
على ما يظهرون، فكان (١) ينبغي ألا يعيبوا النبي -صلى الله عليه وسلم- فيكونوا بقبولهم (٢) قوله، وترك عيبه مؤمنين (٣)) (٤)، وهذا تهجين لهؤلاء السفهاء بطلب مرضاة العباد مع ترك مرضاة رب العباد، والرسول المبعوث لصلاح العباد (٥).
٦٣ - قوله تعالى: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ الآية، قال ابن عباس والكلبي: (نزلت في المنافقين الذين تخلفوا عن غزوة تبوك (٦)، قال أهل المعاني: معنى قولك: ألم تعلم [لمن لا يعلم] (٧): [الاستبطاء له] (٨) في تخلفه عن ذلك العلم (٩).
وقوله تعالى: ﴿أَنَّهُ﴾ (١٠) الكناية فيه ضمير الشأن والقصة، قال أبو علي الجرجاني: (وذلك أن (أن) يتضمن ما بعده من المبتدأ والخبر، ويشتمل عليهما (١١) حتى يصير معهما (١٢) قصة وشأنًا، مثل قولك: زيد
(٢) في (ى): (بقولهم)، وفي "معاني القرآن وإعرابه": بتوليهم النبي.
(٣) في (ى): (المؤمنين)، والصواب ما أثبته وهو موافق لما في "معاني القرآن وإعرابه".
(٤) اهـ. كلام الزجاج، انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٥٨.
(٥) في (ى): (المبعوث من رب العباد).
(٦) ذكره عن الكلبي سببًا لنزول الآية السابقة الثعلبي ٦/ ١٢٣ أ، والبغوي ٤/ ٦٨، وابن الجوزي ٣/ ٤٦١، وفي "تنوير المقباس" ص ١٩٧: (ألم يعلموا): يعني جلاسًا وأصحابه.
(٧) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٨) في (ح) و (ى): (الاستطالة).
(٩) ذكره بمعناه مع النسبة إلى أهل المعاني، الرازي في "تفسيره" ١٦/ ١١٩، والخازن في "تفسيره" ٢/ ٢٣٨ ولم أجده في كتبهم التي بين يدي.
(١٠) ساقط من (ي).
(١١) في (ح): (عليها).
(١٢) في (ح): (معها)، وفي (ى): (معًا).

مريض، فإذا أردت أن تعلم غيرك مرضه قلت: اعلم أن زيدًا (١) مريض، ولو قلت: اعلم زيدًا مريضًا، كان العلم واقعًا على زيد نفسه دون المرض وانتقل المعنى عما كان عليه، فإذا قلت: اعلم أنه زيد مريض فقد تضمن (أن) ما بعده من المبتدأ والخبر، وجمع معناهما في الهاء التي وقع عليها (٢) (أن) وعمل (أن) فيها، وشغل بها عن غيرها، فصارت الهاء كناية عن القصة والشأن، وارتفع ما بعدها من المبتدأ والخبر لشغلك (أن) بالهاء، وصار ما بعد الهاء من المبتدأ والخبر بيانا لما في الهاء من نية تلك القصة لأنها مبهمة، فقوله -عز وجل-: ﴿أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ﴾ الهاء (٣) قد تضمنت ما بعدها من المبتدأ وخبره، وما بعدها من قوله: ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ مبتدأ، ولذلك (٤) جزم لأنه شرطٌ مبتدأ (٥).
وقوله تعالى: ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ﴾ قال الليث: (حاددته أي: عاصيته (٦) وخالفته، والمحادة كالمجانبة والمخالفة والمعاداة، وذكر الزجاج اشتقاقه من الحد، قال: (ومعنى حاد فلان فلانًا: أي: صار في حد غير حده، كقولك: شاقه، ومعنى: ﴿مَنْ يُحَادِدِ اللَّهَ﴾ أي يصير في حد غير حد أولياء الله بالمخالفة) (٧).
(٢) في (ح): (عليهما).
(٣) ساقط من (ح).
(٤) في (ح): (وكذلك)، وهو خطأ.
(٥) (من) الجازمة شرطية، وهي اسم باتفاق. انظر: "أوضح المسالك" ٣/ ١٨٩.
(٦) اهـ. الكلام المنسوب لليث، انظر: "تهذيب اللغة" (حد) ١/ ٧٦٠، والنص في كتاب: "العين" للخليل (حد) ٣/ ٢٠.
(٧) ذكر الزجاج بعفر معنى هذا القول في "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٥٨، والبعض الآخر في المصدر السابق: نفسه ٥/ ١٣٦.

قال ابن عباس: (يعني من يخالف الله ورسوله بتكذيب نبيه، والإظهار باللسان خلاف ما في القلب) (١)، وقال الأخفش: ﴿يُحَادِدِ اللَّهَ﴾: يحارب الله) (٢)، وقال قطرب: (يعاند الله) (٣)، وقال الزجاج: (يعاد (٤) الله) (٥).
﴿فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ﴾ [المعنى: فله نار جهنم] (٦) ولكنه لما طال الكلام أعيد (أن) ليكون أوكد، ويجوز كسر (فإن) على الاستئناف بعد الفاء، والقراءة بالفتح (٧)، هذا معنى كلام أبي إسحاق (٨)، والكلام في إعراب هذه الآية يأتي (٩) في قوله: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ [الحج: ٤] (١٠).
(٢) لم أجده، وقد ذكره من غير تعيين القائل الرازي ١٦/ ١١٩ - ١٢٠، و"الخازن" ٢/ ٢٣٨.
(٣) انظر: المصدرين السابقين، نفس الموضع، دون تعيين القائل.
(٤) في (م): (يضاد)، وفي "معاني القرآن": يعادي، وذكره الرازي ١٦/ ١٢٠ بمثل ما أثبته.
(٥) "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٥٨.
(٦) ما بين المعقوفين ساقط من (ح).
(٧) يعني القراءة المتواترة، وقد قرأ ابن أبي عبلة وأبو رزين وأبو عمران وغيرهما بالكسر، انظر: "المحرر الوجيز" ٦/ ٥٥٢ - ٥٥٣، و"زاد المسير" ٣/ ٤٦٢، و"البحر المحيط" ٥/ ٦٤.
(٨) انظر: "معاني القرآن وإعرابه" ٢/ ٤٥٩ لكنه قال: (القراءة بالفتح والكسر). وكذلك قال أبو البقاء العكبري في "التبيان في إعراب القرآن" ص ٤٢٣، وأنكر قراءة الكسر ابن جرير في "تفسيره" ١٠/ ١٧٠ - ١٧١، ولا شك أنها شاذة، انظر التعليق السابق.
(٩) في (ح): (بأن).
(١٠) انظر: "النسخة الأزهرية" ٤/ ٣ أحيث قال: (قال أبو إسحاق: ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ﴾ (أنه) في موضع رفع ﴿فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ﴾ عطف عليه، والفاء الأجود فيها أن =