
- ٥- إغراق فرعون وجنوده وإنجاء بني إسرائيل
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٩٠ الى ٩٣]
وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢) وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣)
الإعراب:
بَغْياً وَعَدْواً مفعول لأجله.
بِبَدَنِكَ في موضع الحال، أي ببدنك عاريا عن الروح.
البلاغة:
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ استفهام توبيخ وإنكار.
بَوَّأْنا... مُبَوَّأَ بينهما جناس اشتقاق.
المفردات اللغوية:
وَجاوَزْنا أي جوزناهم في البحر حتى بلغوا الشط حافظين لهم. يقال: جاز المكان وجاوزه وتجاوزه: إذا قطعه حتى تركه وراءه. فَأَتْبَعَهُمْ لحقهم. مِنَ الْمُسْلِمِينَ أي المنقادين لأمره، كرر ذلك ليقبل منه فلم يقبل، وقال جبريل له: آلْآنَ تؤمن، أي أتؤمن

الآن، وقد أيست من نفسك ولم يبق لك اختيار. وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ قبل ذلك مدة عمرك.
وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ الضالين المضلين عن الإيمان.
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ نلقيك على نجوة (مكان مرتفع) من الأرض ليراك بنو إسرائيل، أو لا نغرقك في قعر البحر ونجعلك طافيا. بِبَدَنِكَ جسدك الذي لا روح فيه. لِمَنْ خَلْفَكَ بعدك وهم بنو إسرائيل. آيَةً عبرة وعظة، فيعرفوا عبوديتك ولا يقدموا على مثل فعلك.
روي عن ابن عباس: أن بعض بني إسرائيل شكّوا في موته، فأخرج لهم ليروه. وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ أي أهل مكة وغيرهم. عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ لا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
وَلَقَدْ بَوَّأْنا أنزلنا. مُبَوَّأَ صِدْقٍ منزل كرامة أو منزلا صالحا مرضيا وهو الشام ومصر. وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ من اللذائذ. فَمَا اخْتَلَفُوا في أمر دينهم، بأن آمن بعض وكفر بعض، إلا من بعد ما قرءوا التوراة وعلموا أحكامها، أو اختلفوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلّم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته. إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ من أمر الدين، بإنجاء المؤمنين وتعذيب الكافرين، فيميز المحق من المبطل بالإنجاء والإهلاك.
المناسبة:
هذا هو الفصل الخامس من قصة موسى مع فرعون التي ابتدأها الله تعالى بالحوار بينهما، ثم أتبعها بقصة السحرة، ثم استطرد في أثنائها لبيان إيمان طائفة من بني إسرائيل بدعوة موسى، استعدادا للخروج من مصر، ثم ذكر دعاء موسى على فرعون وملئه.
ولما أجاب الله تعالى دعاء موسى وهارون، أمر بني إسرائيل بالخروج من مصر في الوقت المعلوم ويسّر لهم أسبابه، وفرعون كان غافلا عن ذلك، فذكر هنا خاتمة القصة الدالة على تأييد الله لموسى وأخيه على ضعفهما، وقوة فرعون وقومه.
التفسير والبيان:
هذا هو الفصل الخامس من قصة موسى عليه السّلام.

