آيات من القرآن الكريم

فَيَوْمَئِذٍ لَا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ
ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚ ﭜﭝﭞﭟ ﭡﭢﭣﭤﭥ ﭧﭨﭩﭪ ﭬﭭﭮ ﭰﭱﭲﭳﭴ ﭶﭷﭸ ﭺﭻ

تحضون أنفسكم، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي «تحاضون» بفتح التاء بمعنى تتحاضون، أي يحض قوم قوما، وقرأ أبو عمرو و «يحضون» بياء من تحت مفتوحة وبغير ألف، وقرأ عبد الله بن المبارك «تحاضون» بضم التاء على وزن تقاتلون، أي أنفسكم، أي بعضكم بعضا ورواها الشيرزي عن الكسائي، وقد يجيء فاعلت بمعنى فعلت وهذا منه، وإلى هذا ذهب أبو علي وأنشد:
تحاسنت به الوشي... قرات الرياح وخوزها
أي حسنت وأنشد أيضا: [لرجز] إذا تخازرت وما بي من خزر ويحتمل أن تكون مفاعلة، ويتجه ذلك على زحف ما فتأمله، وقرأ الأعمش «تتحاضون» بتاءين، وطَعامِ في هذه الآية بمعنى إطعام، وقال قوم: أراد نفس طعامه الذي يأكل، ففي الكلام حذف تقديره على بدل طَعامِ الْمِسْكِينِ، وقد تقدم القول في (سورة براءة) في المسكين والفقير بمعنى يغني عن إعادته، وعدد عليهم جدهم في أكل التراث لأنهم لا يورثون النساء ولا صغار الأولاد إنما كان يأخذ المال من يقاتل ويحمي الحوزة. و «اللّم» : الجمع واللف. قال الحسن: هو أن يأخذ في الميراث حظه وحظ غيره، وقال أبو عبيدة: لممت ما على الخوان إذا أكلت جميع ما عليه بأسره، ومنه لم الشعث، ومنه قول النابغة: [الطويل]
ولست بمستبق أخا لا تلمّه... على شعث أي الرجال المهذب
والجم: الكثير الشديد، ومنه قول الشاعر [أبو خراش الهذلي] :[الرجز]
إن تغفر اللهم تغفر جمّا... وأي عبد لك لا ألمّا
ومنه «الجم» من الناس، ثم قال تعالى: كَلَّا ردا على أفعالهم هذه وتوطئة للوعيد، أي سيرون أفعالهم ليس على قوم إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ، ودك الأرض تسويتها بذهاب جبالها، والناقة الدكاء التي لا سمن لها، وقوله تعالى: وَجاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ معناه: وجاء قدره وسلطانه وقضاؤه، قال منذر بن سعيد:
معناه: ظهوره للخلق هنالك ليس مجيء نقلة وكذلك مجيء الصاخة ومجيء الطامة، والْمَلَكُ اسم جنس: يريد جميع الملائكة، وروي أن ملائكة كل سماء تكون صَفًّا حول الأرض في يوم القيامة، وذكر الطبري في ذلك حديثا طويلا اختصرته، وبهذا المعنى يتفسر قوله تعالى: يَوْمَ التَّنادِ [غافر: ٣٢] على قراءة من شد الدال. وقوله تعالى في سورة الرحمن: إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا [الرحمن: ٣٣] الآية. وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي في هذه الآية «تكرمون» بالتاء، وكذلك سائر الأفعال بعدها على الخطاب، وقرأ أبو عمرو والحسن ومجاهد وأبو رجاء وقتادة والجحدري «يكرمون» في جميعها على ذكر الغائب إذ قد تقدم اسم جنس الإنسان.
قوله عز وجل:
[سورة الفجر (٨٩) : الآيات ٢٣ الى ٣٠]
وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى (٢٣) يَقُولُ يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي (٢٤) فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذابَهُ أَحَدٌ (٢٥) وَلا يُوثِقُ وَثاقَهُ أَحَدٌ (٢٦) يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)
ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨) فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩) وَادْخُلِي جَنَّتِي (٣٠)

صفحة رقم 480

روي في قوله تعالى: وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ أنها تساق إلى الحشر بسبعين ألف زمام، يمسك كل زمام سبعون ألف ملك فيخرج منها عنق فينتقي الجبابرة من الكفار في حديث طويل مختلف الألفاظ، و «جهنم» هنا: هي النار بجملتها، وروي أنه لما نزلت وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ تغير لون النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى: يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ معناه: يتذكر عصيانه وطغيانه، وينظر ما فاته من العمل الصالح. ثم قال تعالى: وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرى ثم ذكر عنه أنه يقول: يا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَياتِي، واختلف في معنى قوله: لِحَياتِي فقال جمهور المتأولين معناه: لِحَياتِي الباقية يريد في الآخرة، وقال قوم من المتأولين: المعنى لِحَياتِي في قبري عند بعثي الذي كنت أكذب به وأعتقد أني لن أعود حيا. وقال آخرون: لِحَياتِي هنا مجاز، أي لَيْتَنِي قَدَّمْتُ عملا صالحا لأنعم به اليوم وأحيا حياة طيبة، فهذا كما يقول الإنسان أحييتني في هذا الأمر، وقال بعض المتأولين لوقت أو لمدة حياتي الماضية في الدنيا، وهذا كما تقول جئت لطلوع الشمس ولتاريخ كذا ونحوه. وقرأ جمهور القراء وعلي بن أبي طالب وابن عباس وأبو عبد الرحمن: «يعذّب» و «يوثق» بكسر الذال الثاء، وعلى هذه القراءة، فالضمير عائد في عذابه ووثاقه لله تعالى، والمصدر مضاف إلى الفاعل ولذلك معنيان: أحدهما أن الله تعالى لا يكل عذاب الكفار يومئذ إلى أحد، والآخر أن عذابه من الشدة في حيز لم يعذب قط أحد بمثله، ويحتمل أن يكون الضمير للكافر والمصدر مضاف إلى المفعول، وقرأ الكسائي وابن سيرين وابن أبي إسحاق وسوار القاضي «يعذّب» و «يوثق» بفتح الذال والثاء ورويت كثيرا عن النبي صلى الله عليه وسلم، فالضميران على هذا للكافر الذي هو بمنزلة جنسه كله والمصدر مضاف إلى المفعول ووضع عذاب موضع تعذيب كما قال [القرطبي] :
[الوافر] وبعض عطائك المائة الرتاعا ويحتمل أن يكون الضميران في هذه القراءة لله تعالى، كأنه قال: لا يعذب أحد قط في الدنيا عذاب الله للكفار، فالمصدر مضاف إلى الفاعل، وفي هذا التأويل تحامل، وقرأ الخليل بن أحمد «وثاقه» بكسر الواو. ولما فرغ ذكر هؤلاء المعذبين عقب تعالى بذكر نفوس المؤمنين وحالهم فقال: يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ الآية، والْمُطْمَئِنَّةُ معناه: الموقنة غاية اليقين، ألا ترى أن إبراهيم عليه السلام قال: وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: ٢٦٠]، فهي درجة زائدة على الإيمان، وهي أن لا يبقى على النفس في يقينها مطلب يحركها إلى تحصيله، واختلف الناس في هذا النداء متى يقع فقال ابن زيد وغيره: هو عند خروج نفس المؤمن من جسده في الدنيا. وروي أن أبا بكر الصديق سأل عن ذلك رسول الله ﷺ فقال له: «إن الملك سيقولها لك يا أبا بكر عند موتك»، ومعنى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ على هذا التأويل، ارْجِعِي بالموت، وقال: وقوله فِي عِبادِي أي في أعداد عبادي الصالحين، وهذه قراءة الجمهور

صفحة رقم 481

بجمع «عبادي»، وقال قوم: النداء عند قيام الأجساد من القبور، فقوله: ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ معناه بالبعث من موتك ارجعي إلى الله. وقيل الرب هنا الإنسان ذو النفس، أي ادْخُلِي في الأجساد، والنَّفْسُ اسم جنس، وقال بعض العلماء: هذا النداء هو الآن للمؤمنين لما ذكر حال الكفار قال يا مؤمنون دوموا وجدوا حتى ترجعوا راضين مرضيين، ف النَّفْسُ على هذا اسم الجنس، وقرأ ابن عباس وعكرمة وأبو شيخ والضحاك واليماني ومجاهد وأبو جعفر: «فادخلي في عبدي»، والنَّفْسُ على هذا ليست باسم الجنس، وإنما خاطب مفردة. قال أبو شيخ: الروح يدخل في البدن، وفي مصحف أبي بن كعب: «يا أيتها النفس الآمنة المطمئنة إيتي ربك راضية مرضية فارجعي في عبدي»، وقرأ سالم بن عبد الله «فادخلي في عبادي ولجي جنتي»، وتحتمل قراءة «عبدي» أن يكون العبد اسم جنس جعل عباده كالشيء الواحد دلالة على الالتحام كما قال عليه السلام وهم يد على من سواهم وقال آخرون: إنما هو في الموقف عند ما ينطلق بأهل النار إلى النار، فنداء النفوس على هذا إنما هو نداء أرباب النفوس، ومعنى ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ على هذا إلى رحمة ربك، والعباد هنا الصالحون المنعمون.

صفحة رقم 482
المحرر الوجيز فى تفسير الكتاب العزيز
عرض الكتاب
المؤلف
أبو محمد عبد الحق بن غالب بن عبد الرحمن بن تمام بن عطية الأندلسي المحاربي
تحقيق
عبد السلام عبد الشافي محمد
الناشر
دار الكتب العلمية - بيروت
سنة النشر
1422 - 2001
الطبعة
الأولى
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية