آيات من القرآن الكريم

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜ

(يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ) لقد تخلفوا عن الجهاد في وقت النفير إلى بني الأصفر المتكاثف عددهم، فكانوا بذلك جبناء، وكانوا كاذبين في ادعائهم الكاذب، وثبت بدليل قاطع نفاقهم، والمنافق في وسط عربي صريح يعلن القوة، ولا يتقبل المعاذر - مشنوء مهين، فكانوا يحاولون تبرئة أنفسهم بالأيمان، وقوله (يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ) التعبير بالمضارع لأنهم يحلفون في الحال لَا في الماضي وفيه إشارة إلى أن الحلف شأنهم وهو متجدد، وكلما كذبوا حلفوا، وكلما تخلفوا بأعذار غير صادقة حلفوا، فالحلف ديدنهم.
وقوله تعالى: (لَكُمْ) إشارة إلى أن من معهم من العشراء والجيران من المؤمنين هم المقصودون، وقد صرح سبحانه وتعالى بذلك فقال: (لِيُرْضُوكُمْ) أي أن الباعث لهم على هذا الحلف الكذب إرضاؤكم، وإزالة الوحشة بينكم وبينهم، وزوال النفرة التي تحسونها منهم.
وإن هذا الإرضاء مع أنهم يطلبونه يريدونه لغاية في أنفسهم؛ لأن دوام النفرة منهم يمنعهم من الثقة فيهم، وذلك لَا يمكنهم من الدس الخسيس فيهم إذ لا يثقون فيهم، والدس يحتاج إلى الثقة ممن يدسون لهم، ويلقون بالفتنة فيهم، وقد بين الله سبحانه الغش في محاولة الإرضاء، فقال تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ إِن كَانُوا مُؤْمِنِينَ) أي أن العيب فيكم ليس في اعتذار أو تخلف أو كذب، إنما العيب الأصيل هو النفاق، فالنفاق هو الذي جعلكم تتخلفون عن

صفحة رقم 3354

الجهاد، وهو الذي جعلكم تعتذرون عنه بأعذار مكذوبة، وهو الذي جعلكم تحلفون ممتهنين الأيمان المغلظة.
فهم حاولوا إرضاء المؤمنين ولم يحاولوا إرضاء الله ورسوله لأنهم يعلمون أن ذلك غير ممكن، ولذا قال تعالى فيما تلونا (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) أي لو كانوا مؤمنين ولا يريدون التخلف، وإن تخلفوا فبأعذار صادقة - لآمنوا أن الله ورسوله أحق بالإرضاء، وإرضاء الله ورسوله ليس يالأيمان الكاذبة، إنما هو بأن يخلعوا أنفسهم من النفاق، ويؤمنوا بالله ورسوله حق الإيمان.
وفى قوله تعالى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) إشارة بيانية، وهي أن الله تعالى ورسوله ذكر أنهما أحق بالإرضاء، ولكنه عند عود الضمير أعاده مفردا (يُرْضُوهُ)، وذلك للإشارة إلى أن إرضاء أحدهما إرضاء لهما، فإرضاء الله تعالى إرضاء للنبي - ﷺ -، وإرضاء النبي - ﷺ - إرضاء لله تعالى، كما قال: (مَن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ..)، وفي ذلك إشارة إلى أن الذين يؤذون النبي - ﷺ -، إنما يتهجمون على مقام الألوهية ويتحدون الله ورسوله، ولقد قال تعالى:

صفحة رقم 3355
زهرة التفاسير
عرض الكتاب
المؤلف
محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد المعروف بأبي زهرة
الناشر
دار الفكر العربي
عدد الأجزاء
10
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية