
على حق لما هزموا أمام فرعون وظلمه، ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين، ونجنا برحمتك وعفوك من القوم الكافرين الطغاة المجرمين فإنك وعدت، ووعدك الحق إنك تنصر عبادك المؤمنين بك المتبعين لرسلك، كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ
[الروم ٤٧].
وأوحينا لموسى وأخيه، أن اتخذوا لقومكما بمصر بيوتا تسكنون فيها، واجعلا بيوتكم متقابلين في جهة واحدة، وقيل المعنى: واجعلوا بيوتكم قبلة للصلاة تصلون فيها خوفا من فرعون وملئه بدليل قوله وأقيموا الصلاة، وبشر المؤمنين بحفظ الله ورعايته، ونصره لهم في كل زمان وحين.
من مواقف موسى مع فرعون [سورة يونس (١٠) : الآيات ٨٨ الى ٩٣]
وَقالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ (٨٨) قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَلا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ (٨٩) وَجاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْياً وَعَدْواً حَتَّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُوا إِسْرائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (٩٠) آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ (٩٢)
وَلَقَدْ بَوَّأْنا بَنِي إِسْرائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّى جاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (٩٣)

المفردات:
زِينَةً ما يتمتع به من الحلل والحلي والرياش والأثاث واللباس اطْمِسْ طمس الأثر إذا أزاله حتى لا يعرف وَجاوَزْنا جاز المكان وتجاوزه، وجاوزه إذا ذهب فيه وقطعه حتى خلفه وراءه فَأَتْبَعَهُمْ لحقهم نُنَجِّيكَ نجعلك على نجوة من الأرض والنجوة المكان المرتفع الذي ينجى صاحبه من السيل.
وذكر سبب كفرهم وعنادهم، وهو حب الدنيا ومتاعها الفاني، وقال موسى:
ربنا إنك أعطيت فرعون وأعوانه وجنده زينة من الحلي والحلل، والفراش والأثاث، وأعطيتهم المال والجاه حتى بنوا القصور ورفعوا القبور، وأنفقوا في حظوظ الدنيا ومتاعها الشيء الكثير.
ربنا أعطيتهم هذا العطاء فكان عاقبة أمرهم خسرا، وكانت نتيجة هذه النعم أنهم ضلوا عن سبيلك، وأضلوا غيرهم.
ربنا اطمس على أموالهم، وأزل آثارها، وامحها بما تنزله من الآفات والكوارث، واشدد على قلوبهم، واربط عليها برباط قوى حتى لا ينفذ إليها نور الهدى والإيمان فيزدادوا قسوة وظلما، فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم.
روى أن موسى كان يدعو وهارون يؤمن، واستجاب الله دعاءهما، وأمرهما أن يظلا على استقامتهما ودعوتهما فرعون وقومه إلى الحق والعدل وألا يتبعا سبيل الذين لا يعلمون

المعنى:
كان لا بد للمتعب أن يستريح، وللمضطهد أن يتنفس الصعداء، ويخرج من السجن، نعم أراد الله لبنى إسرائيل أن يكشف عنهم ظلم فرعون، وأن يخرجوا من مصر إلى أرض الميعاد، وقد خرج بهم موسى وأخوه على حين غفلة من فرعون وعيونه فلما وصل خبرهم إليه، جمع جموعه وأدركهم على شاطئ البحر (بحر السويس) فقالوا: يا موسى هذا فرعون وراءنا والبحر أمامنا وماذا نفعل؟ فأوصى الله إلى موسى:
أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالجبل وسط البحر فساروا عليه وجاوزوا البحر بعناية الله ورعايته حتى كأنه معهم، أما فرعون فلحقهم هو وجنوده حالة كونهم باغين معتدين. وخاضوا البحر كما خاض بنو إسرائيل، ولكن اليم قد ابتلعهم إذ لم يركبوا سفن النجاة فلما أدركهم الغرق، وأيقنوا أنهم المغرقون لا محالة قال فرعون في تلك الحال التي يؤمن فيها البر والفاجر، والكافر والعاصي، تلك الساعة التي لا تنفع فيه توبة، ولا إيمان، قال: آمنت بالله، أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل، وأنا من المسلمين المنقادين. تراه وقد جمع الإيمان والإسلام، وكرر المعنى الواحد ثلاث مرات ولكن هو كما قال الشاعر:
أتت وحياض الموت بيني وبينها | وجادت بوصل حين لا ينفع الوصل |
فها هم بنو إسرائيل الضعفاء المستضعفون الذين طالما أذاقهم فرعون سوء العذاب يذبح أبناءهم ويستحى نساءهم إنه كان من المفسدين!! الله نجاهم ونصرهم على من؟ على فرعون صاحب الجند والطول، والحول والقوة، فرعون الذي يقول: أنا ربكم الأعلى!! أليس لي ملك مصر؟ وهذه الأنهار تجرى من تحتي.
وها أنتم أولاء يا معشر قريش لستم أشد قوة ولا أكثر جندا، ولا أكثر مالا وعددا من فرعون. فاعتبروا يا أولى الأبصار: وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ عَنْ آياتِنا لَغافِلُونَ. صفحة رقم 87