آيات من القرآن الكريم

هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ
ﭩﭪﭫﭬﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ ﭻﭼﭽﭾﭿ

بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى مَعَ تَغْلِيبِ الْمُذَكَّرِ عَلَى الْمُؤَنَّثِ، وَعَبَّرَ عَن الْإِسْرَار المستقبلي بِلَفْظِ الْمَاضِي تَنْبِيهًا عَلَى تَحْقِيقِ وُقُوعِهِ حَتَّى كَأَنَّهُ قَدْ مَضَى، وَالْمَعْنَى: وَسَيُسِرُّونَ النَّدَامَةَ قَطْعًا.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ.
وَالنَّدَامَةُ: النَّدَمُ، وَهُوَ أَسَفٌ يَحْصُلُ فِي النَّفْسِ عَلَى تَفْوِيتِ شَيْءٍ مُمْكِنٍ عَمَلُهُ فِي الْمَاضِي، وَالنَّدَمُ مِنْ هَوَاجِسِ النَّفْسِ، فَهُوَ أَمْرٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ وَلَكِنَّهُ كَثِيرٌ، أَيْ يَصْدُرُ عَنْ صَاحِبِهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَإِذَا تَجَلَّدَ صَاحِبُ النَّدَمِ فَلَمْ يُظْهِرْ قَوْلًا وَلَا فِعْلًا فَقَدْ أَسَرَّ النَّدَامَةَ، أَيْ قَصَرَهَا عَلَى سِرِّهِ فَلَمْ يُظْهِرْهَا بِإِظْهَارِ بَعْضِ آثَارِهَا، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ شِدَّةِ الْهَوْلِ فَإِنَّمَا أَسَرُّوا النَّدَامَةَ لِأَنَّهُمْ دُهِشُوا لِرُؤْيَةِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ فَلَمْ يُطِيقُوا صُرَاخًا وَلَا عَوِيلًا.
وَجُمْلَةُ: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ: وَأَسَرُّوا مُسْتَأْنَفَةً.
وَمَعْنَى: قُضِيَ بَيْنَهُمْ قُضِيَ فِيهِمْ، أَيْ قُضِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ بِمَا يَسْتَحِقُّهُ بِالْعَدْلِ، فَالْقَضَاءُ بِالْعَدْلِ وَقَعَ فِيهِمْ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّهُ قُضِيَ بَيْنَ كُلِّ وَاحِدٍ وَآخَرَ لِأَنَّ الْقَضَاءَ هُنَا لَيْسَ قَضَاءَ نِزَاعٍ وَلَكِنَّهُ قَضَاءُ زَجْرٍ وَتَأْنِيبٍ، إِذْ لَيْسَ الْكَلَامُ هُنَا إِلَّا عَلَى الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ صِنْفٌ وَاحِدٌ، بِخِلَافِ قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ [يُونُس: ٤٧] فَإِنَّ ذَلِكَ قَضَاءٌ بَيْنَ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِمْ وَبَيْنَ الرُّسُلِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَما كُنَّا غائِبِينَ [الْأَعْرَاف: ٦، ٧].
وَجُمْلَةُ: وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ حَالية.
[٥٥، ٥٦]
[سُورَة يُونُس (١٠) : الْآيَات ٥٥ إِلَى ٥٦]
أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَلا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (٥٥) هُوَ يُحيِي وَيُمِيتُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٥٦)
تَذْيِيلُ تَنْهِيَةٍ لِلْكَلَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِصِدْقِ الرَّسُولِ وَالْقُرْآنِ وَمَا جَاءَ بِهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَتَرَقُّبِ يَوْمِ الْبَعْثِ وَيَوْمِ نُزُولِ الْعَذَابِ بِالْمُشْرِكِينَ. وَقَدِ اشْتَمَلَ هَذَا التَّذْيِيلُ عَلَى مُجْمَلِ تَفْصِيلِ ذَلِكَ الْغَرَضِ، وَعَلَى تَعْلِيلِهِ بِأَنَّ من هَذِه شؤونه لَا يَعْجِزُ عَنْ تَحْقِيقِ مَا أَخْبَرَ بِوُقُوعِهِ.

صفحة رقم 198

فَكَانَ افْتِتَاحُهُ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْمُتَوَحِّدُ بِمُلْكِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَهُوَ يَتَصَرَّفُ فِي النَّاسِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَصَرُّفًا لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ فَتَصَرُّفُهُ فِي أُمُورِ السَّمَاءِ شَامِلٌ لِلْمُغَيَّبَاتِ كُلِّهَا، وَمِنْهَا إِظْهَارُ الْجَزَاءِ بِدَارِ الثَّوَابِ وَدَارِ الْعَذَابِ وَتَصَرُّفُهُ فِي أُمُورِ الْأَرْضِ شَامِلٌ لِتَصَرُّفِهِ فِي النَّاسِ. ثُمَّ أَعْقَبَ بِتَحْقِيقِ وَعْدِهِ، وَأَعْقَبَ بِتَجْهِيلِ مُنْكِرِيهِ، وَأَعْقَبَ بِالتَّصْرِيحِ بِالْمُهِمِّ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ الْإِحْيَاءُ وَالْإِمَاتَةُ وَالْبَعْثُ.
وَافْتُتِحَ هَذَا التَّذْيِيلُ بِحَرْفِ التَّنْبِيهِ، وَأُعِيدَ فِيهِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ لِلِاسْتِيعَاءِ لِسَمَاعِهِ، وَلِلتَّنْبِيهِ عَلَى أَنَّهُ كَلَامٌ جَامِعٌ هُوَ حَوْصَلَةُ الْغَرَضِ الَّذِي سَمِعُوا تَفْصِيلَهُ آنِفًا.
وَتَأْكِيدُ الْخَبَرِ بِحَرْفِ إِنَّ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِأَنَّهُمْ لَمَّا جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ فَقَدْ جَعَلُوهَا غَيْرَ مَمْلُوكَةٍ لِلَّهِ. وَلَا يَدْفَعُ عَنْهُمْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللَّهِ زُلْفى لِأَنَّ ذَلِكَ اضْطِرَابٌ وَخَبْطٌ.
وَقُدِّمَ خَبَرُ إِنَّ عَلَى اسْمِهَا لِلِاهْتِمَامِ بِاسْمِهِ تَعَالَى وَلِإِفَادَةِ الْقَصْرِ لِرَدِّ اعْتِقَادِهِمُ
الشَّرِكَةَ كَمَا عَلِمْتَ.
وَأُكِدَّ بِحَرْفِ التَّوْكِيدِ بَعْدَ حَرْفِ التَّنْبِيهِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ لِلِاهْتِمَامِ بِهِ، وَلِرَدِّ إِنْكَارِ مُنْكِرِي بَعْضِهِ وَالَّذِينَ هُمْ بِمَنْزِلَةِ الْمُنْكِرِينَ بَعْضَهُ الْآخَرَ.
وَاللَّامُ فِي لِلَّهِ لِلْمِلْكِ، وَ (مَا) اسْمُ مَوْصُولٍ مُفِيدٌ لِعُمُومِ كُلِّ مَا ثَبَتَتْ لَهُ صِلَةُ الْمَوْصُولِ مِنَ الْمَوْجُودَاتِ الظَّاهِرَةِ وَالْخَفِيَّةِ.
وَوَعْدُ اللَّهِ: هُوَ وَعْدُهُ بِعَذَابِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ وَعِيدٌ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ وَعْدُهُ مُرَادًا بِهِ الْبَعْثُ، قَالَ تَعَالَى: كَما بَدَأْنا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنا إِنَّا كُنَّا فاعِلِينَ [الْأَنْبِيَاء: ١٠٤] فَسَمَّى إِعَادَةَ الْخَلْقِ وَعْدًا.
وَأَظْهَرَ اسْمَ الْجَلَالَةِ فِي الْجُمْلَةِ الثَّانِيَةِ دُونَ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِهِ لِتَكُونَ الْجُمْلَة مُسْتَقلَّة لتجري مُجْرَى الْمَثَلِ وَالْكَلَامِ الْجَامِعِ.

صفحة رقم 199
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية