آيات من القرآن الكريم

فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ ۚ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ
ﮭﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯ ﯱﯲﯳﯴﯵﯶﯷﯸ ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁ

يموتُ، فَنُجِّيَ عَلَى نَجْوَةٍ مِنَ الأَرض، حتى رآه جميعهم ميتاً كأَنه ثَوْرٌ أَحمر، وتحقَّقوا غَرَقَه.
والجمهور «١» على تشديدِ نُنَجِّيكَ فقالت فرقة: معناه: من النَّجَاةِ، أي: من غمراتِ البَحْرِ والماءِ، وقال جماعة: معناه: نُلْقِيكَ على نَجْوة من الأرض، وهي: ما ارتفع منها، وقرأ يعقوب «٢» بسكون النونِ وتخفيف الجيم، وقوله: بِبَدَنِكَ قالت فرقة: معناه:
بشَخْصِكَ، وقالتْ فرقة: معناه: بِدِرْعِكَ، وقرأ الجمهورُ «٣» :«خَلْفَكَ»، أي: من أَتَى بعدك، وقرىء شاذًّا: «لِمَنْ خَلَفَكَ» «٤» - بفتح اللام-، والمعنى: ليجعلك اللَّه آيَةً له في عبادِهِ، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ: المعنى: ولقد اخترنا لبني إِسرائيل أَحْسَنَ اختيار، وأحللناهم مِنَ الأماكن أحْسَنَ محلّ، ومُبَوَّأَ صِدْقٍ: أي: يصدُقُ فيه ظنُّ قاصده وساكنه، ويعني بهذه الآية إِحلاَلُهُمْ بلادَ الشَّامِ وبَيْتَ المَقْدِسِ قاله قتادة وابن زَيْد، وقيل: بلاد الشام ومصر، والأول أصحُّ، وقوله سبحانه: فَمَا اخْتَلَفُوا أيْ: في نبوَّة نبينا محمَّد عليه السلام، وهذا التخصيصُ هو الذي وقع في كُتُب المتأوِّلين كلِّهم، وهو تأويلٌ يحتاج إِلى سند، والتأويل الثاني الذي يحتمله اللفظُ: أنَّ بني إِسرائيل لم يكن لهم اختلاف على موسَى في أول حاله، فلما جاءَهُم العلْمُ والأوامرُ، وغَرَقُ فرعَوْنَ، اختلفوا، فالآية ذامَّة لهم.
ت: فَرَّ رحمه اللَّه من التخصيص، فوقع فيه، فلو عمَّم اختلافهم على أنبيائهم موسَى وغيرِهِ، وعلَى نبيِّنا، لكان أَحْسَنَ، وما ذهب إِليه المتأوِّلون من التخصيص أَحْسَنُ لقرينةِ قوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ، فالربطُ بين الآيتين واضح، والله أعلم.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٤ الى ٩٧]
فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُمْتَرِينَ (٩٤) وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخاسِرِينَ (٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٩٧)

(١) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٢)، و «البحر المحيط» (٥/ ١٨٩)، و «الدر المصون» (٤/ ٦٧).
(٢) ينظر: «إتحاف فضلاء البشر» (٢/ ١٢٠)، و «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٢)، و «البحر المحيط» (٥/ ١٨٩)، و «الدر المصون» (٤/ ٦٧).
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٢).
(٤) وقرأ بها إسماعيل المكي، كما في «الشواذ» ص: (٦٣) وينظر: «البحر المحيط» (٥/ ١٨٩).

صفحة رقم 265

وقوله عز وجل: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ... الآية: الصوابُ في معنى الآية: أنها مخاطبة للنبيّ صلّى الله عليه وسلّم، والمراد بها سِوَاهُ مِنْ كُلِّ من يمكِنُ أن يشُكَّ أو يعارِض.
ت: ورُوينَا عن أبي داود سُلَيْمَانَ بْنِ الأَشْعَثِ، قال: حدَّثنا أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، قال: حدَّثنا يزيدُ بن هَارُونَ، قال: حدَّثنا محمَّد بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أبي هُرَيْرَةَ رضي اللَّه عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم، قال: «المِرَاءُ في القُرْآنِ كُفْرٌ» «١»، قال عِيَاض في «الشفا» :
تأول بمعنى «الشك»، وبمعنى «الجِدَال». انتهى.
والَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ: من أسلم من أهْلِ الكتاب، كابن سَلاَمٍ وغيره، وروي عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال لَمَّا نزَلَتْ هذه الآية: «أَنَا لاَ أَشُكُّ وَلاَ أَسْأَلُ» «٢»، ثم جزم سبحانه الخَبَر بقوله: لَقَدْ جاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ، واللام في «لَقَدْ» لامُ قَسَم.
وقوله: مِمَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يريد به: من أَن بني إِسرائيل لم يختلفوا في أمْره إِلا مِنْ بعد مجيئهِ عَلَيْه السلام هذا قول أهل التأويل قاطبة.
قال ع «٣» : وهذا هو الذي يشبه أنْ تُرْجَى إِزالةُ الشَّكِّ فيه مِنْ قبل أهل الكتاب،

(١) أخرجه أبو داود (٢/ ٦١٠) كتاب «السنة» باب: النهي عن الجدال في القرآن، حديث (٤٦٠٣)، وأحمد (٢/ ٢٨٦، ٤٢٤، ٤٧٥، ٥٠٣، ٥٢٨)، وابن حبان (٥٩- موارد)، والحاكم (٢/ ٢٢٣)، وأبو نعيم في «حلية الأولياء» (٨/ ٢١٣)، وفي «أخبار أصبهان» (٢/ ١٢٣) كلهم من طريق محمَّد بنِ عَمْرٍو، عن أَبي سَلَمَةَ، عن أبي هريرة به، وأخرجه أحمد (٢/ ٢٥٨)، وابن أبي شيبة (١٠/ ٥٢٩)، وأبو يعلى (١٠/ ٣٠٣) رقم: (٥٨٩٧)، والخطيب في «تاريخ بغداد» (٤/ ٨١)، من طريق سعد بن إبراهيم، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبي هريرة به. وأخرجه أحمد (٢/ ٤٧٨، ٤٩٤)، والحاكم (٢/ ٢٢٣) كلاهما من طريق سعد بن إبراهيم، عن عمر بن أبي سلمة، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة.
وأخرجه الطبراني في «الصغير» (١/ ٥٧٤) من طريق شعيب بن أبي حمزة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة به.
قال ابن أبي حاتم في «العلل» (٢/ ٧٤) رقم: (١٧١٤)، عن أبيه: هذا حديث مضطرب، ليس هو صحيح الإسناد اه.
وفي الباب عن عمرو بن العاص: أخرجه أحمد (٤/ ٢٠٤- ٢٠٥)، وعن عبد الله بن عمرو: أخرجه الطيالسي (٢/ ٦- منحة) رقم: (١٩٠٢).
وعن زيد بن ثابت: أخرجه الطبراني في «الكبير» (٥/ ١٥٢) رقم: (٤٩١٦).
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٦/ ٦١٠) برقم: (١٧٩٠٧) عن قتادة مرسلا. وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٥٧١)، وزاد نسبته إلى عبد الرزاق.
(٣) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ١٤٣). [.....]

صفحة رقم 266
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية