آيات من القرآن الكريم

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ
ﭻﭼﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ

[سُورَة التَّوْبَة (٩) : آيَة ٤٣]

عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكاذِبِينَ (٤٣)
اسْتَأْذَنَ فَرِيقٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ النَّبِيءَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنِ الْغَزْوَةِ، مِنْهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ، وَالْجَدُّ بْنُ قَيْسٍ، وَرِفَاعَةُ بْنُ التَّابُوتِ، وَكَانُوا تِسْعَةً وَثَلَاثِينَ وَاعْتَذَرُوا بِأَعْذَارٍ كَاذِبَةٍ وَأَذِنَ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِمَنِ اسْتَأْذَنَهُ حَمْلًا لِلنَّاسِ عَلَى الصِّدْقِ، إِذْ كَانَ ظَاهِرُ حَالِهِمُ الْإِيمَانَ، وَعِلْمًا بِأَنَّ الْمُعْتَذِرِينَ إِذَا أُلْجِئُوا إِلَى الْخُرُوجِ لَا يُغْنُونَ شَيْئًا، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زادُوكُمْ إِلَّا خَبالًا [التَّوْبَة: ٤٧] فعاتب الله نبيئه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَنْ أَذِنَ لَهُمْ،
لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ لَقَعَدُوا، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا لِلنَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى نِفَاقِهِمْ وَكَذِبِهِمْ فِي دَعْوَى الْإِيمَانِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ [مُحَمَّد: ٣٠].
وَالْجُمْلَةُ مُسْتَأْنَفَةٌ اسْتِئْنَافًا ابْتِدَائِيًّا لِأَنَّهُ غَرَضٌ أُنُفٌ.
وَافْتِتَاحُ الْعِتَابِ بِالْإِعْلَامِ بِالْعَفْوِ إِكْرَامٌ عَظِيمٌ، وَلَطَافَةٌ شَرِيفَةٌ، فَأَخْبَرَهُ بِالْعَفْوِ قَبْلَ أَنْ يُبَاشِرَهُ بِالْعِتَابِ. وَفِي هَذَا الِافْتِتَاحِ كِنَايَةٌ عَنْ خِفَّةِ مُوجِبِ الْعِتَابِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ أَنْ يُقَالَ: مَا كَانَ يَنْبَغِي، وَتَسْمِيَةُ الصَّفْحِ عَنْ ذَلِكَ عَفْوًا نَاظِرٌ إِلَى مَغْزَى قَوْلِ أَهْلِ الْحَقِيقَةِ: حَسَنَاتُ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.
وَأُلْقِيَ إِلَيْهِ الْعِتَابُ بِصِيغَةِ الِاسْتِفْهَامِ عَنِ الْعِلَّةِ إِيمَاءً إِلَى أَنَّهُ مَا أَذِنَ لَهُمْ إِلَّا لِسَبَبٍ تَأَوَّلَهُ وَرَجَا مِنْهُ الصَّلَاحَ عَلَى الْجُمْلَةِ بِحَيْثُ يُسْأَلُ عَنْ مِثْلِهِ فِي اسْتِعْمَالِ السُّؤَالِ مِنْ سَائِلٍ يَطْلُبُ الْعِلْمَ وَهَذَا مِنْ صِيَغِ التَّلَطُّفِ فِي الْإِنْكَارِ أَوِ اللَّوْمِ، بِأَنْ يُظْهِرَ الْمُنْكِرُ نَفْسَهُ كَالسَّائِلِ عَنِ الْعِلَّةِ الَّتِي خَفِيَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِأَنَّ تَرْكَ الْإِذْنِ كَانَ أَجْدَرَ بِتَبْيِينِ حَالِهِمْ، وَهُوَ غَرَضٌ آخَرُ لَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ قَصْدُ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ أَذِنْتَ لِظُهُورِهِ مِنَ السِّيَاقِ، أَيْ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ فِي الْقُعُودِ وَالتَّخَلُّفِ.

صفحة رقم 210
تحرير المعنى السديد وتنوير العقل الجديد من تفسير الكتاب المجيد
عرض الكتاب
المؤلف
محمد الطاهر بن عاشور
الناشر
الدار التونسية للنشر
سنة النشر
1403
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية