
٢- الاستعارة المكنية في قوله تعالى «ثم اقضوا إلي» أي نفذوا ذلك الأمر أو أدوا الى ذلك الأمر، شبه الأمر المحذوف بالدين ثم حذف المشبه به وأخذ شيئا من خصائصه وهو القضاء يقال قضى فلان دينه أي أداه.
[سورة يونس (١٠) : الآيات ٧٤ الى ٧٨]
ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (٧٤) ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلائِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ (٧٥) فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا قالُوا إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ (٧٦) قالَ مُوسى أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ (٧٧) قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ (٧٨)
الإعراب:
(ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلى قَوْمِهِمْ) عطف على قصة نوح، وبعثنا وفاعل ومن بعده حال ورسلا مفعول به والى قومهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة. (فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا

لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ)
الفاء عاطفة وجاءوهم فعل وفاعل ومفعول به وبالبينات متعلقان بجاءوهم والفاء عاطفة وما نافية وكان واسمها واللام لام الجحود ويؤمنوا منصوب بأن مضمرة بعدها واللام ومدخولها خبر كان وبما متعلقان بيؤمنوا وجملة كذبوا صلة وبه متعلقان بكذبوا ومن قبل حال وبنيت قبل على الضم لانقطاعها عن الاضافة لفظا لا معنى. (كَذلِكَ نَطْبَعُ عَلى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ) الكاف في محل نصب صفة لمصدر محذوف أي مثل ذلك الطبع نطبع وعلى قلوب المعتدين جار ومجرور متعلقان بنطبع. (ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَهارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَمَلَائِهِ بِآياتِنا) عطف قصة على قصة أيضا من باب عطف الخاص على العام، ومن بعدهم حال وموسى مفعول به لبعثنا وهارون معطوف على موسى والى فرعون متعلقان ببعثنا وملئه عطف على فرعون وبآياتنا متعلقان بمحذوف حال أي ملتبسين بآياتنا التسع التي سيصرّح بها في سورة «الإسراء» وهي قوله تعالى: «ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات» وقد تقدم منها ثمانية في سورة «الأعراف» اثنتان في قوله «فألقى موسى عصاه» وقوله: «ونزع يده» وواحدة في قوله «ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين» وخمسة في قوله «فأرسلنا عليهم الطوفان» وستأتي التاسعة في هذه السورة في قوله «ربنا اطمس على أموالهم» أي امسخها حجارة كما سيأتي في حينه.
(فَاسْتَكْبَرُوا وَكانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ) الفاء عاطفة واستكبروا فعل وفاعل وكانوا كان واسمها وقوما خبرها ومجرمين صفة. (فَلَمَّا جاءَهُمُ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِنا) الفاء عاطفة ولما حينية أو رابطة وجملة جاءهم مضافة أو لا محل لها والحقّ فاعل ومن عندنا متعلقان بجاءهم. (قالُوا: إِنَّ هذا لَسِحْرٌ مُبِينٌ) جملة قالوا لا محل وإن واسمها واللام المزحلقة وسحر خبر إن ومبين صفة. (قالَ مُوسى: أَتَقُولُونَ لِلْحَقِّ لَمَّا جاءَكُمْ أَسِحْرٌ هذا وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُونَ)

قال موسى فعل وفاعل والهمزة للاستفهام وتقولون فعل مضارع وفاعل وللحق جار ومجرور متعلقان بتقولون ولما حينية وجملة جاءكم مضافة، أسحر الهمزة للاستفهام الانكاري التوبيخي وسحر خبر مقدم وهذا مبتدأ مؤخر والجملة مقول القول ولا الواو للحال ولا نافية ويفلح الساحرون فعل مضارع وفاعل والجملة حالية. (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَلْفِتَنا عَمَّا وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا) قالوا فعل وفاعل والهمزة للاستفهام البياني الذي يستفرغ فيه المكابر المعاند حججه المتهافتة ليبرر إصرار على اللجاج والمواربة والعناد وجملة أجئتنا مقول القول وهو فعل وفاعل ومفعول به ولتلفتنا اللام للتعليل وتلفت فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل وعما متعلقان بتلفتنا وجملة وجدنا صلة وعليه متعلقان بمحذوف حال تقديره عاكفين وآباءنا مفعول به. (وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِياءُ فِي الْأَرْضِ) الواو عاطفة وتكون فعل مضارع ناقص ولكما خبرها المقدم والكبرياء اسمها المؤخر وفي الأرض جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي ممتدة والكبرياء مصدر على وزن فعلياء ومعناها العظمة وقيل الملك لأن الملوك موصوفون بالكبر ولذلك قيل للملك الجبار، قال بشار بن برد:
إذا الملك الجبار صعّر خده | مشينا إليه بالسيوف نعاتبه |
ملكه ملك رأفة ليس فيه | جبروت منه ولا كبرياء |

(وَما نَحْنُ لَكُما بِمُؤْمِنِينَ) الواو عاطفة وما حجازية ونحن اسمها وبمؤمنين الباء زائدة ومؤمنين خبر ما محلا.
الفوائد:
قال ابن هشام في صدد حديثه عن حذف المفعول: «ومن غريبه حذف المقول وبقاء القول نحو: قال موسى: أتقولون للحق لما جاءكم، أي هو سحر بدليل أسحر هذا».
وهذا القول فيه شيء كثير من الغموض وقد تعقبه الدسوقي فقال: «ما ذكره المصنف أحد أوجه ذكرها في الكشاف وعبارته: فإن قلت: هم قطعوا بقولهم: إن هذا لسحر مبين على أنه سحر فكيف قيل لهم أتقولون أسحر هذا؟ قلت فيه أوجه أن يكون معنى قوله أتقولون للحق: أتعيبونه وتطعنون فيه وكان عليكم أن تذعنوا له وتعظموه، من قولهم فلان يخاف القالة وبين الناس تقاول إذا قال بعضهم لبعض ما يسوءه ونحو القول الذكر في قوله: سمعنا فتى يذكرهم ثم قال: أسحر هذا فأنكر ما قالوه في عيبه والطعن عليه وان يحذف مفعول أتقولون وهو ما دل عليه قولهم إن هذا لسحر مبين كأنه قيل: أتقولون ما تقولون يعني قولهم أن هذا لسحر مبين ثم قيل أسحر هذا وان يكون جملة قوله أسحر هذا ولا يفلح الساحرون حكاية لكلامهم كأنهم قالوا أجئتما بالسحر تطلبان به الفلاح» انتهى ما قاله الزمخشري وقد تصرف به الدسوقي تصرفا مخلا ولهذا آثرنا نقل ما قاله الزمخشري بنصه من الكشاف ومع ذلك لا يخلو من غموض، وإيضاحه: ان القول على الوجه الاول وقع كناية عن العيب فلا يتقاضى مفعولا وفي الثاني على انه يطلب مفعولا والذي نراه أن سؤال ابن هشام غير وارد واعتراض الزمخشري وتكلفه الاجابة عنه