
وكان جماعة من أهل العلم يرون أن هاتين الآيتين منسوختان بالآية التي ذكرت في "سورة النور".
* ذكر من قال ذلك:
١٦٧٦٩- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح، عن الحسين، عن يزيد، عن عكرمة والحسن البصري قالا قوله: (لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله)، إلى قوله: (فهم في ريبهم يترددون)، نسختهما الآية التي في "النور": (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ)، إلى: (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، [سورة النور: ٦٢].
* * *
وقد بيَّنَّا "الناسخ والمنسوخ" بما أغنى عن إعادته ههنا. (١)
* * *
القول في تأويل قوله: ﴿وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ (٤٦) ﴾
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ولو أراد هؤلاء المستأذنوك، يا محمد، في ترك الخروج معك لجهاد عدوّك، الخروجَ معك = (لأعدوا له عدة)، يقول: لأعدوا للخروج عدة، ولتأهّبوا للسفر والعدوِّ أهْبَتهما (٢) = (ولكن كره الله انبعاثهم)، يعني: خروجهم لذلك (٣) (فثبطهم)، يقول: فثقَّل عليهم الخروجَ حتى استخفُّوا القعودَ في منازلهم خِلافك، واستثقلوا السفر والخروج معك، فتركوا
(٢) انظر تفسير " أعد "، فيما سلف ص: ٣١.
(٣) انظر تفسير "الكره" فيما سلف ٨: ١٠٤، تعليق: ١، والمراجع هناك. - وتفسير "البعث" فيما سلف ١١: ٤٠٧، تعليق: ٢، والمراجع هناك.

لذلك الخروج = (وقيل اقعدوا مع القاعدين)، يعني: اقعدوا مع المرضى والضعفاء الذين لا يجدون ما ينفقون، ومع النساء والصبيان، واتركوا الخروج مع رسول الله ﷺ والمجاهدين في سبيل الله. (١)
* * *
وكان تثبيط الله إياهم عن الخروج مع رسوله ﷺ والمؤمنين به، لعلمه بنفاقهم وغشهم للإسلام وأهله، وأنهم لو خرجوا معهم ضرُّوهم ولم ينفعوا. وذكر أن الذين استأذنوا رسول الله ﷺ في القعود كانوا: "عبد الله بن أبيٍّ ابن سلول"، و"الجد بن قيس"، ومن كانا على مثل الذي كانا عليه. كذلك:-
١٦٧٧٠- حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحاق قال: كان الذين استأذنوه فيما بلغني، من ذوي الشرف، منهم: عبد الله بن أبيّ ابن سلول، والجدّ بن قيس، وكانوا أشرافًا في قومهم، فثبطهم الله، لعلمه بهم، أن يخرجوا معهم، (٢) فيفسدوا عليه جنده. (٣)
* * *
(٢) في المطبوعة والمخطوطة: "يخرجوا معهم" وفي سيرة ابن هشام: "معه".
(٣) الأثر: ١٦٧٧٠ - سيرة ابن هشام ٤: ١٩٤، وهو تابع الأثر السالف رقم: ١٦٧٦٢. وكان في المخطوطة: "فيفسدوا عليه حسه" غير منقوطة، فاسدة الكتابة. والذي في المطبوعة مطابق لما في سيرة ابن هشام، وهو الصواب.