آيات من القرآن الكريم

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ
ﮝﮞﮟﮠﮡﮢﮣﮤﮥ ﮧﮨﮩﮪﮫﮬﮭﮮﮯﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱ

وقوله إِلى رَبِّهِمْ قيل: هي بمعنى اللام أي أخبتوا لربهم. وقيل: المعنى جعلوا قصدهم بإخباتهم إلى ربهم، و «الفريقان» الكافرون والمؤمنون: شبه الكافر بالأعمى وَالْأَصَمِّ، وشبه المؤمن ب الْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ فهو على هذا تمثيل بمثالين. وقال بعض المتأولين: التقدير كالأعمى الأصم والبصير السميع ودخلت واو العطف كما تقول: جاءني زيد العاقل والكريم، وأنت تريده بعينه فهو على هذا تمثيل بمثال واحد.
ومَثَلًا نصب على التمييز. ويجوز أن يكون حالا.
قوله عز وجل:
[سورة هود (١١) : الآيات ٢٥ الى ٢٧]
وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً إِلى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (٢٥) أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (٢٦) فَقالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ ما نَراكَ إِلاَّ بَشَراً مِثْلَنا وَما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ وَما نَرى لَكُمْ عَلَيْنا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كاذِبِينَ (٢٧)
هذه آية قصص فيه تمثيل لقريش وكفار العرب وإعلام محمد ﷺ ببدع من الرسل.
وروي أن نوحا عليه السلام أول رسول إلى الناس. وروي أن إدريس نبي من بني آدم إلا أنه لم يرسل، فرسالة نوح إنما كانت إلى قومه كسائر الأنبياء، وأما الرسالة العامة فلم تكن إلا لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة «إني» بكسر الألف، وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي «أني» بفتح الألف. فالكسر على إضمار القول، والمعنى: قال لهم: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، ثم يجيء قوله أَنْ لا تَعْبُدُوا محمولا ل أَرْسَلْنا، أي أرسلنا نوحا بأن لا تعبدوا إلا الله، واعترض أثناء الكلام بقوله:
إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، وفتح الألف على إعمال أَرْسَلْنا في «أن» أي بأني لكم نذير. قال أبو علي:
وفي هذه القراءة خروج من الغيبة إلى المخاطبة.
قال القاضي أبو محمد: وفي هذا نظر، وإنما هي حكاية مخاطبته لقوله، وليس هذا حقيقة الخروج من غيبة إلى مخاطبة، ولو كان الكلام: أن أنذرهم ونحوه لصح ذلك.
و «النذير» المحفظ من المكاره بأن يعرفها وينبه عليها ومُبِينٌ من أبان يبين.
وقوله أَنْ لا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ ظاهر في أنهم كانوا يعبدون الأوثان ونحوها، وذلك بين في غير هذه الآية.
وأَلِيمٍ معناه مؤلم، ووصف به اليوم وحقه أن يوصف به العذاب تجوزا إذ العذاب في اليوم، فهو كقولهم: نهار صائم وليل قائم.

صفحة رقم 162

والْمَلَأُ الجمع والأكثر من القبيلة والمدينة ونحوه، ويسمى الأشراف ملأ إذ هم عمدة الملأ والسادّون مسدّه في الآراء والأمور، وكل جماعة كبيرة ملأ.
ولما قال لهم نوح: إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ... قالوا:

ما نَراكَ إِلَّا بَشَراً مِثْلَنا أي والله لا يبعث رسولا من البشر، فأحالوا الجائز على الله تعالى.
و «الأراذل» جمع أرذل، وقيل جمع أرذل وأرذال جمع رذل وكان اللازم على هذا أن يقال: أراذيل وإذا ثبتت الياء في جمع صيرف فأحرى ألا تزال في موضع استحقاقها. وهم سفلة الناس ومن لا أخلاق له، ولا يبالى ما يقول ولا ما يقال له.
وقرأ الجمهور «بادي الرأي» بياء دون همز، من بدا يبدو، ويحتمل أن يكون من بدأ مسهلا، وقرأ أبو عمرو وعيسى الثقفي «بادىء الرأي» بالهمز من بدأ يبدأ.
قال القاضي أبو محمد: وبين القراءتين اختلاف في المعنى يعطيه التدبر، فتركت التطويل ببسطه، والعرب تقول: أما بادىء بدء فإني أحمد الله، وأما بادي بدي بغير همز فيهما، وقال الراجز: [الرجز]
أضحى لخالي شبهي بادي بدي وصار للفحل لساني ويدي
وقال الآخر: وقد علتني ذرأة بادي بدي.
وقرأ الجمهور بهمز «الرأي» وقرأ أبو عمرو بترك همزه. بادِيَ نصب على الظرف وصح أن يكون اسم الفاعل ظرفا كما يصح في قريب ونحوه، وفعيل وفاعل متعاقبان أبدا على معنى واحد، وفي المصدر كقولك: جهد نفسي أحب كذا وكذا.
وتعلق قوله: بادِيَ الرَّأْيِ يحتمل ستة أوجه:
أحدها: أن يتعلق ب نَراكَ بأول نظر وأقل فكرة، وذلك هو بادِيَ الرَّأْيِ، أي إلا ومتبعوك أراذلنا.
والثاني: أن يتعلق بقوله: اتَّبَعَكَ أي، وما نراك اتبعك بادي الرأي إلا الأراذل ثم يحتمل على هذا قوله: بادِيَ الرَّأْيِ معنيين:
أحدهما: أن يريد اتبعك في ظاهر أمرهم وعسى أن بواطنهم ليست معك.
والثاني: أن يريد اتبعوك بأول نظر وبالرأي البادي دون تعقب ولو تثبتوك لم يتبعوك. وفي هذا الوجه ذم الرأي الغير المروي.
والوجه الثالث: من تعلق قوله بادِيَ الرَّأْيِ أن يتعلق بقوله: أَراذِلُنا أي الذين هم أراذلنا بأول نظر فيهم، ويبادي الرأي يعلم ذلك منهم، ويحتمل أن يكون قولهم: بادِيَ الرَّأْيِ وصفا منهم لنوح، أي تدعي عظيما وأنت مكشوف الرأي لا حصافة لك، ونصبه على الحال وعلى الصفة، ويحتمل أن يكون

صفحة رقم 163
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية