آيات من القرآن الكريم

وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ
ﮣﮤﮥﮦ ﮨﮩ ﮫﮬ ﮮﮯﮰ ﯓﯔﯕﯖ ﯘﯙ ﯛﯜﯝﯞﯟﯠ ﯢﯣﯤ ﯦﯧﯨﯩ ﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲﯳ ﯵﯶﯷ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﭘﭙﭚ

وللَّه أن يقسم بما يشاء من مخلوقاته لتعظيمها، والمراد تعظيم البلد الحرام المشتمل على البيت العتيق، وكونه بلد إسماعيل ومحمد عليهما الصلاة والسلام، ووجود مناسك الحج فيه ومنشأ كل بركة وخير، وتظل الحرمة لهذا البلد، وإن اعتقد كفار مكة أن محمدا صلّى اللَّه عليه وسلّم حلال لهم، لا حرمة له.
والقسم بالوالد والولد ونسلهم لأنهم أعجب ما خلق اللَّه تعالى على وجه الأرض لما فيهم من التّبيان والنطق والتدبير، وفيهم الأنبياء والدّعاة إلى اللَّه تعالى.
٢- وبخ اللَّه تعالى الإنسان على بعض الأفكار والاعتقادات والتصورات، كظنه ألا قدرة لأحد عليه، وإنفاقه المال الكثير مراءاة، أو مضايقة من أداء الواجبات المالية الخيرية، وجهله بأن اللَّه عالم به مطلع على جميع أقواله وأفعاله، وسائله عن ماله من أين كسبه، وفي أي شيء أنفقه؟
إن اللَّه قادر على كل شيء من الإنسان والحيوان والجماد والنبات، عالم بقصد كل إنسان حين ينفق ما ينفق رياء وافتخارا وحبا للانتساب إلى المعالي والمكارم، أو معاداة لرسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، ويرى كل أحد فيما يعمل ويجني ويكتسب وينفق.
مبدأ الاختيار وطريق النجاة في الآخرة
[سورة البلد (٩٠) : الآيات ٨ الى ٢٠]
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (٨) وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ (٩) وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ (١٠) فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (١١) وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ (١٢)
فَكُّ رَقَبَةٍ (١٣) أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (١٤) يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ (١٦) ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (١٧)
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ (١٨) وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ (١٩) عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ (٢٠)

صفحة رقم 247

الإعراب:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ أي لم يقتحم، و (لا) في الماضي مثل (لم) في المستقبل، كقوله تعالى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [القيامة ٧٥/ ٣١] أي لم يصدق ولم يصلّ، وكقول الشاعر أبي خراش الهذلي:

إن تغفر اللهم تغفر جمّا وأي عبد لك لا ألمّا
أي لم يلمّ.
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ، فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً مَا الْعَقَبَةُ:
تقديره: ما اقتحام العقبة، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. وفَكُّ رَقَبَةٍ: خبر مبتدأ محذوف، تقديره: اقتحامها فك رقبة. أَوْ إِطْعامٌ: عطف عليه، ويَتِيماً: مفعول إِطْعامٌ وهو مصدر (أطعم) أي أن أطعم يتيما.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا اسم كان: ضمير مستتر تقديره هو، أي ثم كان مقتحمها من الذين آمنوا. وإنما قال ثُمَّ وإن كان الإيمان مقدما في الرتبة عن العمل لأن ثُمَّ إذا عطفت جملة على جملة لا تفيد الترتيب، بخلاف ما إذا عطفت مفردا على مفرد، فهي ليست هنا للتراخي في الزمان إذ شرط الأعمال الحسنة الإيمان، وإنما التراخي في الذكر والبيان.
البلاغة:
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ؟ استفهام تقريري للتذكير بالنعم، أي جعلنا له، وفيه مراعاة الفواصل.
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ؟ الاستفهام للتهويل والتعظيم. والْعَقَبَةُ: استعارة تبعية لهذا العمل الشاق على النفس من حيث هو بذل مال، تشبيه بعقبة الجبل: وهو ما صعب منه، أي أن العقبة: الطريق الوعر في الجبل، أستعير للأعمال الصالحة ذات المشقة.
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ استعارة، استعار النجدين لطريقي الخير والشر أو السعادة والشقاوة، وأصل النجد: الطريق المرتفع.
مَقْرَبَةٍ ومَتْرَبَةٍ جناس ناقص لتغير بعض الحروف.
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ بينهما مقابلة.

صفحة رقم 248

المفردات اللغوية:
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ يبصر بهما، أي جعلنا له. وَلِساناً يترجم به عما يريد ضميره.
وَشَفَتَيْنِ يستر بهما فاه، ويستعين بهما على النطق والأكل والشرب وغيرها. وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ بينا له طريقي الخير والشر أو السعادة والشقاوة، وأصل النجد: المكان المرتفع.
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ فهلا اجتازها أو دخلها بسرعة وشدة، والعقبة: الطريق الصعب في الجبل.
والمراد: مجاهدة النفس لفعل الخير وترك الشر.
وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ وما أعلمك ما اقتحام العقبة؟ والجملة اعتراضية لتعظيم شأنها أي لم تدر صعوبتها وثوابها. فَكُّ رَقَبَةٍ إعتاقها من الرق، أو المعاونة عليه. ذِي مَسْغَبَةٍ مجاعة. ذا مَقْرَبَةٍ قرابة في النسب. ذا مَتْرَبَةٍ ذا فقر، يقال: ترب فلان: إذا افتقر، أي أصبحت يده ملصقة بالتراب لفقره، والمراد: هم المطروحون على ظهر الطريق قعودا على التراب، لا بيوت لهم. وإنما ذكر الإعتاق والإطعام لما فيهما من مجاهدة النفس.
ثُمَّ عطف على اقْتَحَمَ وثُمَّ للترتيب الذكري لا الزماني، والمعنى: وكان وقت الاقتحام مؤمنا. وَتَواصَوْا أوصى ونصح بعضهم بعضا. بِالصَّبْرِ على الطاعة، وعن المعصية. بِالْمَرْحَمَةِ الرحمة على الناس. أُولئِكَ الموصوفون بهذه الصفات. أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ اليمين، وأصحاب طريق النجاة والسعادة. الْمَشْأَمَةِ الشمال، أصحاب طريق الشقاء.
مُؤْصَدَةٌ مطبقة مغلقة عليهم.
المناسبة:
بعد توبيخ الإنسان وذمه على طبائع غريبة وعجيبة، أقام اللَّه تعالى الدليل على كمال قدرته بخلق الأعين واللسان والشفتين والعقل المميز بين الخير والشر، ومنحه الخيار للإنسان ليثبت ذاتيته، ويتحرر من عبودية أهوائه وشهواته، وليعرف البشر أنه تعالى مصدر لأفضل ما يتمتعون به من البصر والنطق والعقل.
ثم بيّن اللَّه تعالى أنه كان على الإنسان بعدئذ أن يشكر هذه النعم، ويختار طريق الخير والسعادة، فيبادر إلى الإيمان والعمل الصالح، ومنه إعتاق أو تحرير الرقاب، وإطعام الأيتام الأقارب والمساكين المحتاجين، والتواصي بالرحمة على الناس، وأدى اختيار الإنسان بالتالي إلى أن يكون من أحد الفريقين:

صفحة رقم 249

أصحاب اليمين والسعادة ومآلهم إلى الجنة، وأصحاب الشمال والشقاوة ومآلهم إلى النار.
التفسير والبيان:
أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ أي ألم أمنحك أيها الإنسان الجاهل المغرور بقوتك، المرائي بعملك بإنفاق المال طلبا للشهرة والسمعة، أمنحك العينين اللتين تبصر بهما، واللسان الذي تنطق به، والشفتين اللتين تستر بهما ثغرك، وتستعين بهما على الكلام وأكل الطعام، وجمالا لوجهك وفمك، والمراد أنني أنا اللَّه الذي منحتك القدرة على البصر والنطق أو الكلام.
وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ أي ألم نبين لك ونعرفك طريق الخير والشر، فأودعنا في فطرتك السليمة أداة التمييز بينهما، وجعلنا لك من العقل والفكر ما تستطيع به إدراك محاسن الخير، ومفاسد الشر وأبعاد كل منهما. وعبّر عن هذين الطريقين بالنجدين: وهما الطريقان المرتفعان، للدلالة على صعوبتهما وعورتهما، واحتياجهما إلى مجاهدة النفس لعبورهما بشدة وسرعة.
لذا أردفه ببيان وجوب اختيار الأفضل وشكر تلك النعم، فقال تعالى:
فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَما أَدْراكَ مَا الْعَقَبَةُ أي فهلا نشط واخترق الموانع المانعة من طاعة اللَّه، من تسويل النفس واتباع الهوى والشيطان، وهلا جاهد نفسه لاجتياز الطريق الصعب، وأي شيء أعلمك ما اقتحام العقبة؟ استفهام للتفخيم والتعظيم.
ثم أرشد إلى طريق اقتحامها فقال:
فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ أي إن اقتحام العقبة ودخولها يكون بإعتاق الرقبة من العبودية، وتخليصها من إسار الرق، أو المعاونة عليه، أو إطعام في يوم المجاعة الذي يعز

صفحة رقم 250

فيه الطعام اليتيم القريب: وهو الصغير الذي فقد أباه، وكان قريبا في نسبه من المطعم، أو إطعام المسكين المحتاج الذي لا شيء له، ولا قدرة على كسب المال لضعفه وعجزه، كأنه ألصق يده بالتراب، لفقد المال.
فمن حرر الرقبة أو أطعم اليتيم أو المسكين في يوم المجاعة، كان طائعا للَّه، نافعا عباده، فهو من أصحاب اليمين. وهذا مثل ضربه اللَّه تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان.
قال الصاوي على الجلالين: إنما قيّد الإطعام بيوم المجاعة لأن إخراج المال فيه أشد على النفس. وقد يستدل بقوله: أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ للشافعي:
أن المسكين أسوأ حالا من الفقير، وأنه قد يكون بحيث يملك شيئا، وإلا وقع قوله: ذا مَتْرَبَةٍ تكرارا. وقد استدل أبو حنيفة بتقديم العتق على أنه أفضل من الصدقة، وعند بعضهم بالعكس لأن في الصدقة إنقاذ النفس من الهلاك فإن الغذاء قوام البدن، وأما الفك فهو تخليص من القيد في الأغلب.
أخرج أحمد عن عقبة بن عامر أن رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم قال: «من أعتق رقبة مؤمنة، فهي فكاكه من النار».
وأخرج أحمد أيضا عن البراء بن عازب قال: «جاء أعرابي إلى رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم، فقال: يا رسول اللَّه، علّمني عملا يدخلني الجنة، فقال: لئن كنت أقصرت الخطبة لقد أعرضت المسألة، أعتق النّسمة وفكّ الرّقبة، فقال: يا رسول اللَّه، أو ليستا بواحدة؟ قال: لا، إن عتق النسمة:
أن تنفرد بعتقها، وفكّ الرقبة: أن تعين في عتقها»
.
وأخرج أحمد والترمذي والنسائي عن سلمان بن عامر قال: سمعت رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وسلّم يقول: «الصدقة على المسكين صدقة، وعلى ذي الرحم اثنتان:
صدقة وصلة»
.
ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا، وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ، وَتَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ أي قام

صفحة رقم 251

بالأفعال الخيرية السابقة بعد أن آمن باللَّه ورسوله وكتبه واليوم الآخر، فإن هذه القربات إنما تنفع بشرط الإيمان، فكان من جملة المؤمنين العاملين صالحا:
المتواصين بالصبر على أذى، وعلى الرحمة بهم، كما
قال النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم في الحديث الثابت: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء» «١»
وفي الحديث الآخر: «من لا يرحم الناس لا يرحمه اللَّه» «٢».
والصبر يكون أيضا على طاعة اللَّه، وعن المعاصي، وعلى المصائب والبلايا.
والرحمة على عباد اللَّه ترقق القلب، ومن كان رقيق القلب، عطف على اليتيم والمسكين، واستكثر من فعل الخير بالصدقة.
ثم ذكر اللَّه تعالى جزاء هؤلاء مبشرا بهم، فقال:
أُولئِكَ أَصْحابُ الْمَيْمَنَةِ أي أولئك المتصفون بهذه الصفات هم من أصحاب اليمين، وهم أصحاب الجنة، كما قال تعالى: وَأَصْحابُ الْيَمِينِ، ما أَصْحابُ الْيَمِينِ؟ فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ، وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ، وَظِلٍّ مَمْدُودٍ، وَماءٍ مَسْكُوبٍ، وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ، لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ، وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة ٥٦/ ٢٧- ٣٤].
ثم ذكر أضداد هؤلاء للمقارنة والعبرة، فقال:
وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا هُمْ أَصْحابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نارٌ مُؤْصَدَةٌ أي والذين جحدوا بآياتنا التنزيلية والآيات الكونية الدالة على قدرتنا، هم أصحاب الشمال، وعليهم نار مطبقة مغلقة، وأصحاب الشمال هم أهل النار المشؤومة كما قال تعالى: وَأَصْحابُ الشِّمالِ ما أَصْحابُ الشِّمالِ، فِي سَمُومٍ وَحَمِيمٍ، وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ، لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ.. [الواقعة ٥٦/ ٤١- ٤٤].

(١) رواه أحمد وأبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عمر رضي اللَّه عنهما.
(٢) أخرجه الشيخان والترمذي عن جرير بن عبد اللَّه رضي اللَّه عنه.

صفحة رقم 252

فقه الحياة أو الأحكام:
أرشدت الآيات إلى ما يأتي:
١- جيء بآيات أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ، وَلِساناً وَشَفَتَيْنِ، وَهَدَيْناهُ النَّجْدَيْنِ للتذكير بنعم اللَّه تعالى على الإنسان من البصر والنطق والجمال والعقل والفكر المميز بين الحق والباطل وبيان طريقي الخير والشر، وللدلالة على كمال قدرة اللَّه تعالى، ولبيان مبدأ اختيار الإنسان للإيمان والكفر أو السعادة والشقاوة أو الخير والشر، كما قال تعالى: إِنَّا هَدَيْناهُ السَّبِيلَ، إِمَّا شاكِراً، وَإِمَّا كَفُوراً [الدهر ٧٦/ ٣].
٢- إن هذه النعم تقتضي الشكر عليها والاستعداد للنجاة في الآخرة، بالإيمان والعمل الصالح الشامل للتواصي بالصبر على التكاليف الشرعية، بطاعة اللَّه وعن معصيته وعلى البلايا والمحن، والتواصي بالمرحمة على الخلق أي التعاطف والتراحم، وتحرير الرقاب (العبيد) وإطعام اليتامى والأرامل والمساكين.
وإخراج المال في وقت القحط والضرورة والجوع أثقل على النفس، وأوجب للأجر، لذا قال: ذِي مَسْغَبَةٍ كقوله: وَآتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ [البقرة ٢/ ١٧٧] وقوله: وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً [الدهر ٧٦/ ٨].
والإيمان شرط قبول هذه الأعمال الخيرية، وإنما أخر للترقية من الأدنى إلى الأعلى، والترتيب ذكري، لا زماني.
وهؤلاء أصحاب اليمين أهل الجنة، وهم الذين يؤتون كتبهم بأيمانهم.
ويلاحظ أنه ذكر في باب الكمال أمرين: فك الرقبة والإطعام، والإيمان، وفي باب التكميل شيئين: التواصي بالصبر على الوظائف الدينية، والتواصي

صفحة رقم 253

بالتراحم، وكل من النوعين مشتمل على تعظيم أمر اللَّه، والشفقة على خلق اللَّه، إلا أنه في الأول قدم جانب الخلق، وفي الثاني قدم جانب الحق «١».
٣- ذكر اللَّه تعالى للمقابلة والمقارنة والعظة أصحاب الشمال بعد أصحاب اليمين، والفريق الأول هم الذين كفروا بالقرآن، وهم الذين يأخذون كتبهم بشمائلهم، ومصيرهم إلى النار التي تطبق وتغلق أبوابها عليهم.

(١) تفسير الرازي: ٣١/ ١٨٧، غرائب القرآن: ٣٠/ ١٠٢

صفحة رقم 254

بسم الله الرحمن الرحيم

سورة الشمس
مكيّة، وهي خمس عشرة آية.
تسميتها:
سميت سورة الشمس لافتتاحها بالقسم الإلهي بالشمس المنيرة المضيئة لآفاق النهار.
مناسبتها لما قبلها:
ترتبط السورة بما قبلها من وجهين:
١- ختم اللَّه سبحانه سورة البلد بتعريف أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة، ثم أوضح المراد من الفريقين في سورة الشمس بعمل كل منهما حيث قال: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها، وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها.
٢- أبان اللَّه تعالى في آخر آيات السورة السابقة مصير أو مآل الكفار في الآخرة وهو النار، وذكر تعالى في أواخر هذه السورة عقاب بعض الكفار في الدنيا، وهو الهلاك، فاختتمت السابقة بشيء من أحوال الكفار في الآخرة، واختتمت هذه بشيء من أحوالهم في الدنيا.
ما اشتملت عليه السورة:
تضمنت هذه السورة الكلام عن موضوعين مهمين هما:
١- الإقسام بالمخلوقات الكونية العظيمة في العالم العلوي والسفلي وآلة التفكر

صفحة رقم 255
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية