آيات من القرآن الكريم

وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاعِمَةٌ
ﮠﮡﮢ ﮤﮥ ﮧﮨﮩ ﮫﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗ ﯙﯚ ﯜﯝ ﯟﯠ

أحوال المؤمنين المخلصين أهل الجنة
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ٨ الى ١٦]
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً (١١) فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ (١٢)
فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ (١٣) وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ (١٤) وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ (١٥) وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ (١٦)
الإعراب:
لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً التاء للخطاب، والفعل مبني للمعلوم (للفاعل) ولاغِيَةً مفعول تَسْمَعُ ولاغِيَةً مصدر كالعافية والعاقبة.
وقرئ بضم التاء ورفع لاغِيَةً على أن الفعل مبني للمجهول (لما لم يسم فاعله) ولاغِيَةً مرفوع لأنه نائب فاعل.
ومن قرأ القراءة الثانية، ذكّر اللاغية إما لأنه أراد بها اللغو، وهو مذكر، وإما لأنه فصل بين الفعل والفاعل، مثل: حسن اليوم دارك، واضطرم الليلة نارك، وحضر القاضي اليوم امرأة.
وإذا جاز التذكير مع المؤنث الحقيقي، فمع غير الحقيقي أولى.
البلاغة:
لِسَعْيِها راضِيَةٌ، فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً سجع رصين غير متكلّف.
المفردات اللغوية:
ناعِمَةٌ ذات بهجة وحسن، أو متنعمة. لِسَعْيِها راضِيَةٌ أي راضية في الآخرة بعملها الذي عملته في الدنيا، وهو طاعة اللَّه، لما رأت ثوابه. فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ عالية المكان والقدر لأن الجنة درجات، كما أن النار دركات. لاغِيَةً لغوا وهذيانا لا فائدة فيه، وكذبا وبهتانا.
عَيْنٌ جارِيَةٌ ينبوع ماء جار. سُرُرٌ جمع سرير: وهو ما يجلس أو ينام عليه.
مَرْفُوعَةٌ رفيعة ذاتا وقدرا ومحلا.
وَأَكْوابٌ جمع كوب: إناء لا عروة له. مَوْضُوعَةٌ معدّة ومهيأة لشربهم وبين أيديهم. وَنَمارِقُ وسائد، جمع نمرقة- بضم النون وفتحها- وبالكسر في لغة مَصْفُوفَةٌ اصطف بعضها بجنب بعض للاستناد إليها وَزَرابِيُّ بسط فاخرة، وطنافس لها خمل، جمع زربي

صفحة رقم 208

- بكسر الزاي أو زربيّة: وأصل الزرابي: أنواع النبات الأحمر والأصفر والأخضر مَبْثُوثَةٌ مبسوطة مفرّقة في المجالس.
المناسبة:
بعد بيان وعيد الكفار الأشقياء، وبيان حالهم ومكانهم وطعامهم وشرابهم، ذكر اللَّه تعالى أحوال المؤمنين السعداء، وما وعدهم به ربهم، واصفا ثوابهم وأهل الثواب، ثم وصف دار الثواب، لترغيب الناس بأعمالهم، وتشويقهم لما يلاقونه من فضل ربهم.
التفسير والبيان:
وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ، لِسَعْيِها راضِيَةٌ أي ووجوه يوم القيامة ذات نعمة وبهجة ونضرة وحسن، يعرف النعيم فيها، أو متنعمة، كما قال تعالى: تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ [المطففين ٨٣/ ٢٤] وهي وجوه السعداء، لما شاهدوا من عاقبة أمرهم، وقبول عملهم، فهي لعملها الذي عملته في الدنيا راضية، أي رضيت عملها لأنها قد أعطيت من الأجر من أرضاها، كما قال تعالى: رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، وَرَضُوا عَنْهُ [البينة ٩٨/ ٨].
والخلاصة: أن اللَّه تعالى وصف أهل السعادة والثواب بوصفين:
أحدهما- في ظاهرهم وهو قوله: ناعِمَةٌ أي ذات بهجة وحسن، أو متنعمة.
والثاني- في باطنهم وهو قوله: لِسَعْيِها راضِيَةٌ.
ثم وصف دار الثواب وهي الجنة بسبعة أوصاف:
١- ٢- فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ، لا تَسْمَعُ فِيها لاغِيَةً أي إن أصحاب الوجوه الناعمة وهم المؤمنون السعداء في جنة رفيعة المكان، بهية الوصف، آمنة

صفحة رقم 209

الغرفات لأن الجنة منازل ودرجات بعضها أعلى من بعض، كما أن النار دركات بعضها أسفل من بعض.
ولا تسمع في كلام أهل الجنة كلمة لغو وهذيان لأنهم لا يتكلمون إلا بالحكمة وحمد اللَّه تعالى على ما رزقهم من النعيم الدائم، ولأن الجنة منزل أحباب اللَّه، ومنازل الصفاء لا تتعكر باللغو والكذب والبهتان، كما قال تعالى: لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ [الطور ٥٢/ ٢٣] وقال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلَّا سَلاماً [مريم ١٩/ ٦٢] وقال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلًا: سَلاماً سَلاماً [الواقعة ٥٦/ ٢٥- ٢٦].
٣- ٤- فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ، فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ أي في الجنة ينبوع أو عين ماء تجري مياهها وتتدفق بأنواع الأشربة المستلذة الصافية، وليس المراد بها عينا واحدة باعتبارها نكرة في سياق الإثبات، وإنما هذا جنس، يعني فيها عيون جاريات.
وفيها أسرة عالية مفروشة بما هو ناعم الملمس، كثيرة الفرش، مرتفعة السّمك، إذا جلس عليها المؤمن استمتع بها ورأى رياض الجنة ونعيمها، كما قال تعالى: وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ [الواقعة ٥٦/ ٣٤].
وفي ذلك غاية التشريف والتكريم.
٥- ٧- وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ، وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ، وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ أي وفيها أواني الشرب وأقداح الخمر غير المسكرة معدة مرصودة بين أيديها، يشربون منها متى أرادوا، وفيها ووسائد (مخدات) مصفوفة بعضها إلى بعض، للجلوس عليها أو الاستناد إليها، وفيها بسط مبسوطة في المجالس، وطنافس (سجّاد) لها خمل رقيق ناعم، مفرّقة في المجالس، كثيرة، تغري بالجلوس عليها، ويستمتع الناظر إليها، وفيها معاني الأبهة والفخامة.

صفحة رقم 210

فقه الحياة أو الأحكام:
وصف اللَّه تعالى أهل السعادة والثواب، ودار الثواب بأوصاف جميلة رائعة الجمال والمتعة، لإغراء الناس بها وترغيبهم في الحصول عليها إذا عملوا عمل أصحابها المستحقين لها.
أما أهل الثواب فلهم صفتان: ظاهرية وباطنية، فوجوه المؤمنين ذات نعمة وبهجة ونضرة، ولعملها الذي عملته في الدنيا راضية في الآخرة، حيث أعطيت الجنة بعملها.
وأما دار الثواب فلها صفات سبع كما تقدم:
الأولى- في جنة عالية، أي مرتفعة، وعالية القدر لأن فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.
الثانية- لا تسمع فيها كلاما ساقطا غير مرضي، ولا تسمع فيها كلمة لغو.
الثالثة- فيها عين شراب جارية على وجه الأرض، من غير أخدود، وتجري لهم كلما أرادوا، بماء مندفق وبأنواع الأشربة اللذيذة من خمر وعسل ولبن.
الرابعة- فيها سرر عالية المكان، مرتفعة السماء.
الخامسة- فيها أكواب، أي كيزان لا عرى لها، أو أباريق وأوان، والإبريق: هو ما له عروة وخرطوم، والكوب: إناء ليس له عروة ولا خرطوم.
السادسة- فيها نمارق، أي وسائد مصفوفة واحدة إلى جنب الأخرى.
السابعة- فيها البسط المبسوطة، والطنافس التي لها خمل رقيق، والكثيرة المتفرقة في المجالس.

صفحة رقم 211
التفسير المنير
عرض الكتاب
المؤلف
وهبة بن مصطفى الزحيلي الدمشقي
الناشر
دار الفكر المعاصر - دمشق
سنة النشر
1418
الطبعة
الثانية
عدد الأجزاء
30
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية