آيات من القرآن الكريم

فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَىٰ
ﮟﮠﮡﮢ ﮤﮥﮦ ﮨﮩﮪ ﮬﮭﮮ ﮰﮱﯓ ﯕﯖﯗ ﯙﯚﯛﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢ ﯤﯥ ﯧﯨﯩﯪ ﯬﯭﯮ

تفسير سورة الأعلى عدد ٨- ٨٧
نزلت في مكة بعد التكبير، وهي تسع عشرة آية، واثنتان وسبعون كلمة، ومائتان وواحد وتسعون حرفا، وتسمى سبح ومثلها في عدد الآي سورتا العلق والانفطار، ويوجد في القرآن سبع سور مبدوءة بلفظ التسبيح واحدة بلفظ الأمر وهي هذه، وثلاث بلفظ الماضي وهي: الحديد والحشر والصف، واثنتان بلفظ المضارع وهي: الجمعة والتغابن، وواحدة بالمصدر وهي الاسراء.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

قال تعالى مخاطبا عبده ورسوله: «سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ» نزهه عما يقول الملحدون مما لا يليق بذاته وهو المستحق للتقديس «الْأَعْلَى ١» علوا يليق بذاته لا علو مكان تعالى الله عنه الموصوف بالعلو أي القهر والاقتدار «الَّذِي خَلَقَ» كل شيء وأوجده من لا شيء «فَسَوَّى ٢» ما خلقه بما يناسبه إذ جعل كل خلقه مستويا معتدلا لا تفاوت فيه محكما منسقا سبحانه فقد أحسن كل شيء خلقه لأن ما يصدر عن الحكيم لا يكون الا كذلك «وَالَّذِي قَدَّرَ» أرزاق مخلوقاته تقديرا حكيما لكل بحسبه «فَهَدى ٣» كلا منها لطريق اكتسابه ويسّر كلا لما خلق له وسهل له سلوكه فجعل كلا يتناول ما قسم له بوسائل مختلفة والهدف واحد «وَالَّذِي أَخْرَجَ» في الأرض انواع النبات وأظهر منها «الْمَرْعى ٤» للحيوان وصيره أنواعا وأصنافا يناسب كلا منها فلم يترك صغيرا ولا كبيرا إلا وخلق له ما يرعاه وينفعه «فَجَعَلَهُ» أي ذلك المرعى بعد أن كان أخضر وأصفر وأحمر وما بينهما في الألوان العجيبة والأشكال الغريبة البديعة «غُثاءً» هو ما يرى فوق السيل وما يقذفه على جانبي الوادي من هشيم الحشيش وغيره «أَحْوى ٥» مائلا الى السواد يابسا وقد يتحجر بكر الأيام ولا يبعد ما يقوله الأثريون بأن الفحم الحجري أصله نبات والحوادث تدل عليه وهو في معجزات القرآن العظيم إذ لا يوجد في نزوله على وجه الأرض من يعرف هذا غير منزله جل وعلا الا فليعتبر المعتبرون «سَنُقْرِئُكَ» يا محمد من معلومات غيبنا ومكنونات علمنا مما لا يعلمه أحد «فَلا تَنْسى ٦»

صفحة رقم 131

ما نقرئك أبدا، ونظير هذه الآية الآية ١٦ فما بعدها من سورة القيمة الآتية كان ﷺ إذا نزل عليه جبريل بالوحي لم يكد يفرغ من آخر الآية حتى يتكلم بها رسول الله مخافة نسيانها فأنزل الله عليه هذه الآية فأمن نسيان شيء من بعدها. وهي بشارة له من ربه منّ عليه بها بحفظ وحيه وأن لا يفلت منه شيء. وقيل المراد فلا تنسى العمل به، والأول أولى بالمقام لإنه ابعد ان يقع منه ذلك «إِلَّا ما شاءَ اللَّهُ» وقوعه ولم يشأ جل شأنه أن ينسى حبيبه شيئا من كلامه، جاء في الحواشي العصامية على أنوار التنزيل ان الاستثناء على هذا الوجه لتأكيد عموم النفي لا لنقض عمومه، فهو استثناء من أعم الأوقات أي فلا تنسى في وقت من الأوقات شيئا من الوقت الا وقت مشيئة الله نسيانك، لكنه سبحانه لا يشاء ذلك وهذا على حد قوله تعالى: «خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا ما شاءَ رَبُّكَ» الآية ١٠٨ من سورة هود من ج ٢، وإليه ذهب الفراء فقال أنه تعالى ما شاء أن ينسى رسوله إلا أن المقصود من الاستثناء بيان أن الله تعالى لو أراد أن يصيره ناسيا لقدره عليه كما في قوله: «وَلَئِنْ شِئْنا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ» الآية ٨٦ في سورة الاسراء الآتية، ولا شك أنّا نقطع بأنه تعالى ما شاء ذلك ولو شاء لفعل ولكن يأبى كرمه أن يسلب حبيبه شيئا منّ به عليه وشرّفه تفضلا منه، كيف وقد تعهد له «بحفظه راجع الآية ٩» في سورة الحجر من ج ٢.
مطلب عصمة النبي من النسيان:
هذا وقد قال له «لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ» الآية ٦٥ من سورة الوتر من ج ٢ مع القطع بأنه لم يشرك البتة، وفائدة ذلك ان يعرفه كمال قدرته حتى يعلم أن عدم النسيان من فعله وإحسانه وليعرف الغير ذلك، فعلى هذا يكون نفيا مجازيا من باب قوله من المعنى:

صفحة رقم 132

وما قيل من أن المراد بالمستثنى هو ما نفى الله نسخه أو ارتفاع حكمه أو تلاوته فليس بسديد لأن النسخ لا يأتي بمقابلة القراءة حتى يستثنى منها، وما استدل به على هذا في حديث عائشة الذي أخرجه الشيخان بأنه كان فيما أنزل عليه عشر معلومات فنسخن بخمس معلومات وأنه صلّى الله عليه وسلم نسي الجميع بعد تبليغه وبقي ما بقي عنده بعض من سمعه منه بعيد جدا عن الحقيقة، لأنه لا يعقل أن المنزل عليه الذي بلغه ينساه ويبقى بفكر الغير، ولأن رفع الحكم يؤدي إلى ترك التلاوة لعدم التعبّد بها، ورفع التلاوة يؤدي لعدم اخطارها بالبال لعدم بقاء الحكم. وما قيل ان المراد إلا ما شاء الله أن تنساه ثم تذكره بعد استدلالا بما جاء في صحيح البخاري وغيره من حديث عائشة قالت: سمع رسول الله رجلا يقرأ في سورة والليل فقال رحمه الله لقد ذكرني كذا وكذا، وفي رواية كنت أسقطهن من سورة كذا وفي رواية أسقط آية في قراءته في صلاة الصبح فحسب أبي أنها نسخت، فسأله عليه السلام فقال نسيتها، غير وجيه وحاشا رسول الله أن ينسى شيئا تعهد له به ربه وان هذا النسيان الوارد في هذه الأحاديث غير مقصود بهذه الآية ولا متعلق بها وان الذكر بعد النسيان وان كان واجبا إلا أن العلم به لا يستفاد منه في هذا المقام ولا يصلح أن يستدل به. راجع بحث تهديد من نسي القرآن وبحث ترتيب آي القرآن في المقدمة تحظ بما يزيل عنك ما يحدس ببالك قال تعالى «إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ» في أقوال عباده وأفعالهم وحركاتهم وسكناتهم «وَما يَخْفى ٧» منها وما يحوك في صدر الإنسان قبل أن يخش به «وَنُيَسِّرُكَ» يا أكمل الرسل ونوفقك «لِلْيُسْرى ٨» الطريقة التي هي أهون وأكمل من كل ما تريد ونجعل شريعتك يسرة سمحة لا غرابة فيها ولا تعقيد ولا حرج ولا شدة قال عليه الصلاة والسلام بعثت بالحنفية السمحاء أي بين الرخاء والقسوة «فَذَكِّرْ» يا حبيبي قومك أجمع بما نوحيه إليك وعظهم به «إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى ٩» أي ما نفعت وجاءت إن هنا شرطية استبعادا للتأثير فيهم لما هم عليه من عتو وعناد، وقد يراد بمثلها التذكر

صفحة رقم 133
بيان المعاني
عرض الكتاب
المؤلف
عبد القادر بن ملّا حويش السيد محمود آل غازي العاني
الناشر
مطبعة الترقي - دمشق
الطبعة
الأولى، 1382 ه - 1965 م
عدد الأجزاء
1
التصنيف
التفسير
اللغة
العربية
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم بهن فلول من قراع الكتائب