وموضوع الآيات كيفية إغراق فرعون وجنوده، فإن بني إسرائيل لما خرجوا من مصر مع موسى عليه السّلام، وهم فيما قيل: ست مائة ألف مقاتل سوى الذرية، وقد كانوا استعاروا من القبط حليا كثيرا، فخرجوا به معهم، فاشتد حنق فرعون عليهم، فركب وراءهم مع جنوده وجيوشه الهائلة، فلحقوهم وقت شروق الشمس عند ساحل البحر (البحر الأحمر- بحر السويس) فخاف أصحاب موسى عليه السّلام، وإذا ضاق الأمر اتسع، فأمره الله تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، أي كالجبل العظيم، وصار اثني عشر طريقا لكل سبط واحد، وأمر الله الريح فنشفت أرضه، وجاوزت بنو إسرائيل البحر، فلما خرج آخرهم منه، انتهى فرعون وجنوده إلى حافته من الناحية الأخرى، فلما رأى ذلك هاله وأحجم وهاب وهمّ بالرجوع، ثم صمّم على المتابعة وقال لأمرائه: ليس بنو إسرائيل بأحق بالبحر منا، فاقتحموا كلهم عن آخرهم، ولما أصبحوا في وسط البحر، أمر الله القدير البحر أن يرتطم عليهم فارتطم عليهم، فلم ينج منهم أحد، وجعلت الأمواج ترفعهم وتخفضهم، وتراكمت الأمواج فوق فرعون، وغشيته سكرات الموت فقال وهو كذلك:
آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ، وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فآمن حيث لا ينفعه الإيمان، كقوله تعالى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنا بِما كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبادِهِ، وَخَسِرَ هُنالِكَ الْكافِرُونَ [غافر ٤٠/ ٨٤- ٨٥].
ولهذا قال الله تعالى في جواب فرعون حين قال ما قال: آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ أي أهذا الوقت تؤمن، وقد عصيت الله قبل هذا؟ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ أي في الأرض من الذين أضلوا الناس.
هذه القصة من أسرار الغيب التي أعلم الله بها رسوله صلى الله عليه وسلّم.

معنى الآيات:
وتجاوزنا ببني إسرائيل البحر بقدرتنا وحفظنا، فلحقهم فرعون وجنوده ظلما وعدوا، أي باغين وعادين عليهم، أو للبغي والعدوان، والفتك بهم، أو إعادتهم إلى مصر ليعذبوهم سوء العذاب ويستعبدوهم كما كانوا يفعلون.
فلما أشرف على الغرق، قال: آمنت بأنه لا إله بحق إلا الله الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين أي المنقادين المذعنين لأمره.
وكرر فرعون بهذه العبارة المعنى الواحد ثلاث مرات، في ثلاث عبارات، حرصا منه على القبول، ومع ذلك لم يقبل منه إيمانه حيث أخطأ وقته، وقاله عند الإكراه والاضطرار، وحين لم يبق له اختيار قط. ويلاحظ أن المرة الواحدة كانت كافية في حال الاختيار.
فردّ الله تعالى عليه على لسان جبريل، أو بإلهام من الله تعالى نفسه بقوله:
آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ أي أتؤمن الساعة في وقت الاضطرار حين أدركك الغرق، وأيست من نفسك، وقد عصيت الله قبل هذا، وكنت من الضالين المضلين عن الإيمان، كقوله تعالى: الَّذِينَ كَفَرُوا، وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، زِدْناهُمْ عَذاباً فَوْقَ الْعَذابِ بِما كانُوا يُفْسِدُونَ [النحل ١٦/ ٨٨].
فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ... أي فاليوم نرفعك على مكان مرتفع من الأرض، وننقذك بجسدك الذي لا روح فيه، أو ببدنك كاملا سويا لم ينقص منه شيء ولم يتغير من الارتماء في قعر البحر لتكون لبني إسرائيل دليلا أو علامة على موتك وهلاكك وكان في أنفسهم أن فرعون أعظم شأنا من أن يغرق، ولتكون عبرة لمن بعدك من الناس يعتبرون بك، فينزجرون عن الكفر والفساد في الأرض وادعاء الربوبية.

وفي هذا دليل على كمال قدرة الله تعالى وعلمه وإرادته.
وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ... أي وإن أكثر الناس لغافلون عن حججنا وأدلتنا على أن العبادة لله وحده، فلا يتعظون بها ولا يعتبرون بها، لعدم تفكرهم في أسبابها ونتائجها. وفي الآية دلالة على ذم الغفلة وعدم التفكر في أسباب الحوادث وعواقبها.
وقد كان هلاكهم يوم عاشوراء من شهر المحرم،
كما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلّم المدينة واليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال:
«ما هذا اليوم الذي تصومونه؟» فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم لأصحابه: «أنتم أحق بموسى منهم، فصوموه».
ثم أخبر الله تعالى بالمناسبة عما أنعم به على بني إسرائيل من النعم الدينية والدنيوية فقال: وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ... أي ولقد أنزلنا بني إسرائيل منزلا صالحا مرضيا، وهو منزلهم سابقا في مصر، ولاحقا في فلسطين، ورزقناهم من الطيبات أي اللذائذ المستطابة المباحة فيها، وأنعمنا عليهم فيها بكثير من الخيرات من الثمار والغلال والأنعام وصيود البر والبحر.
لقد وعدهم الله على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب أرض فلسطين في الماضي، ولكن لما كفروا بالأنبياء، وعلى التخصيص عيسى ومحمد عليهما السلام، نزعها الله منهم. فليس لهم أي حق ديني بعدئذ في الاستيطان بأرض فلسطين بعد بغيهم وعدوانهم وكفرهم برسالات الله تعالى.
وللعلماء في تحديد المراد ببني إسرائيل قولان: الأول- أنهم اليهود الذين كانوا في زمن موسى عليه السّلام، وعلى هذا يكون مبوأ الصدق مصر والشام، والطيبات منافع تلك البلاد ووراثة بني إسرائيل ما كان تحت أيدي قوم فرعون، وأن التوراة هي العلم الذي أدى إلى الاختلاف بينهم.. والقول الثاني- هم اليهود

المعاصرون للنبي عليه الصلاة والسلام، وبه قال جمع عظيم من المفسرين وهم قبائل اليهود في المدينة (قريظة والنضير وبنو قينقاع) ومنزل الصدق: ما بين المدينة والشام، والطيبات: ما في تلك البلاد من التمور، والمراد بالعلم: القرآن، وسماه علما لأنه سبب للعلم على سبيل المجاز، وكونه سبب الاختلاف: أن اليهود اختلفوا فآمن قوم وبقي آخرون على كفرهم، فصار نزول القرآن سببا لحدوث انقسام بينهم.
فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ أي فما اختلف بنو إسرائيل في أمر دينهم إلا من بعد ما علموا وقرءوا التوراة وعلموا أحكامها، أو ما اختلفوا في أمر محمد صلى الله عليه وسلّم إلا من بعد ما علموا صدقه بنعوته وتظاهر معجزاته، وذلك أنهم كانوا قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلّم مقرين بنبوته، مجمعين على صحة رسالته، وكانوا يستفتحون به على الذين كفروا، ويعرفونه كما يعرفون أبناءهم بالنعت الذي كانوا يجدونه مكتوبا عندهم، فلما بعث وجاءهم ما عرفوا، كفروا به، فكفر به بعضهم حسدا وحبا للرياسة ولجمع المال، وآمن آخرون.
والخلاصة: إنهم ما اختلفوا في شيء من المسائل جهلا، وإنما من بعد ما جاءهم العلم، ولم يكن لهم أن يختلفوا.
إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي... أي إن ربك يفصل ويحكم بينهم يوم القيامة في شأن ما اختلفوا فيه، فيميز المحق من المبطل بالإنجاء للمحقين من النار وإدخالهم الجنة، والإهلاك للمبطلين في عذاب جهنم.
فقه الحياة أو الأحكام:
اشتملت الآيات على الأحكام التالية:
١- قد ينصر الله تعالى الضعفاء أو المستضعفين على الأشداء الأقوياء، كما

نصر الله موسى وأخاه هارون على ضعفهما، على فرعون الجبار وجنوده الأشداء، إذ كانت دولتهم أقوى دول العالم القديم.
٢- إيمان اليأس لا ينفع لأنه في وقت الإلجاء والاضطرار والإكراه وفقد عنصر الاختيار وزوال وقت التكليف، فلم يقبل الله إعلان فرعون الإيمان حينما أشرف على الغرق بمعان ثلاثة يؤكد بعضها بعضا.
قال الرازي: آمن فرعون ثلاث مرات، أولها قوله: آمَنْتُ وثانيها قوله: لا إِلهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وثالثها قوله: وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فما السبب في عدم القبول، والله تعالى متعال عن أن يلحقه غيظ وحقد، حتى يقال: إنه لأجل ذلك الحقد لم يقبل منه هذا الإقرار؟ والجواب أنه إنما آمن عند نزول العذاب. والإيمان في هذا الوقت غير مقبول لأن عند نزول العذاب يصير الحال وقت الإلجاء، وفي هذه الحال لا تكون التوبة مقبولة، ولهذا السبب قال تعالى: فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنا «١» ٣- كان فرعون عاصيا كافرا عاتيا متكبرا مفسدا في الأرض بالضلال والإضلال، فاستحق التوبيخ والإنكار والتهكم عليه.
٤- تمّ إنقاذ جثة فرعون من الغرق، واسمه منپتاح بن رمسيس ١٢٢٥ ق. م، وهي التي ما تزال موجودة في متحف الآثار المصرية بالقاهرة وشاهدتها بنفسي، وشاهدت فيها آثار ملوحة ماء البحر البيضاء على عظم الجبهة. ويعدّ هذا الإنقاذ عبرة وعظة لكل من يدعي الربوبية ويكفر بالله، فهو أحقر من أن يكون ربا لأن الرب لا يموت. قال المفسرون: إنما نجّى الله بدن فرعون بعد الغرق لأن قوما اعتقدوا فيه الألوهية، وزعموا أن مثله

لا يموت، فأراد الله أن يشاهده الناس على ذلك الذل والمهانة، ليتحققوا موته، ويعرفوا أن الذي كان بالأمس في نهاية الجلالة والعظمة قد آل أمره إلى الذل والهوان، فيكون عبرة للخلق، وزجرا لأهل الطغيان.
٥- ذم الغفلة وعدم التفكر في أسباب الحوادث الجسام وعواقبها المؤثرة في التاريخ.
٦- إن في قصة إغراق فرعون الطاغية عبرة لمكذبي النبي محمد صلى الله عليه وسلّم الذين يغترون بقوتهم وكثرتهم وثروتهم، فقد كان فرعون وقومه أكثر منهم عددا، وأشد قوة، وأوفر ثروة، وقد جعل الله تعالى سنته في المكذبين واحدة وهي التدمير والإهلاك، إما في الدنيا وإما في الآخرة، فالعاقل من المكذبين من يتدبر في الأمر، ويبادر إلى ساحة الرضا والإيمان، ليكون من أهل النجاة في الآخرة:
لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ [يوسف ١٢/ ١١١].
٧- لقد أنعم الله على بني إسرائيل بالنعم الكثيرة الدينية والدنيوية، ومن أهمها إنقاذهم من طغيان فرعون، وأمانهم واستقرارهم في فلسطين في الماضي، ولكنهم لم يتعظوا ولم يعتبروا بها.
بل إنهم كفروا بهذه النعم، وكفروا برسالة عيسى ومحمد عليهما السلام، فأصبحوا مثل غيرهم ممن يستحق العذاب والطرد والإجلاء من ديار الإسلام.
والمقصود بذلك أحوال بني إسرائيل القدامى والمعاصرين للنبي صلى الله عليه وسلّم لأن المتأخرين راضون بفعل المتقدمين، وسائرون على نهجهم، وهذا جمع بين القولين السابقين.
ولم يختلفوا في شأن رسالة محمد صلى الله عليه وسلّم وصدقه قبل بعثته، بل كانوا مجمعين على نبوته والإيمان به على وفق الأوصاف المذكورة في كتبهم، وإنما اختلفوا بعد بعثته حسدا وبغيا وحبا في بقاء المراكز الدينية، والزعامة السياسية، فكان اختلافهم