آيات من القرآن الكريم

وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَٰكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ
ﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚﯛ ﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤﯥﯦﯧﯨﯩﯪﯫﯬﯭﯮﯯﯰﯱﯲ ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫﭬﭭ ﭯﭰﭱﭲﭳﭴﭵﭶﭷﭸﭹ

وَنَظَرْنَا لأنفسنا، ثم أمر تعالَى نبيَّه، فقال: قل لهم يا محمَّد: لَنْ يُصِيبَنا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنا، وهو إِما ظفراً وسروراً عاجلاً، وإما أن نستشهد فَنَدْخُلَ الجنة، وباقي الآية بيِّن.
وقوله سبحانه: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ، أي: قل للمنافقين، والْحُسْنَيَيْنِ: الظَّفَرُ، والشَّهادة.
وقوله: أَوْ بِأَيْدِينا، يريد: القَتْلَ.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٣ الى ٥٤]
قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فاسِقِينَ (٥٣) وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسالى وَلا يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كارِهُونَ (٥٤)
وقوله سبحانه: قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً الآية: سَبَبُها أَنَّ الجَدَّ بْنَ قَيْسٍ حين قال: ائذن لي ولا تفتنِّي، قال: إِني أعينك بمالي «١»، فنزلَتْ هذه الآية فيه، وهي عامَّة بعده.
وقوله عزَّ وجلَّ: وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ.
وفي «صحيح مسلم» عن النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «إِنَّ ثَوَابَ الكَافِرِ عَلَى أَفْعَالِهِ البَرَّةِ هُوَ في الطُّعْمَةِ يَطْعَمُهَا» «٢» وَنَحْوَ ذلك، وهذا مَقْنَعٌ لا يحتاج معه إِلى نَظَرٍ، وأما أَنْ ينتفع بها في الآخرة فلا، وكُسالى: جمع كسلان.
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٥٥ الى ٥٧]
فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (٥٥) وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَما هُمْ مِنْكُمْ وَلكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ (٥٧)
وقوله سبحانه: فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الْحَياةِ الدُّنْيا... الآية: حقَّر في الآية شأْنَ المنافقين، وعلَّل إِعطاء اللَّه لهم الأَمْوَالَ والأولاد بإِرادته تعذيبهم بها في الحياةِ الدنيا، وفي الآخرة.
قال ابنُ زَيْد وغيره: تعذيبُهم بها في الدُّنْيَا هو بمصائبها ورزايَاهَا، هِيَ لهم عذابٌ إذ لا يُؤْجَرُونَ عليها، ومِنْ ذلك قَهْرُ الشَّرعِ لهم على أداء الزكاةِ والحقوقِ والواجبات.

(١) تقدم تخريجه.
(٢) تقدم.

صفحة رقم 186

قال الفَخْرُ «١» : أمَّا كون كثرة الأموال والأولادِ سَبَباً للعذاب في الدنيَا، فحاصَلٌ من وجوه: مِنْهَا: أن كلَّما كان حُبُّ الإِنسان للشيء أَشَدَّ وأقوَى، كان حزنُهُ وتألُّم قلبِهِ علَى فراقه أعظَمَ وأصعَبَ، ثم عند الموتِ يَعْظُمُ حزنه، وتشتدُّ حسرته، لمفارقته المحبوبَ، فالمشغوفُ بحبِّ المال والولدِ لا يزالُ في تَعَبٍ، فيحتاج في اكتساب الأموالِ وتحصيلها إِلى تعبٍ شديدٍ ومشقَّة عظيمةٍ، ثم عند حصولِهَا يحتاجُ إِلى متاعِبَ أَشدَّ وأصعَبَ في حفظها وصونِها لأن حفظ المَالِ بَعْد حصوله أصْعَبُ من اكتسابه، ثم إِنه لا ينتفع، إِلاَّ بالقليلِ مِنْ تلك الأموال، فالتعبُ كثيرٌ، والنفعُ قليلٌ، ثم قالَ: واعلم أنَّ الدنْيَا حلوةٌ خَضِرةٌ، والحواسُّ الخمسُ مائلةٌ إِليها، فإِذا كَثُرت وتوالَتْ استغرقت فيها، وانصرف الإِنسان بكلِّيته إِليها، فيصير ذلك سبباً لحرمانه من ذكْرِ اللَّهِ، ثم إِنه يحْصُلُ في قلبه نَوْعُ قسوةٍ وقوةٍ وقهْرٍ، وكلَّما كان المال والجاهُ أَكثر، كَانَتْ تلك القسوةُ أَقوَى، وإِلى ذلك الإِشارةُ بقوله تعالى:
إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: ٦، ٧] فظهر أن كثرة الأموال والأولاد سَبَبٌ قويٌّ في زوال حُبِّ اللَّه تعالى وحبِّ الآخرة مِنَ القَلْبِ، وفي حصول الدنْيَا وشهواتِهَا في القَلْبِ، وعنْدَ الموت: كأَنَّ الإِنسان ينتقلُ من البستان إلى السِّجْن، ومِنْ مجالسة الأقرباءِ والأحبَّة إِلَى موضعِ الغُرْبَة والكُرْبة، فيعظُمُ تألمُّه، ويقوَى حزنه، ثم عند الحَشْر: حَلاَلُهَا حسابٌ، وحرامُها عِقَابٌ، فثبت أن كثرة الأمْوَالِ والأولادِ سَبَبٌ لحصولِ العَذَاب في الدُّنْيا والآخرة. انتهى.
ثم أخبر سبحانه أنهم ليسوا مِنَ المؤمنين، / وإِنما هم يَفزَعُونَ مِنْهم، والفَرَقُ:
الخوف.
وقوله سبحانه: لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً: الملجأ مِنْ لَجَأَ يَلْجَأُ، إِذا أَوَى واعتصم، وقرأ الجمهور: «أَوْ مَغَارَاتٍ» - بفتح الميم «٢» -، وهي الغيران في أعراض الجبالِ، أَوْ مُدَّخَلًا، معناه: السَّرَبُ والنَّفَقُ في الأرض، وهو تفسير ابن عبَّاس «٣» في هذه الألفاظ، وقرأ جمهور الناس: «يَجْمَحُونَ» : ومعناه يسرعون.

(١) ينظر: «تفسير الرازي» (١٦/ ٧٥).
(٢) ينظر: «المحرر الوجيز» (٣/ ٤٦)، و «البحر المحيط» (٥/ ٥٦)، و «الدر المصون» (٣/ ٤٧٤).
(٣) أخرجه الطبري (٦/ ٣٩٢) برقم: (١٦٨٢٣- ١٦٨٢٤)، وابن عطية (٣/ ٤٦)، وذكره ابن كثير (٢/ ٣٦٣)، والسيوطي في «الدر المنثور» (٣/ ٤٤٧)، وزاد نسبته إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم، وأبي الشيخ.

صفحة رقم 187
الجواهر الحسان في تفسير القرآن
عرض الكتاب
المؤلف
أبو زيد عبد الرحمن بن محمد بن مخلوف الثعالبي
تحقيق
عادل أحمد عبد الموجود
الناشر
دار إحياء التراث العربي - بيروت
سنة النشر
1418
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية