميت سوق الثَّمَانِينَ فغرق بَنو قابيل كلهم وَمَا بَين نوح إِلَى آدم من الْآبَاء كَانُوا على الإِسلام ودعا نوح على الْأسد أَن يلقى عَلَيْهِ الْحمى [و] للحمامة بالانس وللغراب بشقاء الْمَعيشَة وتزوّج نوح امْرَأَة من بني قابيل فَولدت لَهُ غُلَاما سَمَّاهُ يوناطن فَلَمَّا ضَاقَتْ بهم سوق الثَّمَانِينَ تحوّلوا إِلَى بابل فبنوها وَهِي بَين الْفُرَات والصراة فَمَكَثُوا بهَا حَتَّى بلغُوا مائَة ألف وهم على الإِسلام وَلما خرج نوح من السَّفِينَة دفن آدم عَلَيْهِ السَّلَام بِبَيْت الْمُقَدّس
وَأخرج عبد الرَّزَّاق وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: بعث نوح عَلَيْهِ السَّلَام الْحَمَامَة فَجَاءَت بورق الزَّيْتُون فَأعْطيت الطوق الَّذِي فِي عُنُقهَا وخضاب رِجْلَيْهَا

وَأخرج ابْن أبي حَاتِم عَن سعيد رَضِي الله عَنهُ قَالَ خرجت أُرِيد أَن أشْرب مَاء المر قَالَ: لَا تشرب مَاء المر فَإِنَّهُ لما كَانَ زمن الطوفان أَمر الله الأَرْض أَن تبلع ماءها وَأمر السَّمَاء أَن تقلع فاستعصى عَلَيْهِ بعض الْبِقَاع فلعنه فَصَارَ مَاؤُهُ مرا وترابه سبخاً لَا ينْبت شَيْئا
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن إِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما أمرت الأَرْض أَن تغيض المَاء غاضت الأَرْض مَا خلا أَرض الْكُوفَة فلعنت فسائر الأَرْض تكون على نورين وَأَرْض الْكُوفَة على أَربع
وَأخرج ابْن الْمُنْذر عَن عِكْرِمَة ﴿يَا أَرض ابلعي﴾ قَالَ: هُوَ بِالْحَبَشَةِ
وَأخرج ابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن وهب بن مُنَبّه رَضِي الله عَنهُ ﴿وَقيل يَا أَرض ابلعي ماءك﴾ بالحبشية قَالَ: ازرديه
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي قَوْله ﴿يَا أَرض ابلعي ماءك﴾ قَالَ: اشربي بلغَة الْهِنْد
وَأخرج ابْن جرير وَابْن الْمُنْذر وَابْن أبي حَاتِم عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فِي قَوْله ﴿وَيَا سَمَاء أقلعي﴾ قَالَ: أمسكي ﴿وغيض المَاء﴾ قَالَ: ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ فِي قَوْله ﴿وغيض المَاء﴾ قَالَ: نغض ﴿وَقضي الْأَمر﴾ قَالَ: هَلَاك قوم نوح
أما قَوْله تَعَالَى: ﴿واستوت على الجودي﴾
أخرج أَحْمد وَأَبُو الشَّيْخ وَابْن مرْدَوَيْه عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: مر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بأناس من الْيَهُود وَقد صَامُوا يَوْم عَاشُورَاء فَقَالَ: مَا هَذَا الصَّوْم فَقَالُوا: هَذَا الْيَوْم الَّذِي أنجى الله فِيهِ مُوسَى وَبني إِسْرَائِيل من الْغَرق وَأغْرقَ فِيهِ فِرْعَوْن وَهَذَا يَوْم اسْتَوَت فِيهِ السَّفِينَة على الجودي فصامه نوح ومُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلَام شكرا لله
فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِنَّا أَحَق بمُوسَى وأحق بِصَوْم هَذَا الْيَوْم فصامه وَأمر أَصْحَابه بِالصَّوْمِ
وَأخرج ابْن جرير عَن عبد الْعَزِيز بن عبد الغفور عَن أَبِيه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: فِي أول يَوْم من رَجَب ركب نوح السَّفِينَة فصَام هُوَ وَجَمِيع من مَعَه وَجَرت بهم السَّفِينَة سِتَّة أشهر فَانْتهى ذَلِك إِلَى الْمحرم فأرست السَّفِينَة على الجودي يَوْم عَاشُورَاء فصَام نوح وَأمر جَمِيع من مَعَه من الْوَحْش وَالدَّوَاب فصاموا شكرا لله تَعَالَى

وَأخرج الْأَصْبَهَانِيّ فِي التَّرْغِيب عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: يَوْم عَاشُورَاء الْيَوْم الَّذِي تَابَ الله فِيهِ على آدم وَالْيَوْم الَّذِي اسْتَوَت فِيهِ سفينة نوح على الجودي وَالْيَوْم الَّذِي فرق الله فِيهِ الْبَحْر لبني إِسْرَائِيل وَالْيَوْم الَّذِي ولد فِيهِ عِيسَى صِيَامه يعدل سنة مبرورة
وَأخرج ابْن مرْدَوَيْه عَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله عَنهُ قَالَ: لما اسْتَقَرَّتْ السَّفِينَة على الجودي لبث مَا شَاءَ الله ثمَّ إِنَّه أذن لَهُ فهبط على الْجَبَل فَدَعَا الْغُرَاب فَقَالَ: ائْتِنِي بِخَبَر الأَرْض فانحدر الْغُرَاب وفيهَا الغرقى من قوم نوح فابطأ عَلَيْهِ فلعنه ودعا الْحَمَامَة فَوَقع على كف نوح فَقَالَ: اهبطي فائتيني بِخَبَر الأَرْض فانحدر فَلم يلبث إِلَّا قَلِيلا حَتَّى جَاءَ ينفض ريشه فِي منقاره فَقَالَ: اهبط فقد أبينت الأَرْض
قَالَ نوح: بَارك الله فِيك وَفِي بَيت يؤويك وحببك إِلَى النَّاس لَوْلَا أَن يَغْلِبك النَّاس على نَفسك لَدَعَوْت الله أَن يَجْعَل رَأسك من ذهب
وَأخرج ابْن جرير وَابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن مُجَاهِد رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الجودي جبل بالجزيرة تشامخت الْجبَال يَوْمئِذٍ من الْغَرق وتطاولت وتواضع هُوَ لله تَعَالَى فَلم يغرق وَأرْسلت عَلَيْهِ سفينة نوح
وَأخرج أَبُو الشَّيْخ فِي العظمة عَن عَطاء قَالَ: بَلغنِي أَن الْجَبَل تشامخ فِي السَّمَاء إِلَّا الجودي فَعرف أَن أَمر الله سيدركه فسكن
قَالَ: وَبَلغنِي أَن الله تَعَالَى استخبا أَبَا قبيس الرُّكْن الْأسود
وَأخرج ابْن جرير عَن الضَّحَّاك رَضِي الله عَنهُ قَالَ: الجودي جبل بالموصل
وَأخرج ابْن أبي حَاتِم وَأَبُو الشَّيْخ عَن قَتَادَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ: أبقاها الله بالجودي من أَرض الجزيرة عِبْرَة وَآيَة حَتَّى رَآهَا أوئل هَذِه الْأمة كم من سفينة قد كَانَت بعْدهَا فَهَلَكت
الْآيَة ٤٥