آيات من القرآن الكريم

ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ
ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖﯗﯘ ﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤﯥﯦ

ان العاقل ينبغى ان لا يكون معظم همه مقصورا على الدنيا فان عاقبة ذلك وبال وحسرة سَوْفَ تَعْلَمُونَ اى سوف تعلمون الخطأ فيما أنتم عليه إذا عاينتم ما قدامكم من هول المحشر فالعلم بمعنى المعرفة ولذا قدر له مفعول واحد وهو إنذار وتخويف ليخافوا وينتبهوا من غفلتهم قال الحسن رحمه الله لا يغرنك كثرة من ترى حولك فانك تموت وحدك وتبعث وحدك وتحاسب وحدك ثُمَّ كَلَّا سَوْفَ تَعْلَمُونَ تأكيد لتكيرير الردع والانذار وفى ثم دلالة على ان الانذار الثاني ابلغ من الاول لان فيه تأكيدا خلا عنه الاول لان فيه تنزيلا لبعد المرتبة منزلة بعد الزمان واستعمالا للفظ ثم فى مجرد التدرج فى درج الارتقاء كما تقول للمنصوح أقول لك ثم أقول لك لا نفعل او الاول عند الموت فى وقت ما بشر به المحتضر من جنة او نارا وفى القبر حين سؤال منكر ونكير من ربك وما دينك ومن نبيك والثاني عند النشور حين ينادى المنادى شقى فلان شقاوة لا سعادة بعدها وحين يقال وامتازوا اليوم ايها المجرمون فعلى هذا لا تكرير فى الآية لحصول التغاير بينهما بتغاير زمانى العلمين ومتعلقيهما فانه يلقى فى كل واحد من الزمانين نوعا آخر من العذاب وثم على بابها من المهلة لتباعد ما بين الموت والنشور وكذا ما بين القبور والنشور وعن على رضى الله عنه مازلنانشك فى عذاب القبر حتى نزلت السورة الى قوله تعالى ثم كلا سوف تعلمون اى سوف تعلمون فى القبر ثم فى القيامة وفى الحديث يسلط على الكافر فى قبره تسعة وتسعون تنينا تنهشه وتلذعه حتى تقوم الساعة لوان تنينا منها نفخ فى الأرض ما أنبتت خضرآء كَلَّا تكرير للتنبيه تأكيدا لَوْ تَعْلَمُونَ عِلْمَ الْيَقِينِ جواب لو محذوف للتهويل فانه إذا حذف الجواب يذهب الوهم كل مذهب ممكن والعلم مصدر أضيف الى مفعوله وانتصابه بنزع الخافض واليقين صفة لموصوف محذوف والمعنى لو تعلمون ما بين ايديكم علم الأمر اليقين اى لو علمتم ما تستيقنونه لفعاتم مالا يوصف ولا يكبتنه ولكنكم ضلال جهلة فاليقين بمعنى المتيقن به كمال التيقن حتى كأنه عين اليقين والا فيلزم اضافة أحد المترادفين الى الآخر إذ العلم فى اللغة بمعنى اليقين وقد يجعل العلم من اضافة العام الى الخاص بناء على ان اليقين أخص من العلم فان العلم قديعم الظن واليقين فتكون إضافته كاضافة بلد بغداد ويدل عليه قولهم العلم اليقين بالوصف لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ جواب قسم مضمرا كدبه الوعيد حيث ان ما أوعدوا به مما لا مدخل فيه للريب وشدد به التهديد وأوضح به ما انذروه بعد إبهامه تفخيما ولا يجوز ان يكون جواب لو لان رؤية الجحيم محققة الوقوع وليست بمعلقة فلو جعل جواب لو لكان المعنى انكم لا ترونها لكونكم جهالا وهو غير صحيح وقال بعضهم يصح ان يكون جوابا فيكون المعنى سوف تعلمون الجزاء ثم قال لو تعلمون الجزاء علم اليقين الآن لترون الجحيم يعنى يكون الجحيم دائما فى نظركم لا يغيب عنكم أصلا ثُمَّ لَتَرَوُنَّها تكرير للتأكيد او الاولى إذا رأوها من مكان بعيد ببعض خواصها وأحوالها مثل رؤية لهبها ودخانها والثانية إذا أوردوها فان معاينة نفس الحفرة وما فيها من الحيوانات المؤذية وكيفية السقوط فيها اجلى واكشف من الرؤية الاولى فعلى هذا بتنازع الفعلان فى عين اليقين او المراد بالأول المعرفة وبالثانية

صفحة رقم 503

المشاهدة والمعاينة عَيْنَ الْيَقِينِ اى الرؤية التي هى نفس اليقين فان علم المشاهدة للمحسوسات أقصى مراتب اليقين فلا يرد أن أعلى اليقينيات الاوليات وانما قيد الرؤية بعين اليقين احترازا عن رؤية فيها غلط الحس فانتصاب عين اليقين على انه صفة المصدر لترونها وجعل الرؤية التي هى سبب اليقين نفس اليقين مبالغة ثُمَّ لَتُسْئَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ قال فى التيسير كلمة ثم للترتيب فى الاخبار لا فى الوجود فان السؤال بانك أشكرت فى تلك النعمة أم كفرت يكون فى موقف الحساب قبل دخول النار والمعنى ثم لتسألن يوم رؤية الجحيم وورودها عن النعيم الذي ألهاكم الالتذاذ به عن الدين وتكاليفه فتعذبون على ترك الشكر فان الخطاب فى لتسألن مخصوص بمن عكف همته على استيفاء اللذات ولم يعش إلا ليأكل الطيب ويلبس اللين ويقطع أوقاته باللهو والطرب لا يعبأ بالعلم والعمل ولا يحمل على نفسه مشاقهما فان من تمتع بنعمة الله وتقوى بها على طاعته وكان ناهضا بالشكر فهو من ذلك بمنزل بعيد واليه أشار رسول الله ﷺ فيما أكل هو وأصحابه تمرا وشربوا ماء فقال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا كما فى الكشاف فدخلت فى الآية كفار مكة ومن لحق بهم فى وصفهم من فسقة المؤمنين وقيل الآية مخصوصة بالكفار وقال بعضهم المراد بالنعيم هو الصحة والفراغ وفى الحديث نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ وفى هذا الحديث دلالة على عظم محل هاتين النعمتين وجلالة خطرهما وذلك لان بهما يستدرك مصالح الدنيا ويكتسب درجات الآخرة فان الصحة تنبئ عن اجتماع القوى الذاتية والفراغ يدل على انتظام الأسباب الخارجة المنفصلة ولا قدرة على تمهيد مصلحة من مصالح الدنيا والاخرة الا بهذين الامرين ثم سائر النعم يعد من توابعهما وقد قال معاوية بن قرة شدة الحساب القيامة على الصحيح الفارغ يقال له كيف أديت شكرهما وعن الحسن رحمه الله ما سوى كن يؤويه وثوب يواريه وكسرة تقويه يسأل عنه ويحاسب عليه وقال بعض السلف من أكل فسمى وفرغ فحمد لم يسأل عن نعيم ذلك الطعام وقال رجل للحسن رحمه الله ان لنا جارا لا يأكل الفالوذج ويقول لا أقوم بشكره فقال ما أجهل جاركم نعمة الله عليه بالماء البارد اكثر من نعمته بجميع الحلاوى ولذلك قال عليه السلام أول ما يسال العبد عنه من النعيم ألم نصح جسمك ونروك من الماء البارد وفى عين المعاني عن النعم الخمس شبع البطون وبرد الشراب ولذة النوم وظلال المساكن واعتدال الخلق وقال ابن كعب النعيم ذات محمد ﷺ إذ هو الرحمة والنعمة بالآيتين وهما قوله تعالى يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وقوله تعالى وما أرسلناك الا رحمة للعالمين. وهمه را از دعوت وملت واتباع سنت او خواهند پرسيد

چهـ نعمتيست بزرك از خدا كه بر ثقلين سپس دارئ اين نعمت است فرض العين
يقول الفقير النعيم اما نعيم جسمانى وشكره بمحافظة احكام الشريعة واما نعيم روحانى وشكره بمراعاة آداب الطريقة فانه كلما ازدادت المحافظة والمراعاة ازداد النعيم كما قال تعالى لئن شكرتم لأزيدنكم وما من عضو من الأعضاء وقوة من القوى الا وهى مطلوبة بنوع شكر

صفحة رقم 504
روح البيان
عرض الكتاب
المؤلف
إسماعيل حقي بن مصطفى الإستانبولي الحنفي الخلوتي , المولى أبو الفداء
الناشر
دار الفكر - بيروت
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية