آيات من القرآن الكريم

وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ
ﯢﯣﯤﯥﯦﯧ ﯩﯪﯫﯬ ﯮﯯﯰﯱ ﯳﯴﯵﯶ ﯸﯹﯺﯻ ﯽﯾﯿ ﭑﭒﭓﭔ ﭖﭗﭘﭙ ﭛﭜﭝ ﭟﭠﭡﭢ

انقباضا واشمئزازا بالإضافة إلى حقيقة الآخرة الإيمانية.
ويلحظ هنا أيضا صور للحياة الأخروية مغايرة لصور أخرى في آيات أخرى، ولقد علقنا على التباين والتنوع في هذه الصور بما رأينا فيه الكفاية في المناسبات المماثلة السابقة وبخاصة في سياق تفسير سورة فصلت فلا نرى ضرورة إلى إعادة أو زيادة.
هذا، ويلحظ أن السور السابقة انتهت بإنذار الظالمين الكافرين باليوم الموعود وأن هذه السورة بدأت بوصف ما يكون الناس عليه في ذلك اليوم حيث يمكن أن يكون في ذلك قرينة على صحة ترتيب نزول هذه السورة بعد تلك.
[سورة الغاشية (٨٨) : الآيات ١٧ الى ٢٦]
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ (١٨) وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ (١٩) وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ (٢٠) فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١)
لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلاَّ مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ (٢٤) إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ (٢٥) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ (٢٦)
. (١) مسيطر: جبار وقاهر أو محاسب ومراقب.
(٢) إيابهم: مجيئهم ورجوعهم.
الضمائر في الآيات عائدة إلى الكفار على ما تلهمه عبارتها. وقد احتوت:
١- تساؤلا ينطوي على التنديد والتعجب عما إذا لم يكونوا يرون في خلق الإبل وارتفاع السماء وانتصاب الجبال وتسطيح الأرض من عجائب شاهدة على وجود الله وعظمته وقدرته.
٢- وأمرا للنبي ﷺ بأن يستمر في التذكير والإنذار وتقريرا تطمينيا له بأن هذا هو قصارى مهمته. فهو مذكر وليس مسؤولا عن جحودهم وكفرهم أو مكلفا بالسيطرة عليهم وإجبارهم على الإيمان.

صفحة رقم 47

٣- واستدراكا بأن ذلك لا يعني عدم مسؤولية المعرضين عن دعوة الله الكافرين برسالة النبي ﷺ فإنهم سينالهم عذاب الله الأكبر الذي سوف يكون مرجعهم إليه وحسابهم عليه.
والآيات وإن بدت فصلا مستقلا عن الفصل السابق فالمتبادر أيضا أنها ليست منقطعة عنه، فقد احتوى ذلك الفصل وصف مصائر الناس في يوم القيامة فجاء هذا الفصل للتنديد بالجاحدين منهم الذين يتغافلون عن مشاهد عظمة الله وقدرته ويتصاممون عن الدعوة إليه ويكفرون بنبيه وإنذارهم وتهوين موقفهم على النبي ﷺ وفي الاستدراك الذي احتوته الآية [٢٣] وعيد من جهة وتطمين للنبي ﷺ من جهة أخرى.
ومما يحسن لفت النظر إليه أن المشاهد التي احتوتها الآيات من المشاهد الواقعة تحت حسّ المخاطبين ونظرهم والمالئة أذهانهم بعظمتها ونفعها. وهو مما جرى عليه النظم القرآني لأنه أرعى إلى الانتباه وأدعى إلى النفوذ.
ومما يلحظ أن أسلوب الآيات المطمئنة للنبي ﷺ والمقررة بأنه ليس مسيطرا ولا جبارا ولا مسؤولا عن الناس وبأن قصارى مهمته التذكير والتبليغ قد تكرر في سور عديدة سابقة وفي السورة السابقة لهذه السورة مباشرة ما يدل على ما كان النبي ﷺ قد ظل يشعر به من ألم وحزن من عدم استجابة معظم الناس وما كان قد ظل يكلف نفسه به من جهد يكاد يفوق الطاقة البشرية إلى حد الأذى والشقاء في سبيل هدايتهم وإقناعهم.
تعليق على ما روي وقيل في صدد الآيتين إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢)
أولا: قال المفسرون: إن هذه الآيات نسخت بآيات القتال ومثل هذا قيل في سياق آيات مماثلة أو قريبة مرّ تفسيرها. وقد علقنا على هذا في سورتي المزمل

صفحة رقم 48

والكافرون بما يغني عن التكرار.
ثانيا: روى الترمذي في سياق تفسير الآيتين حديثا عن جابر أن النبي ﷺ قال: «أمرت أن أقاتل الناس حتّى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا منّي دماءهم وأموالهم إلّا بحقّها وحسابهم على الله ثم قرأ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ (٢١) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) «١». وليس في الحديث ما يفيد أنه صدر عند نزول الآيتين، بل إنه يمكن القول بجزم أنه صدر في العهد المدني وبعد تشريع القتال. غير أن استشهاد النبي ﷺ بالآيتين يفيد أنه أراد أن يقول إن حساب الناس بعد أن يقولوا لا إله إلا الله ويعصموا بها دماءهم وأموالهم إلّا بحقها هو على الله وليس هو مسيطرا عليهم حتى يحاسبهم على غير ذلك. وفي هذا تلقين جليل المدى بكون الناس موكولين إلى دينهم وتقواهم وخشيتهم من الله فيما يكون منهم من أعمال غير معروفة. وأنه ليس للسلطان أن يتعقب الناس لاستكشاف خباياهم وأسرارهم إذا لم يكن دليل على ضرر محقق على أحد أو على أمن الناس والمصلحة العامة، أما ما فيه ضرر محقق فهو ما عنته الجملة (إلّا بحقه) من الحديث حيث يكون للسلطان حقّ في عمل ما يجب عمله للقصاص والزجر واستيفاء الحق لصاحبه من المبطل الباغي.
ولقد روى هذا الحديث البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وأبو داود بدون ذكر صلته بالآيتين أو الاستشهاد فيه بالآيتين. وروي كذلك في مناسبة قتال أبي بكر رضي الله عنه للممتنعين عن الزكاة، وعلقنا على ذلك في سور المزمل والكافرون بما يغني عن التكرار ويزيل اللبس في الحديث موضوعيا.

(١) التاج ج ٤ ص ٢٥٨.

صفحة رقم 49

سورة الكهف
في السورة حملة شديدة على الكفار، ووصف لشدة عنادهم وجحودهم وما كان يحدثه هذا من حزن للنبي صلى الله عليه وسلم. وإشارات إلى ما كان من استخفاف الكفار بشأن فقراء المسلمين واعتدادهم بثرواتهم وقوتهم ووصف لهول يوم القيامة ومصير الكفار والمؤمنين فيه. وأمثال ومواعظ في صدد الدعوة النبوية وتسفيه الاغترار بالدنيا والانشغال بها عن الخير والصلاح. وقصص أصحاب الكهف وموسى مع العبد الصالح وذي القرنين تضمنت المواعظ والتذكير.
وآيات السورة متوازنة، وليس بين فصولها تغاير أسلوبي بالرغم من تنوعها وهذا وذاك معا مما يبرر القول إنها نزلت متتابعة حتى تمّت.
ويروى أن الآيات [٢٨ و ٨٣- ١٠١] مدنيات، والسياق والأسلوب والمضمون يسوّغ الشك والتوقف في ذلك.
ولقد روى مسلم وأبو داود والترمذي عن أبي الدرداء أن النبي ﷺ قال: «من حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف عصم من الدّجّال» «١». وفي رواية: «من حفظ من خواتيم سورة الكهف عصم من الدجّال». وروى الحاكم والبيهقي عن أبي سعيد عن النبي ﷺ أنه قال: «من قرأ سورة الكهف يوم الجمعة أضاء له من النور ما بين الجمعتين وفي رواية أضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق» «٢». وهناك نصوص أخرى مقاربة أوردها ابن كثير في مطلع تفسيره للسورة مروية عن الإمام أحمد بالإضافة إلى هذه النصوص.

(١) التاج ج ٤ ص ١٧- ١٨. [.....]
(٢) المصدر نفسه.

صفحة رقم 50
التفسير الحديث
عرض الكتاب
المؤلف
محمد عزة بن عبد الهادي دروزة
الناشر
دار إحياء الكتب العربية - القاهرة
سنة النشر
1383
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية