آيات من القرآن الكريم

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ
ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

(إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) بما ينالهم بسببها من التنغيص والحسرة.
أما الأموال فلأنهم يلاقون النّصب والتعب فى جمعها واكتسابها، ويلاقون ما هو أشد من ذلك فى حفظها وصونها من الهلاك، فالمشغوف بالمال يكون أبدا فى تعب الحفظ والصون، وهو مع ذلك لا ينتفع إلا بالقليل منها كما قال عليه الصلاة والسلام «مالك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت».
وأما الأولاد فإنهم يرون أنهم قد نشئوا فى الإسلام واطمأنت به قلوبهم، فهم يجاهدون فى سبيل الله بأنفسهم وأموالهم، وربما ماتوا فى الغزو- فيجزعون أشد الجزع، إذ لا يعتقدون شهادتهم، وأنهم أحياء عند ربهم يرزقون، وأن الاجتماع بهم قريب كما يعتقد المؤمنون.
(وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ) أي ويموتون ويهلكون وهم كافرون، فيعذبون بها فى الآخرة إثر ما عذّبوا بها فى الدنيا، لموتهم على الكفر الذي يحبط أعمالهم.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٦ الى ٥٧]
وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)
تفسير المفردات
الفرق (بالتحريك) الخوف الشديد الذي يفرق بين القلب وإدراكه، والملجأ:
المكان الذي يلجأ إليه الخائف ليعتصم به كحصن أو قلعة أو جزيرة فى بحر أو قنّة فى جبل، والمغارات: واحدها مغارة وهى الكهف فى الجبل يغور فيه الإنسان ويستتر والمدّخل (بالتشديد) السرب فى الأرض يدخله الإنسان بمشقة، والجماح: السرعة التي تتعذر مقاومتها.

صفحة رقم 138

المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه أن المنافقين يظهرون غير ما يضمرون، فإذا هم طلبوا الإذن خوف الفتنة كانوا كاذبين، وذكر أنهم يتمنّون أن تدور الدوائر على المؤمنين قفّى على ذلك بذكر غلوّهم فى النفاق وأنهم لا يتحرّجون أن يحلفوا الأيمان الفاجرة لستر نفاقهم خوف الفضيحة، وأنهم يتمنون أن يجدوا أىّ السبل للبعد عن المؤمنين، فيلجئوا إليها مسرعين.
الإيضاح
(وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ) أي ويحلفون بالله لكم كذبا إنهم منكم فى الدين والملة وهم ليسوا من أهل دينكم وملتكم بل هم أهل شك ونفاق، ولكنهم يخافونكم فيقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم.
(لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ) أي إنهم لشدة كرمهم للقتال معكم، ولبغض معاشرتهم إياكم، ولعظيم الخوف من ظهور نفاقهم لكم يتمنون الفرار منكم والعيش فى مكان يعتصمون به من انتقامكم منهم، فلو استطاعوا السكنى فى الحصون والقلاع، أو فى كهوف الجبال ومغاراتها، أو فى أنفاق الأرض وأسرابها- لولّوا إليه مسرعين كالفرس الجموح لا يردّهم شىء.
وإنما وصفهم الله سبحانه بتلك الأوصاف، لأنهم إنما أقاموا بين أظهر أصحاب رسول الله ﷺ مع كفرهم ونفاقهم وعداوتهم لهم، لأنهم كانوا بين عشيرتهم وفى دورهم وأموالهم، ولم يقدروا على ترك ذلك وفراقه، فصانعوا القوم بالنفاق ودافعوا عن أنفسهم وأموالهم وأولادهم بإخفاء الكفر ودعوى الإيمان، وفى أنفسهم ما فيها من البغض لرسول الله ﷺ ولأهل الإيمان به وبالغ الحقد عليهم.

صفحة رقم 139
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية