آيات من القرآن الكريم

وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ ۖ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ
ﰈﰉﰊﰋﰌﰍﰎﰏﰐﰑﰒﰓﰔﰕﰖﰗ

وهذه آية تضع الاطمئنان في قلب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فلم يَقُل الله سبحانه: «إذا كذَّبوك» بل قال: ﴿إِن كَذَّبُوكَ﴾ [يونس: ٤١] وشاء الحق سبحانه أن يأتي بالتكذيب في مقام الشك، وأتبع ذلك بقوله للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ [يونس: ٤١] أي: أبْلِغْهم: أنا لا أريد أن أحْمِلكم على ما أعمل أنا، إنما أريد لكم الخير في أن تعملوا الخير، فإن لم تعملوا الخير؛ فهذا لن يؤثر في حصيلتي من عملي.
وبذلك يتضح لنا أن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لا يُجازَى على عدد المؤمنين به، بل بأداء البلاغ كما شاءه الله سبحانه.
وقد شاء الحق سبحانه أن ينقل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الخير إلى أمته، فإن ظلوا على الشر؛ فهذا الشر لن يناله لأن خير البلاغ بالمنهج يعطيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خيراً، لأنه يطبِّقه على نفسه، وشر الذين لا يتبعونه إنما يعود عليهم؛ لأن الذين يتأبون على الاستجابة لأي داعٍ إنما يظنون أن الداعي سوف يستفيد.
والبلاغ عن الله، إنما يطبقه الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ منهجاً وسلوكاً

صفحة رقم 5951

ويُجازَى عليه.
فلا يجوز الخلط في تلك المسائل ﴿لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ﴾ [يونس: ٤١].
ثم يقول الحق سبحانه على لسان رسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: ﴿أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١].
وكلمة ﴿برياء﴾ تفيد أن هناك ذنباً، وهذا القول الحق فيه مجاراة للخصوم، وشاء الحق سبحانه أن يُعلِّم رسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين أدب الحوار والمناقشة، فيقول: ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ [سبأ: ٢٤].
أي: أننا الرسول ومعه المؤمنون وأنتم أيها الكافرون إما على هدى، أو في ضلال. والرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ موقن أنه على هدى وأن الكافرين على الضلال، ولكنه يجاريهم؛ عدالة منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ومجاراة لهم.
كذلك يعلِّمه ربه سبحانه أن يقول: ﴿قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا﴾ [سبأ: ٢٥].
أي: أنه يبين لهم: هَبُوا أنِّي أجرمتُ فأنتم لن تُسألوا عن إجرامي، ومن أدب الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ شاء له الحق سبحانه أن يقول: ﴿وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [سبأ: ٢٥].
ولم يقل: «ولا نُسأل عما تُجرمون». وكذلك شاء الحق سبحانه أن تأتي هنا في هذه الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها: ﴿أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١].

صفحة رقم 5952

ويقول الحق سبحانه بعد ذلك: ﴿وَمِنْهُمْ مَّن يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ﴾

صفحة رقم 5953
تفسير الشعراوي
عرض الكتاب
المؤلف
محمد متولي الشعراوي
الناشر
مطابع أخبار اليوم
سنة النشر
1991
عدد الأجزاء
20
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية