آيات من القرآن الكريم

إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ
ﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸﯹﯺﯻﯼﯽ ﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛ ﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ

(١١٨) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (١١٩)
شرح الكلمات:
فلولا: لولا كلمة تفيد الحض على الفعل والحث عليه.
من القرون: أي أهل القرون والقرن مائة سنة.
أولو بقية: أي أصحاب بقيّة أي دين وفضل.
ما أترفوا فيه: أي ما نعموا فيه من طعام وشراب ولباس ومتع.
وكانوا مجرمين: أي لأنفسهم بارتكاب المعاصي ولغيرهم بحملهم على ذلك.
بظلم: أي منه لها بدون ما ذنب اقترفته.
أمة واحدة: أي على دين واحد وهو الإسلام.
ولذلك خلقهم: أي خلق أهل الاختلاف للاختلاف وأهل الرحمة للرحمة.
معنى الآيات:
يقول تعالى لرسوله ﴿فلولا كان من القرون﴾ من قبلكم أيها الرسول والمؤمنون ﴿أولو١ بقيّة﴾ من فهم وعقل وفضل ودين ينهون عن الشرك والتكذيب والمعاصي أي فهلاّ كان ذلك إنه لم يكن اللهم إلا قليلا ممن أنجى الله تعالى من إتباع الرسل عند إهلاك أممهم وقوله تعالى ﴿واتبع الذين ظلموا ما أُترفوا فيه وكانوا مجرمين٢﴾ أي لم يكن بينهم أولو بقيّة ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجى الله وما عداهم كانوا ظالمين لأنفسهم بالشرك والمعاصي متبعين ما اترفوا فيه من ملاذ الحياة الدنيا وبذلك كانوا مجرمين فأهلكهم الله تعالى ونجى رسله والمؤمنين كما تقدم ذكره في قصة نوح وهود وصالح وشعيب

١ أصحاب بقية والبقية أهل فضل ودين وصلاح يوجدون كبقية باقية في وسط أمة ضالة فاسدة غلب عليها الضلال والفساد فتوجد بقية صالحة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.
٢ أترفوا أي أترفهم الله بما وسع عليهم من الأرزاق ولم يشكروه هؤلاء المترفون اتبعوا ما أترفوا فيه وانقطعوا إليه فلا هم لهم إلا متاع الحياة الدنيا، وبذلك أجرموا على أنفسهم وعقولهم فأصبحوا بذلك مجرمين، في الآية ذم الترف إن اتبعه صاحبه وانقطع به عن طاعة الله ورسوله.

صفحة رقم 587

عليهم السلام. وقوله تعالى ﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون١﴾ أي لم يكن من شأن ربّك أيها الرسول أن يهلك القرى بظلم منه وأهلها مصلحون، ولكن يهلكهم بسبب ظلمهم لأنفسهم بالشرك والتكذيب والمعاصي. وما تضمنته هذه الآية هو بيان لسنة الله تعالى في إهلاك الأمم السابقة ممن قص تعالى أنباءهم في هذه السورة. وقوله تعالى ﴿ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة٢﴾ أي على الإسلام بأن خلق الهداية في قلوبهم وصرف عنهم الموانع. ولما لم يشأ ذلك لا يزالون مختلفين على أديان شتى من يهودية ونصرانية ومجوسية وأهل الدين الواحد يختلفون إلى طوائف ومذاهب مختلفة وقوله ﴿إلا من رحم ربك٣﴾ أيها الرسول فإنهم لا يختلفون بل يؤمنون بالله ورسوله ويعملون بطاعتهما فلا فرقة ولا خلاف بينهم دينهم واحد وأمرهم واحد. وقوله ﴿ولذلك خلقهم﴾ أي وعلى ذلك خلقهم فمنهم كافر ومنهم مؤمن، والكافر شقي والمؤمن سعيد، وقوله ﴿وتمت كلمة﴾ أي حقت ووجبت وهي ﴿لأملأن جهنم٤ من الجنة والناس٥ أجمعين﴾ ولذا كان اختلاقهم مُهيّئاً لهم لدخول جهنم حيث قضى الله تعالى بامتلاء جهنم من الجن والإنس أجمعين فهو أمر لابد كائن.
هداية الآيات:
من هداية الآيات:
١- ما يزال الناس بخير ما وجد بينهم أولو الفضل والخير يأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن الفساد والشر.
٢- الترف كثيراً ما يقود إلى الإجرام على النفس بإتباع الشهوات وترك الصالحات.
٣- متى كان أهل القرى صالحين فهم آمنون من كل المخاوف.
٤- الاتفاق رحمة والخلاف عذاب.

١ في الآية إشارة إلى مصداق مثل سائر بين الناس وهو قولهم يدوم الكفر ولا يدوم الظلم. فالأمة إذا كان أفرادها مصلحين لا يفسدون ولا يرضون الفساد ولا يقرونه فتطول حياتها ويعظم شأنها ولو كانت كافرة.
٢ في الآية تقرير مشيئة الله تعالى التي لا يقع في الكون شيء إلا بها فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن. يخبر تعالى أنه لو شاء لجعل الناس كلهم على ملة الإسلام أو ملة الكفر أمة واحدة ولكن حكمته اقتضت اختلاف الناس لتتجلى في ذلك قدرته ورحمته وعدله وعفوه ومغفرته.
٣ اجتماع الأمة وعدم اختلافها مظهر من مظاهر رحمة الله تعالى واختلافها مظهر من مظاهر عذابها وشقائها وحرمانها.
٤ جملة لأملان جهنم تفسير للكلمة التي أتمها الله تعالى وهي قوله ﴿لأملان جهنم..﴾.
٥ أي من الفريقين فمن تبعيضبة فيدخل بعض الجن والإنس الجنة ويدخل بعض الجن والإنس النار.

صفحة رقم 588
أيسر التفاسير لكلام العلي الكبير
عرض الكتاب
المؤلف
جابر بن موسى بن عبد القادر بن جابر أبو بكر الجزائري
الناشر
مكتبة العلوم والحكم بالمدينة المنورة
سنة النشر
1424
الطبعة
الخامسة
عدد الأجزاء
5
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية