آيات من القرآن الكريم

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ

قوله: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ القرى بِظُلْمٍ﴾ إلى قوله: ﴿لِلْمُؤْمِنِينَ﴾
والمعنى وما كان ربك يا محمد أن يهلك القرى التي قص عليم نبأها (بظلم)، وأهلها مصلحون، ولكن أهلكها بكفرها.
وقيل: المعنى: ما كان الله ليهلكهم بظلمهم، أي: بشركهم، وهم مصلحون، لا يتظالمون بينهم، إنما يهلكهم إذا جمعوا مع الشرك غيره من الفساد. ألا ترى إلى قوله في قوم لوط؟: ﴿وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السيئات﴾ [هود: ٧٨]، يريد الشرك، فعذبهم باللواط الذي أَافوه إلى شركهم. وأخبر الله عن قوم شعيب أنه عذبهم لنقصهم الكيل، وأمسك عن ذكر شركهم، وهذا قول غريب.
وقال الزجاج المعنى: " ما كان ربك ليهلك أحداً، وهو يظلمه كما قال: ﴿إِنَّ الله لاَ يَظْلِمُ الناس شَيْئاً﴾ [يونس: ٤٤].
ثم قال / تعالى: ﴿وَلَوْ شَآءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ الناس أُمَّةً وَاحِدَةً﴾: أي: " على مِلَّة واحدة، ودين واحد ".
قال قتادة: كلّهم مسلمين، ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾: أي لا يزال الناس

صفحة رقم 3487

مختلفين. وروي عن ابن عباس أنّه يعني في الأديان: اليهود، والنصارى. وقيل: في الأرزاق، هذا فقير، وهذا غني. قاله الحسن.
وقيل: في المغفرة والرحمة.
﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾: أي: لكن من رحم ربك فإنه غير مختلف. وقيل: ﴿إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ﴾: أهل الإيمان والإسلام.
وقوله: ﴿ولذلك خَلَقَهُمْ﴾ قال الحسن: للاختلاف في الأرزاق خلقهم. وقال ابن عباس: خلقهم فريقين: فريقاً يرحم، وفريقاً لا يرحم يختلف، وذلك قوله: ﴿فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ﴾ [هود: ١٠٥].
وقال عطاء: ولذلك خلقهم: يعني: مؤمناً وكافراً. وقال أشهب: سألت

صفحة رقم 3488

مالكاً، رحمة الله، عن قوله: ﴿وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ولذلك خَلَقَهُمْ﴾ فقال: خلقهم ليكونوا فريقاً في الجنّة، وفريقاً في السعير.
ففي الكلام على هذا القول تقديم وتأخير، والتقدير: " إلا من رحم ربك، وتمت كلمة ربك لأملأن جهنّم من الجنة والناس أجمعين، ولذلك خلقهم ". وقد كان يجب في قياس العربية على هذا التقدير أن يكون اللفظ: وتمّت كلمته.
وروى ابن وهب: عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنهما، أنه قال في معنى الآية: خلق الله أهل رحمته لئلا يختلفوا.
وقيل: المعنى: وللرحمة خلقهم. والرحمة، والرحم واحدة، فلذلك ذكر. قاله مجاهد، وقتادة، والضحاك.
وروي أيضاً ذلك عن ابن عباس، وقيل: إنّ هذا متعلق بما قبله، وهو

صفحة رقم 3489

قوله: ﴿يَنْهَوْنَ عَنِ الفساد فِي الأرض﴾ [هود: ١١٦]، ولذلك خلقهم. (وقيل: هو متعلق بما قبله بقوله: ﴿رَبِّكَ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾، ولذلك خلقهم): وهو قول مالك المتقدّم.
وقيل: المعنى: وللاسعاد خلقهم، وقيل: للإسعاد والإشقاء خلقهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ﴾: أي: وجبت: ﴿لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ﴾: لما تقدم في علمه أنهم يستوجبون ذلك.
وقوله: ﴿مِنَ الجنة﴾: يعني: ما اجتن عن عيون بني آدم من الجن والناس، يعني: بني آدم أجمعين، وذلك على التوكيد.
وقيل: إنّما سموا " جنة " لأنهم كانوا على الجنان. والملائكة كلهم جنة لاستتارهم.
ثم قال تعالى: ﴿وَكُلاًّ نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل﴾: أي: من أخبارهم، وأخبار أممهم يا محمد. نفعل ذلك لنثبت به فؤادك، لأن كلما كثرت البراهين كان القلب أثبت. والفؤاد يُراد به القلب، وهذا كما قال إبراهيم صلوات الله

صفحة رقم 3490

عليه، ﴿وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي﴾ [البقرة: ٢٦٠] وقيل: المعنى: ما نثبتك به على أداء الرسالة، والصبر على ما ينالك منهم. فتعلم ما نالت الرسل، وما حلّ بها قبلك، فتتأسى بذلك.
و" كلا " منصوب ل " نقص "، " وما " بدل من " كل ".
وقال الأخفش: كلا " نصب " على / الحال. وقال غيره: هي منصوبة على المصدر: أي: كل القصص نقص عليك.
ثم قال تعالى: ﴿وَجَآءَكَ فِي هذه الحق وَمَوْعِظَةٌ وذكرى﴾: أي: في هذه السورة. قالَهُ ابن عباس، والحسَن، ومجاهد، وقتادة.
وقيل: في هذه الدنيا، رُويِ ذلك عن قتادة.
والمعنى: وجاءك في هذه السورة الحق، مع ما جاءك في غيرها من السور. وليس

صفحة رقم 3491
الهداية الى بلوغ النهاية
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد مكي بن أبي طالب حَمّوش بن محمد بن مختار القيسي القيرواني ثم الأندلسي القرطبي المالكي
الناشر
مجموعة بحوث الكتاب والسنة - كلية الشريعة والدراسات الإسلامية - جامعة الشارقة
سنة النشر
1429
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية