آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
ﯢﯣﯤﯥﯦ

٨ - قوله تعالى: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قال مقاتل: يعني كفار مكة كانوا في الدنيا في الخير والنعمة، فيسألون (١) يوم القيامة عن شكرها، وما كانوا فيه، ولم يشكروا رب النعم؛ فذلك قوله: ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ يوم القيامة (٢).
وقال الكلبي: الكفار مسؤولون (٣) عن كل نعمة (٤).
قال (٥): وقال أبو بكر رضي الله عنه: لما نزلت هذه الآية: يا رسول الله، أرأيت أكلة أكلتها معك في بيت أبي الهيثم بن التَّيَّهان (٦) من خبز شعير، ولحم، وبسر (٧) قد ذنب (٨)، وماء عذب، أتخاف علينا أن يكون

(١) في (أ): (فسسلون).
(٢) "تفسير مقاتل" ٢٤٩ ب، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١.
(٣) في (أ): (يسلون).
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) أي الكلبي.
(٦) أبو الهيثم مالك بن التيهان، واسمه مالك بن عتيك بن عمرو الأنصاري الأوسي، شهد بدرًا، واحد نقباء بيعة العقبة، شهد المشاهد كلها، مات سنة ٢٠ هـ. انظر: "الاستيعاب" ٤/ ١٧٧٣، ت: ٣٢١٣، و"أسد الغابة" ٦/ ٣٢٣: ت: ٦٣٢٤، و"الإصابة" ٧/ ٢٠٩: ت: ١١٨٨.
(٧) البسر: هو التمر قبل أن يرطب لفضاضته، واحدته: بسرة. "لسان العرب" ٤/ ٥٨ (بسر).
(٨) ذنب: التذنوب: البُسر الذي قد بدأ فيه الأرطاب من قبل ذنبه، وذنب البُسرة وغيرها من التمر مُؤَخَّرُها، وذنبت البسرة فهي مذنبة، وكنت من قبل ذنبها، وقال الأصمعي: إذا بدت نُكت من الأرطاب في البسر من قبل ذنبها قيل: قد ذنبت. "لسان العرب" ١/ ٣٩٠ (ذنب).

صفحة رقم 284

هذا من النعيم الذي نسأل عنه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنما ذلك للكفار، ثم قرأ: ﴿وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (١)﴾ (٢) [سبأ: ١٧].
والظاهر يشهد لهذا القول وهو: أن الكفار لم (٣) يؤدوا حق النعمة حيث أشركوا به وعبدوا غيره، واستحقوا أن يسألوا عما أنعم عليهم توبيخًا لهم؛ هل قاموا بالواجب فيه، أم ضيعوا حق النعمة؟ ثم يعذبون على ترك الشكل بتوحيد المنعم (٤). وهذا معنى ما ذكره مقاتل، وهو قول الحسن.

(١) بياض في (ع).
(٢) وردت الرواية بمعناها عن الكلبي في "الدر المنثور" ٨/ ٦١٨ وعزاه إلى ابن مرويه، كما وردت من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس في "بحر العلوم" ٣/ ٥٠٧، ووردت من غير ذكر الطريق في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، ولأبي بكر رواية خلاف رواية الكلبي من طريق أبي هريرة، ذكرها الطبري في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٧ وهي في "صحيح مسلم" ٣/ ١٦٠٩: ح: ١٤٠: كتاب الأشربة: باب ٢٠، والشاهد منها: عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذات يوم أو ليلة، فإذا هو بأبي بكر وعمر، فقال: ما أخرجكما من بيوتكما هذه الساعة؟ قالا الجوع يا رسول الله، قال: وأنا.. لأخرجني الذي أخرجكما.. إذ جاء الأنصاري، فنظر إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-فانطلق فجاءهم بعذق فيه بسر وتمر ورطب، فقال: كلوا من هذه.. فذبح لهم، فأكلوا من الشاة، ومن ذلك العذق، وشربوا، فلما أن شبعوا ورروا قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-لأبي بكر وعمر "والذي نفسي بيده لتسألن عن هذا النعيم يوم القيامة".
كما أخرجها البيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٤: ح: ٤٦٠٢ - ٤٦٠٥، ٤٦٠٦ من طريق أبي هريرة وطرق أخرى.
(٣) في (أ): (لو).
(٤) قال القاضي عياض: المراد: السؤال عن القيام بحق شكره، والذي نعتقده أن السؤال هنا سؤال تعداد النعم، وإعلام بالامتنان بها، وإظهار الكرامة بإسباغها؛ =

صفحة رقم 285

وقال: لا يسأل عن النعيم إلا أهل النار (١).
واختلفوا في معنى هذا النعيم.
قال ابن مسعود -رضي الله عنه- الأمن، والصحة (٢) وهو قول الشعبي (٣)، وقتادة (٤)، وسعيد بن جبير (٥).
وقال مجاهد: كل لذة من لذات الدنيا (٦).

= لا سؤال توبيخ وتقريع ومحاسبة. والله أعلم. "شرح صحيح مسلم" ١٣/ ٢٢٧ - ٢٢٨.
(١) ورد معنى قوله في "زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، وقد وضحه ابن الجوزي فقال: إنه أراد بذلك أنه خاص بالكفار. وانظر أيضًا قوله في "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨٠، و"فتح القدير" ٥/ ٤٨٩، و"تفسير الحسن البصري" ٢/ ٤٣٧.
(٢) جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"بحر العلوم" ٣/ ٥٠٧، و"النكت والعيون" ٦/ ٣٣٢، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٨، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢: وعزاه إلى هناد، وعبد بن حميد، وابن المنذر، والبيهقي في شعب الإيمان.
وورد عنه مرفوعًا في "الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٤ أ، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤.
(٣) "زاد المسير" ٣٠/ ٣٠٢، و"البحر المحيط" ٨/ ٥٠٨ كما وردت من طريق الشعبي عن ابن مسعود في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥.
(٤) لم أعثر على مصدر لقوله.
(٥) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"معالم التنزيل" ٤/ ٥٢٢ بمعناه، و"تفسير سعيد بن جبير" ٣٨٠.
(٦) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٥، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٥ ب، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤ قال ابن كثير وهذا أشمل هذه الأقوال، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢ وعزاه إلى الفريابي، وعبد بن حميد، وابن المنذر.

صفحة رقم 286

وروى (معمر) (١) عن قتادة قال: إن الله تعالى سائل كل ذي نعمة عما أنعم عليه (٢). وعلى هذا ورد أكثر الأخبار.
قال محمود بن لبيد (٣): لمّا نزلت هذه السورة علي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قالوا: يا رسول الله، أي: نعيم نسأل؟ إنما هو الماء، والتمر، وسيوفنا علي عواتقنا، والعدو حاضر، فعن أي نعيم نسأل!، قال: "إن ذلك سيكون" (٤).

(١) ساقط من (أ).
(٢) "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٩، و"زاد المسير" ٨/ ٣٠٢ بمعناه، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٢ وعزاه إلى عبد الرزاق -ولم أجده عنده- وعبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم.
(٣) محمود بن لبيد بن رافع بن امرئ القيس بن زيد الأنصاري الأشهلي من بني عبد الأشهل، ولد على عهد النبي -صلى الله عليه وسلم-، وحدث عنه أحاديث، وكان أحد العلماء، وروى عن ابن عباس، ومات سنة ٩٦ هـ.
انظر: "الاستيعاب" ٣/ ١٣٧٨ ت: ٢٣٤٧، و"أسد الغابة" ٥/ ١١٧ ت: ٤٧٧٣.
(٤) أخرجه الإمام أحمد في "المسند" ٥/ ٤٢٩، وقال الهيثمي ٧/ ١٤٢: رواه أحمد وفيه محمد بن عمر بن علقمة، وحديثه حسن، وفيه ضعف لسوء حفظه، وبقية رجاله رجال الصحيح.
وأخرجه "الترمذي" ٥/ ٤٤٨: ح: ٣٣٥٦ - ٣٣٥٧ من طريقين: الأول: إلى الزبير ابن العوام عن أبيه، وحسن هذا الطريق. والثاني: إلى أبي هريرة، وقال: وحديث ابن عيينة عن محمد بن عمرو عندي أصح من هذا، سفيان بن عيينة أحفظ، وأصح حديثًا من أبي بكر بن عياش.
كما ورد في "جامع البيان" ٣٠/ ٢٨٨، و"الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٤ ب، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ وعزاه إلى ابن أبي شيبة، وهناد، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٢: ح ٤٥٩٨، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠.

صفحة رقم 287

وروى (عطاء) (١) عن ابن عباس أن عمر -رضي الله عنه- قال: "وأي نعيم نسأل عنه يا رسول الله، وقد أخرجنا من ديارنا وأموالنا! فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (٢): "ظلال المساكن، وظلال الشجر، والأخبية (٣) (٤) التي تقيكم من الحر، والماء البارد في اليوم الحار والصحة" (٥).
وروى أبو هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أول ما يسأل الله العبد يوم القيامة أن يقول له: ألم أصح جسمك، وأروك من الماء البارد؟ " (٦).
وروى ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ما فوق الإزار،

(١) ساقط من (أ).
(٢) ساقط من (أ).
(٣) الأخبية: الخباء من الأبنية واحد الأخبية، وهو ما كان من وبر أو صوف، ولا يكون من شعر، وهو على عمودين أو ثلاثة، وما فوق ذلك فهو بيت. "لسان العرب" ١٤/ ٢٢٢ (خبأ)
(٤) غير واضحة في (ع).
(٥) "التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١.
(٦) أخرجه الترمذي في "السنن" ٥/ ٤٤٨: ح: ٣٣٥٨ كتاب التفسير القرآن: باب ٨٩ بنحوه، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب، قال شعيب الأرناؤوط في "تخريج جامع الأصول" ٢/ ٤٣٥ وإسناده قوي، وصححه ابن حبان كما في "موارد الظمآن" ٦٤٠: ح: ٢٥٨٥ كتاب البعث: باب ١٠، وذكره السيوطي في "الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ - ٦١٤ وزاد نسبته لأحمد في "زوائد الزهد"، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن مردويه، والبيهقي في "شعب الإيمان" ٤/ ١٤٧ ح: ٤٦٠٧.
كما ورد في "معالم التنزيل" ٤/ ٥٢١، و"التفسير الكبير" ٣٢/ ٨١، و"لباب التأويل" ٤/ ٤٠٤، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٣ - ٦١٤ وعزاه إلى عبد بن حميد، وابن مردويه، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠.

صفحة رقم 288

وجلف (١) الخبز، وظل الحائط، وجرة الماء، فضل يحاسب به، ويسأل عنه العبد يوم القيامة" (٢).
وروى أبو قلابة: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في هذه الآية: "ناس من أمتي يعقدون السمن، والعسل بالنقي فيأكلونه" (٣).
ومن قال بهذا القول، وهو أن كل أحد يسأل عز النعيم، كان المعنى عنده: أن الكافر يسأل توبيخًا ثم يعذب لتركه الشكر -كما ذكرنا-، والمؤمن يسأل عن ذلك إظهارًا للمنة عليه، وإذا كان قد قام بشكره فلا عتب عليه (٤)، فقد روي أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أكل هو ونفر من أصحابه تمرًا،

(١) الجلف: الخبز اليابس الغليظ بلا أُدم ولا لبن كالخشب، ويروى بفتح اللام، جمع جِلْفة، وهي الكسرة من الخبز. "لسان العرب" ٩/ ٣١ (جلف).
(٢) ورد في "تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٥ من طريق يزيد بن الأصم عن ابن عباس، وفيه جر الماء بدلًا من جرة الماء، و"الدر المنثور" ٨/ ٦١٩ وعزاه إلى البزار.
(٣) الكشف والبيان" ١٣/ ١٤٥ أمن طريق يوسف ابن أخت ابن سيرين عن أبي قلابة مرفوعًا، و"تفسير القرآن العظيم" ٤/ ٥٨٤ موقوفًا، ورواية الموقوف وضحت المراد بالنفي، قال أبو قلابة: من النعيم أكل السمن والعسل بالخبز النقي. والنقي المراد به النظيف من الشيء. انظر: "لسان العرب" ١٥/ ٣٣٨: (نقا). ، و"فتح القدير" ٥/ ٤٩٠ وقال: هذا مرسل، وعزاه إلى أحمد في الزهد، وابن مردويه.
(٤) قال الزمخشري: فإن قلت: ما النعيم الذي يُسأل عنه الإنسان، ويعاتب عليه، فما من أحد إلا وله نعيم؟ قلت: هو نعيم عن عكف همته على استيفاء اللذات، ولم يعش إلا ليأكل الطيب، ويلبس اللين، ويقطع أوقاته باللهو والطرب، لا يعبأ بالعلم والعمل، ولا يحمل نفسه مشاقه، فأما من تمتع بنعمة الله وأرزاقه التي لم يخلقها إلا لعباده، وتقوى لها على دراسة العلم والقيام بالعمل، وكان ناهضًا بالشكر، فهو من ذاك بمعزل. "الكشاف" ٤/ ٢٣١.

صفحة رقم 289

وشربوا عليه الماء، وقالوا: يا رسول الله ما شكر هذا النعيم؟ قال: "تقولوا الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين" (١). والنعيم نقيض البؤس.
تمت.

(١) أخرجه مسلم في "صحيحه" ٤/ ٢٠٨٥: ح: ٦٤: كتاب الذكر والدعاء: باب ١٧، و"أبي داوود في سننه" ٢/ ٣٥٩: كتاب الأطعمة: باب ما يقول الرجل إذا طعم، والرواية عنده من طريق أبي سعيد الخدري ومن غير ذكر القصة.
ومالك في "الموطأ" ٢/ ٧١٢: ح ٣٤: كتاب صفة النبي -صلى الله عليه وسلم-: باب ما جاء في الطعام والشراب.
والإمام أحمد في "المسند" ١/ ١٥٣، ج ٥/ ٣٢، ٩٨، ١٥٣، ١٦٧، ٢٥٣، وابن ماجه في "سننه" ٢٣٧٠٢: ح: ٣٣٢٦ كتاب الأطعمة: باب ١٦ والترمذي في "سننه" ٥/ ٤٧٠: ح: ٣٣٩٦: كتاب الدعوات: باب ١٦.

صفحة رقم 290

سورة العصر

صفحة رقم 291
التفسير البسيط
عرض الكتاب
المؤلف
أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن علي الواحدي، النيسابوري، الشافعي
الناشر
عمادة البحث العلمي - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
سنة النشر
1430
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية