آيات من القرآن الكريم

إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ ۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ

وَتَأْكِيدُ جُمْلَةِ الْجَزَاءِ بِ أَنِ وَبِكَوْنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ فِيهَا اسْمًا مُخْبَرًا عَنْهُ بِالْجُمْلَةِ الْفِعْلِيَّةِ لِقَصْدِ شِدَّةِ تَأْكِيدِ تَوَقُّعِ الْعَذَابِ.
وَتَنْكِيرُ يَوْمٍ لِلتَّهْوِيلِ، لِتَذْهَبَ نُفُوسُهُمْ لِلِاحْتِمَالِ الْمُمْكِنِ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا فِي الدُّنْيَا أَوْ فِي الْآخِرَةِ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يُنْكِرُونَ الْحَشْرَ، فَتَخْوِيفُهُمْ بِعَذَابِ الدُّنْيَا أَوْقَعُ فِي نُفُوسِهِمْ.
وَبِذَلِكَ يَكُونُ تَنْكِيرُ يَوْمٍ صَالِحًا لِإِيقَاعِهِ مُقَابِلًا لِلْجَزَاءَيْنِ فِي قَوْلِهِ: يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ، فَيُقَدِّرُ السَّامِعُ: إِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَيْنِ كَمَا رَجَوْتُ لَكُمْ إِنِ اسْتَغْفَرْتُمْ ثَوَابَيْنِ.
وَوَصْفُهُ بِالْكَبِيرِ لِزِيَادَةِ تَهْوِيلِهِ، وَالْمُرَادُ بِالْكِبَرِ الْكِبَرُ الْمَعْنَوِيُّ، وَهُوَ شِدَّةُ مَا يَقَعُ فِيهِ، أَعْنِي الْعَذَابَ، فَوَصْفُ الْيَوْمِ بِالْكِبَرِ مجَاز عَقْلِي.
[٤]
[سُورَة هود (١١) : آيَة ٤]
إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٤)
جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ التَّعْلِيلِ لِلْخَوْفِ عَلَيْهِمْ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ. وَالْمَعْنَى: أَنَّكُمْ صَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ، أَيْ إِلَى قُدْرَتِهِ غَيْرَ مُنْفَلِتِينَ مِنْهُ فَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَى تَوَلِّيكُمْ عَنْ أَمْرِهِ.
فَالْمَرْجِعُ: مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الرُّجُوعِ. وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ كِنَايَةً عَنْ لَازِمِهِ الْعُرْفِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الِانْفِلَاتِ وَإِنْ طَالَ الزَّمَنُ، وَذَلِكَ شَامِلٌ لِلرُّجُوعِ بَعْدَ الْمَوْتِ. وَلَيْسَ الْمُرَادُ إِيَّاهُ خَاصَّةً لِأَنَّ قَوْلَهُ: وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ أَنْسَبُ بِالْمَصِيرِ الدُّنْيَوِيِّ لِأَنَّهُ الْمُسَلَّمُ عِنْدَهُمْ، وَأَمَّا الْمَصِيرُ الْأُخْرَوِيُّ فَلَوِ اعْتَرَفُوا بِهِ لَمَا كَانَ هُنَالِكَ قَوِيٌّ مُقْتَضٍ لِزِيَادَةٍ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ وَالتَّقَوِّي، وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْحَصْرُ إِذْ هُمْ لَا يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُرْجَعُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ بَلْهَ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى غَيْرِهِ.

صفحة رقم 319
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية