
أصغي إلى قائدي لمخبرني | إذا المقينا عمن يحييني |
لله عينن التي فجعت بها | لو أن دهرًا بها يواتيني |
لو كنت خُيِّرت ما أَخَذْتُ | بها تعميرَ نوح في ملك قارون (١) |
٤٥ - قوله تعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ الآية (كأن) هذه هي المخففة من الثقيلة، التقدير: كأنهم لم يلبثوا، كقول النابغة:
(٢) يعني علماء أصول الدين والعقيدة، وانظر: المسألة في "الإبانة عن أصول الديانة" ص ١٥٨، و"عقيدة السلف وأصحاب الحديث" ص ٢٨٠، وكتاب "الإرشاد إلى قواطع الأدلة" ص ١٨٩، و"الغنية في أصول الدين" ص ١٢٩.
(٣) في (ح) و (ز): (لا ينصرف)، وهو خطأ.
(٤) سبق بيان مذهب الأشاعرة في استحالة نسبة الظلم إلى الله والرد عليه.
(٥) لم أجده في كتب المعاني، وانظر نحوه في: "زاد المسير" ٤/ ٣٥، "الجامع لأحكام القرآن" ٨/ ٣٤٧.

وكأن قد (١)
وقول آخر:
كأن ظبية تعطو إلى ناضر (٢) السلم (٣)
وقوله تعالى: ﴿إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ﴾، قال ابن عباس: كأن لم يلبثوا في قبورهم إلا قدر ساعة من النهار (٤).
وقال الزجاج: أي قرب عندهم ما بين موتهم وبعثهم كما قال: ﴿قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ (٥) [المؤمنون: ١١٣].
أزف الترحل غير أن ركابنا | لمّا تَزُلْ برحالنا وكأن قد |
(٢) في (ى): (ناظر)، وهو خطأ، وفي المصادر التالية: وارق.
(٣) عجز بيت، وصدره:
ويومًا توافينا بوجه مقسَّم
وقد اختلف في نسبة البيت، فهو لباغت بن صريح اليشكري في "تخليص الشواهد" ص٣٩٠، "شرح المفصل" ٨/ ٨٣، "كتاب سيبويه" ٢/ ١٣٤، ولأرقم بن علباء في "شرح شواهد سيبويه" ١/ ٥٢٥، ولعلباء بن أرقم في "الأصمعيات" ص ١٥٧، ولأحد الثلاثة أو لراشد بن شهاب اليشكري في "خزانة الأدب" ١٠/ ٤١٣، وصحح البغدادي نسبته لعلباء بن أرقم. والشاعر يصف امرأته حالة رضاها، ويشبهها بظبية مخصبة. والمقسَّم: المحسن، وتعطو: تتطاول إلى الشجر لتتناول منه. انظر: "شرح الأعلم على كتاب سيبويه" ١/ ٢٨١، "لسان العرب" (قسم) و (عطو).
(٤) "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٦ ب، والسمرقندي ٢/ ١٠٠، والبغوي ٤/ ١٣٥، وابن الجوزي ٤/ ٣٦، و"تنوير المقباس" ص ٢١٤.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢.

وقال الضحاك وابن الأنباري: قصر عندهم مقدار الوقت الذي بين موتهم (١) وبعثهم فصار في تقديرهم كالساعة من النهار من هول ما استقبلوه من أمر البعث والقيامة (٢).
وقال آخرون: إنما قصرت عندهم مدة لبثهم في الدنيا لا مدة كونهم في البرزخ، فقوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ أي: في الدنيا إلا ساعة من النهار (٣).
وقوله تعالى: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾، قال ابن عباس (٤)، والضحاك (٥)، ومقاتل (٦): يتعارفون بينهم حين بعثوا من القبور يعرف بعضهم بعضًا كمعرفتهم في الدنيا، ثم تنقطع المعرفة فلا يعرف أحد أحدًا، قال أبو إسحاق: وفي معرفة بعضهم بعضًا وعلم بعضهم بإضلال بعض التوبيخ لهم وإثبات الحجة عليهم (٧)، وزاد ابن الأنباري بيانًا فقال: ﴿يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ بتوبيخ (٨) بعضهم بعضًا، فيقول كل فريق للآخر: أنت أضللتني يوم كذا،
(٢) انظر قول الضحاك في "الوسيط" ٢/ ٥٤٩، "زاد المسير" ٤/ ٣٦، وبمعناه في "بحر العلوم" ٢/ ١٠٠.
(٣) هذا قول آخر للضحاك رواه الثعلبي ٧/ ١٦ أ، والبغوي ٤/ ١٣٥، وهو قول مقاتل ابن سليمان في "تفسيره" ١٤٠ ب، والزمخشري في "كشافه" ٢/ ٢٣٩.
(٤) "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٦ ب، والبغوي ٤/ ١٣٥، والسمرقندي ٢/ ١٠٠، وابن الجوزي ٤/ ٣٦، وقد تبين من "تفسير السمرقندي" أن الأثر من رواية الكلبي ولا يخفى تهافتها.
(٥) "تفسير السمرقندي" ٢/ ١٠٠.
(٦) "تفسير مقاتل" ١٤٠ ب بمعناه.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢.
(٨) في (ج) و (ز): (توبيخ).

وأنت كسّبتني دخول النار بما علمتنيه وزينته لي، فهذا تعارف توبيخ وتعنيف، وتباعد وتقاطع، لا تعارف عطف وإشفاق، ومن هذه الجهة وافق قوله: ﴿وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا﴾ [المعارج: ١٠]، يريد لا يسأله سؤال رحمة وعطف. هذا كلامه (١)، والمفسرون حملوا الآيتين على حالتين فقالوا: يتعارفون إذا بعثوا ثم تنقطع المعرفة، فلذلك لا يسأل حميم حميمًا (٢)، وقال أبو علي: معنى ﴿يَتَعَارَفُونَ﴾ يحتمل أمرين؛ أحدهما: أن يكون المعنى يتعارفون مدة إماتتهم التي وقع حشرهم بعدها، وحذف المفعول للدلالة عليها (٣) كما حذف في مواضع كثيرة، وعدي (تفاعل) (٤) كما عدي فيما أنشد أبو عبيدة (٥):
تخاطأت (٦) النبل أحشاءه
(٢) انظر: "تفسير ابن جرير" ١١/ ١٢٠، والسمرقندي ٢/ ١٠٠، والماوردي ٢/ ٤٣٧، والثعلبي ٧/ ١٦ ب، والبغوي ٤/ ١٣٥، والرازي ١٧/ ١٠٥.
(٣) هكذا في جميع النسخ، والضمير يعود إلى (مدة) إذ هي المفعول، وفي "الحجة" عليه، ومعنى (يتعارفون مدة إماتتهم) أي: يسأل بعضهم بعضًا كم لبثتم في القبور.
(٤) يعني وزن: تعارف.
(٥) "مجاز القرآن" ٢/ ٥، ونسبه إلى أوفى بن مطر المازني، وهو صدر بيت عجزه:
وأُخِّر يومي فلم يُعجل
وانظر: "سمط اللآلي" ١/ ٤٦٥، "شرح أبيات المغني" ٧/ ٤١، "اللسان" (خطأ) ٢/ ١١٩٣.
(٦) في (ح) و (ز) و (ص): (تخطأت)، وهو موافق لرواية "لسان العرب"، وما أثبته من (ى) و (م) موافق لرواية أبي عبيدة في "مجاز القرآن" وبقية المصادر، ومعنى تخاطأت: أخطأت، كما في "شرح أبيات المغني"، الموضع السابق.

أو يكون أعمل الفعل الذي دلّ عليه (يتعارفون)؛ ألا ترى أنه دل علي يستعلمون ويتعرفون، وتعرّفوا مدة اللبث هاهنا، كما تعّرفوها (١) [في قوله: ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ﴾ [المؤمنون: ١١٢] الآية، والآخر في التعارف: بما جاء في قوله: ﴿فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ] (٢) يَتَسَاءَلُونَ (٥٠) قَالَ قَائِلٌ﴾ [الصافات: ٥٠، ٥١]، وقال في موضع آخر ﴿قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا﴾ (٣) [الطور: ٢٦] الآية، وتعرّفهم يكون على أحد هذين الوجهين (٤)، وذكر (٥) تقدير الآية فقال: يحتمل قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ ثلاثة أوجه:
أحدها: أن يكون صفة لليوم، ويكون التقدير: كأن لم يلبثوا قبله إلا ساعة، فحذفت الكلمة لدلالة المعنى علمها، ومثله قوله: ﴿فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [الطلاق: ٢] أي أمسكوهن قبله، وكذلك قوله: ﴿فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ﴾ [البقرة: ٢٢٦] أي قبل انقضاء الأربعة الأشهر، ويجوز أن يكون على هذا التقدير حذف (قبل) الذي هو مضاف إلى الهاء، وأقيم المضاف إليه مقامه ثم حذفت الهاء من الصفة، كقولك: الناس رجلان رجل أكرمت ورجل أهنت، ومثل هذا قوله: ﴿تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ [الشورى: ٢٢] والتقدير: وجزاؤه واقع بهم، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه.
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ز).
(٣) وقد ذكر أبو علي الآية بتمامها والآية التي قبلها.
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٣٠٢.
(٥) يعني أبا علي الفارسي.

الوجه الثاني: أن تجعله صفة للمصدر على تقدير: ويوم نحشرهم حشرًا (١) كأن لم يلبثوا قبله، ثم فُعِلَ بـ (قبله) ما ذكرنا في الوجه الأول.
الوجه الثالث: أن تجعله حالاً من الضمير المنصوب في ﴿نَحْشُرُهُمْ﴾ والمعنى: نحشرهم مشابهةً أحوالُهم أحوال من لم يلبث إلا ساعة، وأما (يوم) فإنه يصلح أن يكون معمولًا لأحد شيئين؛ أحدهما: أن يكون معمول ﴿يَتَعَارَفُونَ﴾، وينتصب على وجهين؛ أحدهما: أن يكون ظرفًا معناه: يتعارفون في هذا اليوم، والآخر: أن يكون مفعولًا على السعة على:
يا سارقَ الليلةَ أهلِ الدار (٢)
وأهل الدار ما سرقوا وإنما سرق منهم، ولكن جعلوا مفعولًا على السعة، كذلك هاهنا تعارفوا في اليوم فجعل اليوم مفعولًا على السعة، والآخر (٣): أن يكون ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ﴾ معمول ما دلّ عليه قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ ألا ترى أن المعنى: تشابه أحوالهم أحوال من لم يلبث، فيعمل في الظرف هذا المعنى، ولا يمنع المعنى من أن يعمل في الظرف وإن تقدم الظرف عليه، كقولهم: أكلَّ يوم لك ثوب؟ غير أن هذا الوجه ضعيف؛ لأن قوله: ﴿كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا﴾ لا يخلو من أن يكون على أحد (٤) الأوجه الثلاثة التي
(٢) رجز مجهول القائل وهو من شواهد سيبويه في "الكتاب" ١/ ١٧٥، وانظره بلا نسبة في: "خزانة الأدب" ٣/ ١٠٨، "شرح ديوان الحماسة" للمرزوقي ص ٦٥٥، "المحتسب" ٢/ ٢٩٥.
(٣) يعني الوجه الثاني في العامل في (يوم).
(٤) في (ح) و (ز): (احدى).

ذكرنا، فإن جعلته صفة المصدر لم يجز أن يعمل في (يوم)؛ لأن الصفة لا يتقدم عليها ما تعمل فيه، وإن جعلته صفة لليوم فالصفة لا تعمل في [الموصوف كما أن الصلة لا تعمل في] (١) الموصول؛ لأنها بعضه، وإنْ قدرته تقدير الحال على ما ذكرنا لم يجز أن يكون (يوم) معمولًا له؛ لأن العامل [في الحال] (٢) (نحشر) و (نحشر) قد أضيف اليوم إليه فلا يجوز أن يعمل في المضاف المضاف إليه، ولا ما يتعلق بالمضاف إليه؛ لأن ذلك يوجب تقديمه على المضاف، فلهذا (٣) قلنا: إن هذا الوجه ضعيف (٤).
وقوله تعالى: ﴿قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقَاءِ اللَّهِ﴾، قال المفسرون: خسر ثواب الجنة الذين كذبوا بالبعث (٥).
قال ابن الأنباري: ووجه اتصال خسرانهم بتعارفهم هو أن الله -عز وجل- لما ذكر البعث وذكر ما يصير إليه أحوال المبعوثين، وصله بتخسير المكذبين بالبعث (٦)، وهذا معنى قول أبي إسحاق: يجوز أن يكون هذا إعلامًا من الله عز وجل -بعد أن بين أمر البعث- أنه من كذب به فقد خسر (٧).
قال أبو بكر: وفيه قول (٨) آخر: قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله في
(٢) ما بين المعقوفين ساقط من (ح) و (ز).
(٣) في (ح): (فلذلك).
(٤) "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٣٠٠ - ٣٠٤ بتصرف واختصار، وإضافة بعض الجمل.
(٥) انظر: "زاد المسير" ٤/ ٣٦، "الوسيط" ٢/ ٥٤٩، وبنحوه في "تفسير ابن جرير" ١١/ ١٢٠.
(٦) لم أجده.
(٧) "معاني القرآن وإعرابه" ٣/ ٢٢.
(٨) فى (ى): (وجه).