
«١١٠٦» قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: نَزَلَتْ فِي جَدِّ بْنِ قَيْسٍ وَمُعَتِّبِ بْنِ قُشَيْرٍ وَأَصْحَابِهِمَا، وَكَانُوا ثَمَانِينَ رَجُلًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَدِمَ الْمَدِينَةَ: «لَا تُجَالِسُوهُمْ وَلَا تُكَلِّمُوهُمْ».
وَقَالَ مُقَاتِلٌ: نَزَلَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ حَلَفَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَا يَتَخَلَّفُ عَنْهُ بَعْدَهَا، وَطَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَرْضَى عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ:
يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَرْضى عَنِ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (٩٦).
الْأَعْرابُ، أَيْ: أَهْلُ الْبَدْوِ، أَشَدُّ كُفْراً وَنِفاقاً، مِنْ أَهْلِ الْحَضَرِ، وَأَجْدَرُ، أي:
أَخْلَقُ [١] وَأَحْرَى، أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ، وَذَلِكَ لِبُعْدِهِمْ عَنْ سَمَاعِ الْقُرْآنِ وَمَعْرِفَةِ السُّنَنِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا فِي قُلُوبِ خَلْقِهِ، حَكِيمٌ، فِيمَا فَرَضَ مِنْ فَرَائِضِهِ.
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ مَغْرَماً، قال عطاء: لا يرجون على إعطائه ثوابا ولا يخافون على إمساكه عقابا وإنما ينفقون [٢] خوفا ورياء. وَالْمَغْرَمُ: الْتِزَامُ مَا لَا يُلْزَمُ. وَيَتَرَبَّصُ، وَيَنْتَظِرُ، بِكُمُ الدَّوائِرَ، يَعْنِي: صُرُوفَ الزَّمَانِ الَّتِي تَأْتِي مَرَّةً بِالْخَيْرِ وَمَرَّةً بِالشَّرِّ. وَقَالَ يَمَانُ بن رباب: يَعْنِي يَنْقَلِبُ [٣] الزَّمَانُ عَلَيْكُمْ فَيَمُوتُ الرَّسُولُ وَيَظْهَرُ الْمُشْرِكُونَ، عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ، عَلَيْهِمْ يَدُورُ الْبَلَاءُ وَالْحَزَنُ وَلَا يَرَوْنَ فِي مُحَمَّدٍ وَدِينِهِ إلّا ما يكرهون وما يَسُوءُهُمْ. وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو: دائِرَةُ السَّوْءِ هَاهُنَا وَفِي سورة الفتح بضم السين، ومعناه: الضُّرُّ وَالْبَلَاءُ وَالْمَكْرُوهُ. وَقَرَأَ الْآخَرُونَ بِفَتْحِ السِّينِ عَلَى الْمَصْدَرِ. وَقِيلَ:
بالفتح الرداءة [٤] وَالْفَسَادُ، وَبِالضَّمِّ الضُّرُّ وَالْمَكْرُوهُ. وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ، نَزَلَتْ فِي أَعْرَابِ أَسَدٍ وغَطَفَانَ وَتَمِيمٍ. ثُمَّ اسْتَثْنَى فقال:
[سورة التوبة (٩) : الآيات ٩٩ الى ١٠٠]
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَواتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٩٩) وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٠٠)
وَمِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وقال مُجَاهِدٌ: هُمْ بَنُو مُقَرِّنٍ مِنْ مُزَيْنَةَ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: أَسْلَمُ وَغِفَارٌ وجهينة.
«١١٠٧» أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ أَحْمَدُ بْنُ عبد الله الطَّاهِرِيُّ أَنْبَأْنَا جَدِّي عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْبَزَّازُ أَنَا
١١٠٧- صحيح، إسحاق ثقة، وقد توبع ومن فوقه رجال البخاري ومسلم.
عبد الرزاق هو ابن همام، معمر بن راشد، أيوب بن أبي تميمة، ابن سيرين هو محمد.
وهو في «شرح السنة» ٣٧٤٨ بهذا الإسناد، وفي «مصنف عبد الرزاق» ١٩٨٧٧ عن معمر بهذا الإسناد.
وأخرجه البخاري ٣٥٢٣ ومسلم ٢٥٢١ و١٩٢ وأحمد ٢/ ٤٢٠ و٤٢٢ من طرق عن أيوب به.
(١) في المخطوط «أحق». [.....]
(٢) في المطبوع «ينفق» والمثبت عن المخطوط.
(٣) في المخطوط «يتغلب».
(٤) في المطبوع «الردة» والمثبت عن المخطوط.

أَبُو بَكْرٍ مُحَمَّدُ بْنُ زَكَرِيَّا العَذَافِرِيُّ أَنْبَأَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الدّبري أنبأنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ ثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَسَلَمُ وَغِفَارٌ وَشَيْءٌ مِنْ جُهَيْنَةَ ومُزَيْنَةَ خَيْرٌ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ تَمِيمٍ وَأَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ وَهَوَازِنَ وغَطَفَانَ». وَيَتَّخِذُ مَا يُنْفِقُ قُرُباتٍ عِنْدَ اللَّهِ، الْقُرُبَاتُ جَمْعُ الْقُرْبَةِ، أَيْ:
يَطْلُبُ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَصَلَواتِ الرَّسُولِ، أَيْ: دُعَاءَهُ وَاسْتِغْفَارَهُ، قَالَ عَطَاءٌ: يَرْغَبُونَ فِي دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَلا إِنَّها قُرْبَةٌ لَهُمْ. قَرَأَ نَافِعٌ بِرِوَايَةِ وَرْشٍ «قُرُبَةٌ» بِضَمِّ الرَّاءِ، وَالْبَاقُونَ بِسُكُونِهَا.
سَيُدْخِلُهُمُ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ، فِي جَنَّتِهِ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ [الآية]، قرأ يعقوب وَالْأَنْصارِ [١] رفع، عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ: وَالسَّابِقُونَ، وَاخْتَلَفُوا في السابقين، قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَقَتَادَةُ وَابْنُ سَيْرَيْنَ وَجَمَاعَةٌ: هُمُ الَّذِينَ صَلَّوا إِلَى الْقِبْلَتَيْنِ. وَقَالَ عَطَاءُ بن أبي رياح: هُمْ أهْلُ بَدْرٍ. وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُمُ الَّذِينَ شَهِدُوا بَيْعَةَ الرِّضْوَانِ، وَكَانَتْ بَيْعَةُ الرِّضْوَانِ بِالْحُدَيْبِيَةِ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ امْرَأَتِهِ خَدِيجَةَ، مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّهَا أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ آمَنَ وَصَلَّى عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قول جابر، وقال مُجَاهِدٌ وَابْنُ إِسْحَاقَ: أَسْلَمَ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ:
أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بَعْدَ خَدِيجَةَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ، وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَكَانَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ يَجْمَعُ بَيْنَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ [٢] فَيَقُولُ: أَوَّلُ مَنْ أَسْلَمَ مِنَ الرِّجَالِ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمِنَ النِّسَاءِ خَدِيجَةُ، وَمِنَ الصِّبْيَانِ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَمِنْ العبيد [بلال، ومن الموالي] [٣] زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ.
قَالَ ابْنُ إسحاق: لما أَسْلَمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَظْهَرَ إِسْلَامَهُ وَدَعَا إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ، وَكَانَ رَجُلًا مُحَبَّبًا سَهْلًا وَكَانَ أَنْسَبَ قُرَيْشٍ وَأَعْلَمَهَا بِمَا كَانَ فِيهَا، وَكَانَ تَاجِرًا ذَا خُلُقٍ وَمَعْرُوفٍ، وَكَانَ رِجَالُ قَوْمِهِ يَأْتُونَهُ وَيَأْلَفُونَهُ لِغَيْرٍ وَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرِ، لِعِلْمِهِ وَحُسْنِ مُجَالَسَتِهِ، فَجَعَلَ يَدْعُو إِلَى الْإِسْلَامِ مَنْ وَثَقَ بِهِ مَنْ قَوْمِهِ، فَأَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ فِيمَا بَلَغَنِي عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ وَالزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍّ وَطَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، فَجَاءَ بِهِمْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ [٤] [اسْتَجَابُوا لَهُ ف] [٥] أسلموا وصلّوا، فكان هؤلاء الثمانية نفر الَّذِينَ سَبَقُوا إِلَى الْإِسْلَامِ، ثُمَّ تتابع الناس في الدخول إلى الإسلام. وأمّا السَّابِقُونَ مِنَ الْأَنْصَارِ فَهُمُ الَّذِينَ بَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَكَانُوا ستة [نفر] [٦] فِي الْعَقَبَةِ الْأُولَى وَسَبْعِينَ فِي [العقبة] [٧] الثَّانِيَةِ، وَالَّذِينَ آمَنُوا حِينَ قَدِمَ عليهم أبو زرارة مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ، فأسلم معه
وأخرجه أحمد (٢/ ٤٥٠) وابن حبان ٧٢٩١ من طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ أَبِي سلمة عن أبي هريرة به.
وأخرجه مسلم ٢٥٢١ ح ١٩١ والترمذي ٣٩٥٠ من طريق الأعرج عن أبي هريرة به.
(١) زيادة عن المخطوط.
(٢) في المخطوط «الأخبار».
(٣) زيادة عن المخطوط.
(٤) في المخطوط «حتى».
(٥) زيادة عن «ط».
(٦) زيادة عن المخطوط.
(٧) زيادة عن المخطوط.