آيات من القرآن الكريم

وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللَّهُ ۚ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ
ﭭﭮﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅ ﮇﮈﮉﮊﮋﮌﮍﮎﮏﮐﮑﮒ

(وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي وإن يردك ربك برخاء ونعمة وعافية فلا يقدر أحد أن يحول بينك وبين فضله الذي تعلقت به إرادته تعالى، فما شاء كان حتما، فلا يرجى خير ونفع إلا من فضله، ولا يخاف ردّ ما يريده. فهو يصيب بالخير من يشاء من عباده بكسب أو بغير كسب، وبسبب ما قدّره فى السنن العامة وبغير سبب، ففضله تعالى على عباده عام بعموم رحمته، بخلاف الضر فإنه لا يقع إلا بسبب من الأسباب الخاصة بكسب العبد أو العامة فى نظام الخلق كالأمراض التي تعرض بترك أسباب الصحة والوقاية جهلا أو تقصيرا، وفساد العمران وسقوط الدول الذي يقع بترك العدل وكثرة الظلم.
(وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) أي وهو الغفور لذنوب من تاب وأناب من عباده من كفره وشركه إلى الإيمان به وطاعته، الرحيم بمن آمن به منهم فلا يعذبه بعد التوبة، ولولا مغفرته الواسعة ورحمته العامة لأهلك الناس جميعا بذنوبهم فى الدنيا قبل الآخرة كما قال تعالى: «وَلَوْ يُؤاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِما كَسَبُوا ما تَرَكَ عَلى ظَهْرِها مِنْ دَابَّةٍ» وقال: «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ».
[سورة يونس (١٠) : الآيات ١٠٨ الى ١٠٩]
قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ (١٠٨) وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ (١٠٩)
المعنى الجملي
بعد أن قرر سبحانه دلائل التوحيد والنبوة والمعاد- ختم السورة بهذا البلاغ للناس كافة بمقتضى البعثة العامة، وهو إجمال لما تقدم من التفصيل فيها.

صفحة رقم 164

الإيضاح
(قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ) أي قل لهم أيها الرسول مخاطبا جميع الناس، من حضر منهم فسمع هذه الدعوة منك ومن ستبلغه عنك. قد جاءكم الحق المبيّن لحقيقة هذا الدين، وقد أوحى به إلى رجل منكم، وكان خفيا عنكم بما جهل من دعوة الرسل السالفين أو حرّف وبدل، ففصّله هذا الكتاب العربي المبين.
(فَمَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ) أي فمن سلك سبيل الحق وصدّق بما جاء من عند الله فى كتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فإنما فائدة ذلك عائدة إليه، لأنه يفوز بالسعادة فى دنياه ودينه، وذلك إنما يكون بعمله لا بعمل غيره، ولا بتأثيره بشفاعته أو وساطته.
(وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها) أي ومن اعوجّ عن الحق الذي أتاه من عند الله وأعرض عن كتابه وعن آياته فى الأنفس والآفاق، فإنما وبال ضلاله على نفسه، بما يفوته من فوائد الاهتداء فى الدنيا، وما يصيبه من العذاب على كفره وجرائمه فى الآخرة (وَما أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) أي وما أنا بموكّل من عند الله بأموركم، ولا بمسيطر عليكم، فأكرهكم على الإيمان، وأمنعكم بقوتي من الكفر والعصيان، ولا أملك لكم ضرا ولا نفعا، وما أنا إلا رسول مبلغ إليكم أمر ربكم، بشير لمن اهتدى، ونذير لمن ضل وغوى، وقد أعذر من أنذر.
(وَاتَّبِعْ ما يُوحى إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ) أي واتبع أيها الرسول وحي الله الذي أنزله إليك فى كتابه، واعمل به وعلّمه أمتك، واصبر على ما يصيبك من الأذى والمكاره وعلى ما ينالك من قومك، حتى يقضى الله بينك وبين المكذبين لك، وينجز لك ما وعدك.

صفحة رقم 165

(وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ) أي وهو خير القاضين، وأعدل الفاصلين، فهو لا يحكم إلا بالحق، وغيره قد يحكم بالباطل، إما لجهله بالحق أو مخالفته له باتباع الهوى، وقد امتثل رسوله أمر ربه، وصبر حتى حكم الله بينه وبين قومه، وأنجز وعده له ﷺ ولمن اتبعه من المؤمنين، فاستخلفهم فى الأرض، وجعلهم الأئمة الوارثين ما أقاموا الدين.
وغير خاف ما فى هذه الآيات من التسلية لنبيه ووعده للمؤمنين ووعيده للكافرين.

صفحة رقم 166
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية