
والأصنام، وانقطع ما كان بينهم من التواصل في الدنيا، وذلك حين يتبرأ كل معبود من دون الله ممن عبده (١)، وهو قوله تعالى: ﴿وَقَالَ شُرَكَاؤُهُمْ مَا كُنْتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ﴾، قال ابن عباس: أنكروا عبادتهم (٢).
قال مجاهد: يقول ذلك كل شيء يعبدون من دون الله يعني أن الله تعالي ينطق الأوثان فتقول: ما كنا نشعر بأنكم إيانا تعبدون (٣).
٢٩ - قوله تعالى: ﴿فَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ﴾ الآية، هذا من كلام معبوديهم (٤)، لما تبرؤوا منهم قالوا: يشهد الله على علمه فينا ما كنا عن عبادتكم إلا غافلين؛ لأنه لم يكن فينا روح وما كنا نسمع ولا نبصر، وقوله تعالى: ﴿إِنْ كُنَّا﴾ (إن) هاهنا هي المخففة من الثقيلة، ودليله إلحاق اللام في الخبر للفرق بين (إن) الجحد و (إن) المؤكدة، والتقدير: إنا (٥) كنا عن عبادتكم لغافلين، ثم خففت وحذف الضمير، كقوله:
إن هالك كل من يحفى وينتعل (٦)
وقد ذكرنا نظائر هذا فيما تقدم.
٣٠ - قوله تعالى: ﴿هُنَالِكَ﴾، قال أبو إسحاق: (هنالك) (٧) ظرف،
(٢) ذكره المؤلف في "الوسيط" ٢/ ٥٤٦، وبنحوه ابن الجوزي في "زاد المسير" ٤/ ٢٧.
(٣) هذا معنى أثر طويل عن مجاهد، رواه ابن جرير ١١/ ١١١، وابن أبي حاتم ٦/ ١٩٤٨، وابن أبي شيبة وابن المنذر وأبو الشيخ كما في "الدر المنثور" ٣/ ٥٥٠.
(٤) في (ح) و (ز) و (ص): (معبودهم)، وهو خطأ.
(٥) في (ح) و (ز) و (ص): (إن)، وهو خطأ.
(٦) سبق تخريجه.
(٧) ساقط من (ح).

المعنى: في ذلك الوقت، و (هنا) غير متمكن، واللام زائدة، وكسرت لالتقاء الساكنين (١).
قال صاحب النظم: ويجوز أن يكون معنى ﴿هُنَالِكَ﴾ هاهنا (٢): الإشارة إلى محل؛ لأن ما ذكر الله تعالى من هذه القصة لا يكون إلا في محل، وقد أحكمنا الكلام في هذا الفصل عند قوله: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّه﴾ [آل عمران: ٣٨].
قوله تعالى: ﴿تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ﴾، قال ابن عباس والمفسرون: أي (٣) تختبر (٤)، والبَلْو: الاختبار (٥)، ومنه قوله: ﴿وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ﴾ [الأعراف: ١٦٨]، ويقال: [البلاء ثم] (٦) الثناء أي: الاختبار ينبغي أن يكون قبل الثناء [ليكون الثناء] (٧) على علم بما يوجبه، ومعنى اختبارها ما أسلفت: أنه إن قدم خيرًا أو شرًا جوزي عليه فيختبر الخير ويجد ثوابه، ويختبر الشر ويجد عقابه، ولهذا قيل في التفسير في قوله: (تبلو) تعلم (٨)؛ لأن الاختبار سبب العلم.
(٢) يعني في هذه الاَية.
(٣) في (ح) و (ز): (كي)، واللفظ ساقط من (ى).
(٤) انظر: "تفسير ابن جرير" ١١/ ١١٢ - ١١٣، والثعلبي ٧/ ١٤ أ، والبغوي ٤/ ١٣١، ولم أجده من ذكره عن ابن عباس.
(٥) في "لسان العرب" (بلا) ١/ ٣٨٠: بلوت الرجل بلوًا وبلاءً وابتليته: اختبرته.
(٦) و (٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ى).
(٨) رواه الفيروزأبادي في "تنوير المقباس" ص ٢١٢، عن ابن عباس، ونسبه القرطبي في "تفسيره" ٨/ ٣٣٤ إلي الكلبي، وانظر: "تفسير الثعلبي" ٧/ ١٤ أ.

وقرئ (تَتُلُو) بتاءين (١)، ومعناه: تقرأ، كذلك قال الأخفش (٢)، والفراء (٣)، وغيرهما (٤)، ومعناه تقرأ كتابها، وما كتب من أعماله (٥) التي قدمها كقوله: ﴿فَأُولَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ﴾ [الإسراء: ٧١].
قال الزجاج: وفسروه أيضاً تتبع كل نفس ما أسلفت (٦)، من حسنة وسيئة، ومعنى أسلفت: قدمت.
وقوله تعالى: ﴿وَرُدُّوا إِلَى اللَّهِ﴾، الرد في اللغة الرجع إلى الشيء بعد الذهاب عنه، وهؤلاء ذهبوا عن أمر الله فأعيدوا إليه.
[وقوله تعالى] (٧): ﴿مَوْلَاهُمُ﴾ أي: الذي يملك تولي أمرهم.
(٢) انظر قول الأخفش في: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ١٧، "معاني القرآن" للنحاس ٣/ ٢٩٢، "حجة القراءات" ص ٣٣١، وفسرها الأخفش في كتابه "معاني القرآن" ١/ ٣٧٣ بقوله: تتبعه
(٣) "معاني القرآن" ١/ ٤٦٣.
(٤) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" للزجاج ٣/ ١٧، "الحجة للقراء السبعة" ٤/ ٢٧١، "الحجة في القراءات" ص ١٨١.
(٥) في (ى): (أعمالها)، أما الضمير التالي ففي جميع النسخ بالتذكير، وقد أعاد الضمير على مذكر باعتبار المعنى؛ لأن النفس يراد بها الإنسان.
(٦) اهـ. كلام الزجاج كما في "معاني القرآن واعرابه" ٣/ ١٧، والجدير بالذكر أن لهذا الكتاب نسخًا متفاوتة، يزيد بعضها على بعض كما بينه الأزهري في مقدمة كتابه "تهذيب اللغة" ١/ ٤٦ - ٤٧، فلعل بقية القول من نسخة أخرى، أو من توضيح الواحدي وزيادته كما هي عادته في عدم التقيد باللفظ في النقل.
(٧) ما بين المعقوفين بياض في (م).