آيات من القرآن الكريم

سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ
ﮮﮯﮰﮱ ﯔﯕﯖ ﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟ ﯡﯢﯣ ﯥﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟﭠﭡ ﭣﭤﭥ ﭧﭨ ﭪﭫ ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ

وقرأ ابن الزبير: علم الخط بالقلم.
[سورة العلق (٩٦) : الآيات ٦ الى ١٩]
كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠)
أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥)
ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩)
كَلَّا ردع لمن كفر بنعمة الله عليه بطغيانه، وإن لم يذكر لدلالة الكلام عليه أَنْ رَآهُ أن رأى نفسه. يقال في أفعال القلوب: رأيتنى وعلمتني، وذلك بعض خصائصها. ومعنى الرؤية: العلم، ولو كانت بمعنى الإبصار لامتنع في فعلها الجمع بين الضميرين. واسْتَغْنى هو المفعول الثاني إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى
واقع على طريقة الالتفات إلى الإنسان، تهديدا له وتحذيرا من عاقبة الطغيان. والرجعى: مصدر كالبشرى بمعنى الرجوع. وقيل: نزلت في أبى جهل، وكذلك أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى وروى أنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: أتزعم أن من استغنى طغى، فاجعل لنا جبال مكة فضة وذهبا، لعلنا نأخذ منها فنطغى فندع ديننا ونتبع دينك، فنزل جبريل فقال: إن شئت فعلنا ذلك، ثم إن لم يؤمنوا فعلنا بهم ما فعلنا بأصحاب المائدة، فكف رسول الله ﷺ عن الدعاة إبقاء عليهم «١». وروى عنه لعنه الله أنه قال: هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ قالوا: نعم. قال: فو الذي يحلف به، لئن رأيته توطأت عنقه، فجاءه ثم نكص على عقبيه، فقالوا له: مالك يا أبا الحكم، فقال: إن بيني وبينه لخندقا من نار وهو لا وأجنحة، فنزلت أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى ومعناه: أخبرنى عمن ينهى بعض عباد الله عن صلاته إن كان ذلك الناهي على طريقة سديدة فيما ينهى عنه من عبادة الله. أو كان آمرا بالمعروف والتقوى فيما بأمر به من عبادة الأوثان كما يعتقد، وكذلك إن كان على التكذيب للحق والتولي عن الدين الصحيح، كما نقول نحن أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى

(١). لم أجده. قلت: وآخره تقدم في الاسراء بغير هذا السياق. [.....]

صفحة رقم 777

ويطلع على أحواله من هداه وضلاله، فيجازيه على حسب ذلك. وهذا وعيد. فإن قلت:
ما متعلق أرأيت؟ قلت: الذي ينهى مع الجملة الشرطية، وهما في موضع المفعولين. فإن قلت:
فأين جواب الشرط؟ قلت: هو محذوف، تقديره: إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى، ألم يعلم بأن الله يرى. وإنما حذف لدلالة ذكره في جواب الشرط الثاني. فإن قلت: فكيف صح أن يكون أَلَمْ يَعْلَمْ جوابا للشرط؟ قلت: كما صح في قولك: إن أكرمتك أتكرمني؟ وإن أحسن إليك زيد هل تحسن إليه؟ فإن قلت: فما أرأيت الثانية وتوسطها بين مفعول أرأيت؟
قلت: هي زائدة مكرّرة للتوكيد. وعن الحسن أنه أمية بن خلف كان ينهى سلمان عن الصلاة كَلَّا ردع لأبى جهل وخسوء له عن نهيه عن عبادة الله تعالى وأمره بعبادة اللات، ثم قال لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ عما هو فيه لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ لنأخذن بناصيته ولنسحبنه بها إلى النار.
والسفع: القبض على الشيء وجذبه بشدّة. قال عمرو بن معديكرب:

قوم إذا يقع الصّريخ رأيتهم من بين ملجم مهره أو سافع «١»
وقرئ: لنسفعنّ، بالنون المشدّدة. وقرأ ابن مسعود، لأسفعا. وكتبتها في المصحف بالألف على حكم الوقف، ولما علم أنها ناصية المذكور: اكتفى بلام العهد عن الإضافة ناصِيَةٍ بدل من الناصية، وجاز بدلها عن المعرفة، وهي نكرة، لأنها وصفت فاستقلت بفائدة. وقرئ: ناصية، على: هي ناصية. وناصية بالنصب. وكلاهما على الشتم.
ووصفها بالكذب والخطأ على الإسناد المجازى. وهما في الحقيقة لصاحبها. وفيه من الحسن والجزالة ما ليس في قولك: ناصية كاذب خاطئ. والنادي: المجلس الذي ينتدى فيه القوم. أى يجتمعون. والمراد: أهل النادي. كما قال جرير:
لهم مجلس صهب السّبال أذلّة «٢»
(١). لحميد بن ثور الهلالي الصحابي، أى: هم قوم إذا نفع الصريخ، أى: ارتفع الصياح للحرب أسرعوا إليها فتراهم دائرين بين ملجم مهره وسافع، أى: قابض بناصية مهره، ويجذبه إليه بسرعة. ومن زائدة، ولو كانت في الإثبات. وأو بمعنى الواو. ويروى: إذا يقع بالياء، أى: يحصل. ويروى: إذا هتف، أى: صاح، فيكون كجد جده. ويجوز أن الصريخ بمعنى الصارخ. ويروى: إذا سمعوا الصريخ فهو مفعول. ويروى: ما بين ملجم.
وهذا مما يؤيد أن «من» في تلك الرواية زائدة.
(٢).
لهم مجلس صهب السبال أذلة على من يعاديهم أشداء فاعلم
يقول: لهم مجلس يجتمعون فيه. أو لهم قوم مجتمعون جالسون، ولا ترى ذلك إلا في الرؤساء الأشراف. وصهب للسبال: صفة لمرجع الضمير في لهم على الأول، وصفة لمجلس على الثاني، لأنه بمعنى الجالسين. والصهبة: حمرة ترهق السواد. والصهب: جمع أصهب. والسال: طرف الشارب جانب الفم، وتلك الصهبة من خواص الروم، وهو كناية عن الغلظة والشدة، وأذلة: أى فيما بينهم أشداء على من يعاديهم. وقدم المعمول للحصر، فاعلم ذلك وتيقنه فهو حق. ويروى بدل الشطر الثاني:
سواسية أحرارها وعبيدها
وسواسية كطواعية جمع سواء على غير قياس. وقيل: اسم جمع بمعنى مستوين. يعنى: أنهم مستوون في الشرف وكمال الأخلاق، ولولا مقام المدح لكان من قبيل التوجيه، لاحتماله لوجه الذم أيضا. وأما إن قرئ بالكسر والتشديد، فهو منسوب السواس وهو التمرين على حسن السير، يعنى أن جميعهم رؤساء، ولكن الأول أوجه. ومنه الحديث: «الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمى إلا بالتقوى» كما في ترجمة شرح القاموس.

صفحة رقم 778

وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم
والمقامة: المجلس. روى أن أبا جهل من برسول الله ﷺ وهو يصلى فقال: ألم أنهك؟ فأغلظ له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أتهدّدنى وأنا أكثر أهل الوادي ناديا «١»، فنزلت. وقرأ ابن أبى عبلة: سيدعى الزبانية، على البغاء للمفعول، والزبانية في كلام العرب: الشرط، الواحد: زبنية، كعفرية، من الزبن: وهو الدفع. وقيل: زبنى، وكأنه نسب إلى الزبن، ثم غير للنسب، كقولهم أمسى، وأصله: زبانى، فقيل. زبانية على التعويض، والمراد: ملائكة العذاب. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو دعا ناديه لأخذته الزبانية عيانا «٢» » كَلَّا ردع لأبى جهل لا تُطِعْهُ أى اثبت على ما أنت عليه من عصيانه، كقوله فَلا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ. وَاسْجُدْ ودم على سجودك، يريد: الصلاة وَاقْتَرِبْ وتقرّب إلى ربك. وفي الحديث: «أقرب ما يكون العبد إلى ربه إذا سجد» «٣».
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، «من قرأ سورة العلق أعطى من الأجر كأنما قرأ المفصل كله «٤» »

(١). أخرجه الطبري وابن مردويه بهذا وأتم منه. وهو عند الترمذي والنسائي والحاكم وأحمد وابن أبى شيبة والبزار كلهم من رواية أبى خالد الأحمر عن داود بن أبى هند عن عكرمة عن ابن عباس رضى الله عنهما. قلت:
وأصله في صحيح البخاري.
(٢). أخرجه البخاري والنسائي من رواية معمر عن عبد الكريم الحريري عن عكرمة عن ابن عباس به. وهو الذي قبله من قول ابن عباس رضى الله عنهما.
(٣). أخرجه مسلم من حديث أبى هريرة بلفظ «وهو ساجد».
(٤). أخرجه الثعلبي والواحدي وابن مردويه بأسانيدهم إلى أبى بن كعب.

صفحة رقم 779
الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل
عرض الكتاب
المؤلف
محمود بن عمر بن محمد بن أحمد الخوارزمي الزمخشريّ، جار الله، أبو القاسم
الناشر
دار الكتاب العربي - بيروت
الطبعة
الثالثة - 1407 ه
عدد الأجزاء
4
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية