سورة الأعلى
هى مكية وآياتها تسع عشرة، نزلت بعد سورة التكوير.
ومناسبتها لما قبلها- أنه ذكر فى تلك خلق الإنسان، وأشار إلى خلق النبات بقوله: «وَالْأَرْضِ ذاتِ الصَّدْعِ». وذكر هنا خلق الإنسان فى قوله: «خَلَقَ فَسَوَّى». وخلق النبات فى قوله: «أَخْرَجَ الْمَرْعى فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى» وقصة النبات هنا أوضح وببسط أكثر، وخلق الإنسان هناك أكثر تفصيلا.
أخرج الإمام أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي عن النعمان بن بشير «أن رسول الله ﷺ كان يقرأ فى العيدين ويوم الجمعة (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى- وهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ) وإن وافق يوم الجمعة قرأهما جميعا».
[سورة الأعلى (٨٧) : الآيات ١ الى ٥]
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (١) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (٢) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى (٣) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى (٤)
فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى (٥)
شرح المفردات
التسبيح: التنزيه، خلق: أي خلق الكائنات، فسوى: أي فسواها ووضع خلقها على نظام كامل، لا تفاوت فيه ولا اضطراب، قدّر: أي قدّر لكل حى ما يصلحه مدة بقائه، فهدى: أي هداه وعرّفه وجه الانتفاع بما خلق له، والمرعى:
كل ما تخرجه الأرض من النبات والثمار والزروع المختلفة، والغثاء: ما يقذف به السيل إلى جانب الوادي من الحشيش والنبات، والأجوى: الذي يضرب لونه إلى السواد. قال ذو الرمة:
لمياء فى شفتيها حوّة لعس
وفى اللّثات وفى أنيابها شنب
صفحة رقم 120
المعنى الجملي
أمر سبحانه رسوله أن ينزه اسمه عن كل ما لا يليق به واسم الله ما يعرف به، والله إنما يعرف بصفاته من نحو كونه عالما قادرا حكيما، وهذا الاسم هو الذي يوصف بأنه ذو الجلال والإكرام، وهو المراد بالوجه فى قوله: «وَيَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ» وهو المذكور فى قوله: «وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها» أي علمه رسوم الأشياء وما تعرف به.
فالله يأمرنا بتسبيح هذا الاسم أي تنزيهه عن أن نصفه بما لا يليق به من شبه المخلوقات، أو ظهوره فى واحد منها بعينه، أو اتخاذه شريكا أو ولدا له، فلا تتجه عقولنا إليه إلا بأنه خالق الكائنات وهو الذي أوجدها وسوّاها، وأنه هو الذي أخرج المرعى ثم جعله جافّا حتى لفظه السيل بجانب الوادي.
الإيضاح
(سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) أي نزه اسم ربك عن كل ما لا يليق بجلاله فى ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه فلا تذكره إلا على وجه التعظيم له، ولا تطلق اسمه على غيره زاعما أنه يشاركه فى صفاته.
ثم وصف ذلك الاسم الأعلى فقال:
(١) (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى) أي الذي خلق الكائنات جميعا فسوى خلقها وجعلها منسقة محكمة ولم يأت بها متفاوتة غير ملتئمة، دلالة على أنها صادرة عن عالم حكيم مدبّر، أحسن تدبيرها، فأحكم أسرها.
(٢) (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) أي والذي قدر كل واحد منها على ما يستحقه، ويكون به استقرار شأنه فقدر السموات وما فيها من الكواكب، وقدر الأرض وما فيها من المعادن، وما يظهر على وجهها من النبات، وما يعيش عليها من الحيوان