(٣) كثرة النعم على عبد ليست دليلا على إكرام الله له، ولا البلاء دليلا على إهانته وخذلانه.
(٤) وصف يوم القيامة وما فيه من أهوال.
(٥) تمنى الأشقياء العودة إلى الدنيا.
(٦) كرامة النفوس الراضية المرضية، وما تلقاه من النعيم بجوار ربها.
سورة البلد
هى مكية، وآياتها عشرون، نزلت بعد سورة ق.
ومناسبتها لما قبلها:
(١) أنه ذم فى الأولى من أحب المال وأكل التراث ولم يحضّ على طعام المسكين، وذكر هنا الخصال التي تطلب من صاحب المال من فك الرقبة، والإطعام فى يوم المسبغة.
(٢) ذكر هناك حال النفس المطمئنة، وذكر هنا ما يكون به الاطمئنان.
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ١ الى ٤]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ (١) وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ (٢) وَوالِدٍ وَما وَلَدَ (٣) لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ (٤)
شرح المفردات
البلد: مكة، حلّ: أي حالّ مقيم فيه، ووالد وما ولد: أي وأىّ والد وأىّ مولود من الإنسان والحيوان والنبات، والكبد: المشقة والتعب، قال لبيد يرثى أخاه أربد:
يا عين هل رأيت أربد إذ
قمنا وقام الخصوم فى كبد
صفحة رقم 155
الإيضاح
(لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ) تقدّم أن قلنا إن مثل هذا التعبير قسم مؤكد فى كلام العرب، وقد أقسم ربنا بمكة التي شرفها فجعلها حرما آمنا، وجعل فيها البيت الحرام مثابة للناس يرجعون إليه ويعاودون زيارته كلما دعاهم إليه الشوق، وجعل فيه الكعبة قبلة لأهل المشرق والمغرب، وأمر بالتوجه إليها فى الصلوات التي تكرر كل يوم فقال: «وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ».
(وَأَنْتَ حِلٌّ بِهذَا الْبَلَدِ) أي وأنت مقيم بهذا البلد حالّ فيه، وكأنه سبحانه جعل من أسباب شرف مكة وعظمتها كونه ﷺ مقيما فيه، ولا شك أن الأمكنة تشرف بشرف ساكنيها، والنازلين بها.
وأتى بهذه الجملة ليفيد أن مكة جليلة القدر فى كل حال حتى فى الحال التي لم يراع أهلها فى معاملتك تلك الحرمة التي خصها الله بها.
وفى هذا إيقاظ وتنبيه لهم من غفلتهم، وتقريع على حط منزلة بلدهم.
(وَوالِدٍ وَما وَلَدَ) أي وكل والد وكل مولود من الإنسان وغيره.
وفى القسم بهذا لفت لأنظارنا إلى رفعة قدر هذا الطور من أطوار الوجود وهو طور التوالد، وإلى ما فيه من بالغ الحكمة وإتقان الصنع، وإلى ما يعانيه كل من الوالد والمولود فى إبداء النشء، وتبليغ الناشئ وإبلاغه حده من النمو المقدّر له.
انظر إلى البذرة فى أطوار نموها، كم تعانى من اختلاف الأجواء، ومحاولة امتصاص الغذاء مما حولها من العناصر إلى أن تستقيم شجرة ذات فروع وأغصان، وتستعد لأن تلد بذرة أو بذورا أخرى تعمل عملها، وتزين الوجود بجمال منظرها.
وأمر الإنسان والحيوان فى ذلك أعجب وأعظم، والتعب والعناء الذي يلاقيا كل منهما فى سبيل حفظ نوعه، واستبقاء جمال الكون بوجوده أشد وأكبر.
صفحة رقم 156
ثم ذكر المحلوف عليه فقال:
(لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي كَبَدٍ) أي إنه تعالى جعل حياة الإنسان سلسلة متصلة الجهاد، مبتدئة بالمشقة، منتهية بها فهو لا يزال يقاسى من ضروبها ما يقاسى منذ نشأته فى بطن أمه إلى أن يصير رجلا، وكلما كبر ازدادت أتعابه وآلامه، فهو يحتاج إلى تحصيل أرزاقه وتربية أولاده، وإلى مقارعة الخطوب والنوازل، ومصابرة النفس على الطاعة والخضوع للواحد المعبود. ثم بعد هذا كله يمرض ويموت، ويلاقى فى قبره وفى آخرته من المشاقّ والمتاعب، ما لا يقدر عليه إلا يتيسير الله سبحانه.
والسر فى التنبيه إلى أن الإنسان قد خلق فى عناء- الرغبة فى تسلية رسوله صلى الله عليه وسلم، وحضه على عمل الخير والمثابرة عليه، وألا يعبأ بما يلاقيه من الشدائد والمشاقّ، وأن ذلك لا يخلو منه إنسان.
إلى ما فيه من تنبيه المغرورين الذين يشعرون بالقوة فى أنفسهم، ويظنون أنهم بها يستطيعون مصارعة الأقران، وكأنه يقول لهم: لا تتمادوا فى غروركم، ولا تستمروا على صلفكم وكبريائكم، فإن الإنسان لا يخلو من العناء فى تصريف شئونه وشئون ذويه، ومهما عظمت منزلته، وقويت شكيمته. فهو لا يستطيع الخلاص من مشاقّ الحياة.
وقد جمع سبحانه بين البلد المعظم والوالد والولد، ليشير إلى أن مكة على ما بها من عمل أهلها ستلد مولودا عظيما يكون إكليلا لمجد النوع الإنسانى وشرفه، وهو دين الإسلام الذي جاء به محمد عليه الصلاة والسلام وأن العناء الذي يلاقيه إنما هو العناء الذي يصيب الوالد فى تربية ولده، والمولود فى بلوغ الغاية فى سبيل نموه إلى ما فيه من الوعد بإتمام نوره ولو كره الكافرون.