آيات من القرآن الكريم

فَادْخُلِي فِي عِبَادِي
ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸ ﭺﭻ

ثم بين مآله وعاقبة أمره فقال:
(فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ) أي فيومئذ لا يصاب أحد بعذاب مثل ذلك العذاب الذي يصيب ذلك الإنسان الذي أبطره الغنى فجحد نعمة الله عليه، أو أفسده الفقر حتى عثا فى الأرض فسادا، ولا يوثق أحد من الخلائق وثاقا مثل هذا الوثاق الذي يوثقه ذلك الإنسان.
ولا يخفى ما فى ذلك من تقوية الذكرى لمن له قلب يذكر، ووجدان يشعر.
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٧ الى ٣٠]
يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧) ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)
شرح المفردات
المطمئنة. من الاطمئنان وهو الاستقرار والثبات، إلى ربك: أي إلى ثوابه وموقف كرامته، فى عبادى: أي فى زمرة عبادى المكرمين.
المعنى الجملي
بعد أن ذكر حال الإنسان الذي خلّى وطبعه، فاستولى عليه جشعه وحرصه على رغباته وشهواته، حتى خرجت عن سلطان الحكمة والعقل، ثم ذكر عاقبة أمره فى الآخرة- أعقب هذا بذكر حال الإنسان الذي ارتقى عن ذلك الطبع وسمت نفسه إلى مراتب الكمال، فاطمأن إلى معرفة خالقه، واستعلى برغائبه إلى المطامع الروحية، ورغب عن اللذات الجسمانية، فكان فى الغنى شاكرا لا يتناول إلا حقه، وفى الفقر صابرا لا يمد يده إلى ما لغيره، وبين أنه فى ذلك اليوم يكون بجوار ربه راضيا بعمله فى الدنيا، مرضيا عنده، يدخله فى زمرة الصالحين المكرمين من عباده.

صفحة رقم 153

الإيضاح
(يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ) أي يا أيتها النفس التي قد استيقنت الحق، فلا يخالجها شك، ووقفت عند حدود الشرع، فلا تزعزعها الشهوات، ولا تضطرب بها الرغبات.
(ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً) أي ارجعي إلى محل الكرامة بجوار ربك، راضية عما عملت فى الدنيا، مرضيا عنك، إذ لم تكونى ساخطة لا فى الغنى ولا فى الفقر، ولم تتجاوزى حدود الشرع فيما لك من حق وما عليك من واجب.
ثم ذكر جميل عاقبتها فقال:
(فَادْخُلِي فِي عِبادِي) أي فادخلى فى زمرة عبادى المكرمين، وانتظمى فى سلكهم، وكونى فى جملتهم، فالنفوس القدسية كالمرايا المتقابلة، يشرق بعضها على بعض، وكأنها تربّى فى هذه الدنيا بالآلام وتزين بالمعارف والعلوم، حتى إذا فارقت الأبدان جعلت فى أماكن متقاربة، بينها صفاء ومودة، وحسن صلة ومحبة.
(وَادْخُلِي جَنَّتِي) فتمتعى فيها بما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
اللهم اجعلنا من النفوس المطمئنة، الراضية المرضية، وأدخلنا فى جنتك مع المتقين، من الأنبياء والشهداء والصالحين، والحمد لله رب العالمين.
مقاصد هذه السورة
تشتمل هذه السورة على مقاصد ستة:
(١) القسم على أن عذاب الكافرين لا محيص منه.
(٢) ضرب المثل بالأمم البائدة كعاد وثمود.

صفحة رقم 154
تفسير المراغي
عرض الكتاب
المؤلف
أحمد بن مصطفى المراغي
الناشر
شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابى الحلبي وأولاده بمصر
الطبعة
الأولى، 1365 ه - 1946 م
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية