آيات من القرآن الكريم

فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالَ لَهُمْ مُوسَىٰ أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ
ﯺﯻﯼﯽﯾﯿﰀﰁﰂﰃﰄﰅﰆﰇﰈﰉ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼ

اعْلَمْ أَنَّ هَذَا الْكَلَامَ غَنِيٌّ عَنِ التَّفْسِيرِ وَفِيهِ سُؤَالٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا قَالُوا: إِنَّ هَذَا لَسِحْرٌ مُبِينٌ فَكَيْفَ حَكَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَسِحْرٌ هَذَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِفْهَامِ؟
وَجَوَابُهُ: أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مَا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: أَسِحْرٌ هَذَا بَلْ قَالَ: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ مَا تَقُولُونَ، ثُمَّ حَذَفَ عَنْهُ مَفْعُولَ أَتَقُولُونَ لِدَلَالَةِ الْحَالِ عَلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ مَرَّةً أُخْرَى أَسِحْرٌ هَذَا وَهَذَا اسْتِفْهَامٌ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِسِحْرٍ، وَهُوَ قَوْلُهُ: وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ يَعْنِي أَنَّ حَاصِلَ صُنْعِهِمْ تَخْيِيلٌ وَتَمْوِيهٌ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ وَأَمَّا قَلْبُ الْعَصَا حَيَّةً وَفَلَقُ الْبَحْرِ، فَمَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ التَّخْيِيلِ وَالتَّمْوِيهِ فَثَبَتَ أنه ليس بسحر.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٨ الى ٨٢]
قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨) وَقالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ ساحِرٍ عَلِيمٍ (٧٩) فَلَمَّا جاءَ السَّحَرَةُ قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ (٨٠) فَلَمَّا أَلْقَوْا قالَ مُوسى مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لَا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ (٨١) وَيُحِقُّ اللَّهُ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ (٨٢)
وَفِيهِ مَسَائِلُ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى حَكَى عَنْ فِرْعَوْنَ وَقَوْمِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْبَلُوا دَعْوَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَعَلَّلُوا عَدَمَ الْقَبُولِ بِأَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ: أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا قَالَ الْوَاحِدِيُّ: اللَّفْتُ فِي أَصْلِ اللُّغَةِ الصَّرْفُ عَنْ أَمْرٍ، وَأَصْلُهُ اللَّيُّ يُقَالُ: لَفَتَ عُنُقَهُ إِذَا لَوَاهَا، وَمِنْ هَذَا يُقَالُ: الْتَفَتَ إِلَيْهِ، أَيْ أَمَالَ وَجْهَهُ إِلَيْهِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ: لَفَتَ الشَّيْءَ وَفَتَلَهُ إِذَا لَوَاهُ، وَهَذَا مِنَ الْمَقْلُوبِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا نَتْرُكُ الدِّينَ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ، لِأَنَّا وَجَدْنَا آبَائَنَا عَلَيْهِ، فَقَدْ تَمَسَّكُوا بِالتَّقْلِيدِ وَدَفَعُوا الْحُجَّةَ الظَّاهِرَةَ بِمُجَرَّدِ الْإِصْرَارِ.
وَالسَّبَبُ الثَّانِي: فِي عَدَمِ الْقَبُولِ قَوْلُهُ: وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: الْمَعْنَى وَيَكُونُ لَكُمَا الْمُلْكُ وَالْعِزُّ فِي أَرْضِ مِصْرَ، وَالْخِطَابُ لِمُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ الزَّجَّاجُ: سَمَّى الْمُلْكَ كِبْرِيَاءً، لِأَنَّهُ أَكْبَرُ مَا يُطْلَبُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا، وَأَيْضًا فَالنَّبِيُّ إِذَا اعْتَرَفَ الْقَوْمُ بِصِدْقِهِ صَارَتْ مَقَالِيدُ أَمْرِ أُمَّتِهِ إِلَيْهِ، فَصَارَ أَكْبَرَ الْقَوْمِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّبَبَ الْأَوَّلَ: إِشَارَةٌ إِلَى التَّمَسُّكِ بِالتَّقْلِيدِ، وَالسَّبَبَ الثَّانِيَ: إِشَارَةٌ إِلَى الْحِرْصِ عَلَى طَلَبِ الدُّنْيَا، وَالْجِدِّ فِي بَقَاءِ الرِّيَاسَةِ، وَلَمَّا ذَكَرَ الْقَوْمُ هَذَيْنِ السَّبَبَيْنِ صَرَّحُوا بِالْحُكْمِ وَقَالُوا: وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْقَوْمَ لَمَّا ذَكَرُوا هَذِهِ الْمَعَانِيَ حَاوَلُوا بَعْدَ ذَلِكَ، وَأَرَادُوا أَنْ يُعَارِضُوا مُعْجِزَةَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ السِّحْرِ، لِيُظْهِرُوا عِنْدَ النَّاسِ أَنَّ مَا أَتَى بِهِ مُوسَى مِنْ بَابِ السِّحْرِ، فجمع فرعون السحرة وأحضرهم، فقال لَهُمْ مُوسَى أَلْقُوا مَا أَنْتُمْ مُلْقُونَ.
فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ أَمَرَهُمْ بِالْكُفْرِ وَالسِّحْرِ وَالْأَمْرُ بِالْكُفْرِ كفر؟

صفحة رقم 287
مفاتيح الغيب
عرض الكتاب
المؤلف
أبو عبد الله محمد بن عمر (خطيب الري) بن الحسن بن الحسين التيمي الرازي
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1420
الطبعة
الثالثة
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية