
أي: يعلم السر والعلانية، فيخبركم بأعمالكم فيجازيكم عليها.
رُوِيَ أن النبي ﷺ، قال: " لو أن رجلاً عبد الله في صخرة لا باب لها، ولا كوة بها لخرج عمله إلى الناس كائناً ما كان ".
فالله تعالى، يطلع قلوب المؤمنين على ما [في] قلوب إخوانهم من الخير والشر، فيحبون أهل الخير ويبغضون أهل الشر.
ثم أخبرهم بما يفعلون إذا رجع المؤمنون من غزوهم فقال: ﴿سَيَحْلِفُونَ بالله لَكُمْ إِذَا انقلبتم إِلَيْهِمْ﴾، أي: يحلفون لكم إذا رجعتم إليهم من غزوكم، ﴿لِتُعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾، لتتركوا تأنيبهم وتعييرهم بتخلفهم، ﴿فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمْ﴾، أي: فاتركوهم، ﴿إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾، أي: مصيرهم إليها جزاء/ بكسبهم.
قيل: إنهم كانوا بضعةً وثمانين رجلاً.
قوله: ﴿يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ﴾ إلى قوله: ﴿سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾.
والمعنى: يحلف أيها المؤمنون، هؤلاء المنافقون لكم ﴿لِتَرْضَوْاْ عَنْهُمْ﴾، وأنتم لا

تعلمون صدقهم من كذبهم، ﴿فَإِن تَرْضَوْاْ عَنْهُمْ فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين﴾؛ لأنه يعلم سرائرهم وصدقهم وكذبهم.
ثم قال تعالى: ﴿الأعراب أَشَدُّ كُفْراً وَنِفَاقاً وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ﴾.
" أن ": في موضع نصب، على تقدير: " وأجدر بأن لا ".
تقول: " هو جدير بأن يفعل "، و " خليق بأن يفعل "، وإن شئت حذفت " الباء "، ولا يحسن حذف " الباء " إلا من " أنْ "، لو قلت: هو جدير بالفعل، لم يكن بُدُّ من " الباء ".
والمعنى: الأعراب أشَدُّ جحوداً لتوحيد الله سبحانه ونفاقاً على رسوله عليه السلام، من أهل الحضر والأمصار، وذلك لجفائهم، وقسوة قلوبهم.
﴿وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُواْ﴾.
أي: وأخلق أن يجهلوا العلم والسنن.
ثم قال تعالى: ﴿وَمِنَ الأعراب مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَماً﴾.

والمعنى: ومن الأعراب من يَعُدُّ ما ينفق فيما ندبه الله، تعالى، إليه ﴿مَغْرَماً﴾ لا ثواب له فيه، ﴿وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدوائر﴾ أي: ينتظر بكم ما تدور به الأيام والليالي من المكروه والسوء، ﴿عَلَيْهِمْ دَآئِرَةُ السوء﴾، أي: عليهم يرجع المكرو والسوء.
وهذا كله في منافقين من الأعراب، قاله: ابن زيد.
وقوله: ﴿دَآئِرَةُ السوء﴾.
ومن قرأ بالضم، فمعناه: دائرة العذاب، و ﴿دَآئِرَةُ السوء﴾: البلاء.
قال الفراء: ولا يجوز على هذا " هذا امرؤُ سوء "، كما لا يجوز " هذا امرؤ عذاب ".
وقال المبرد " السَّوء " بالفتح: الرداءة.